الكفاءة الزوجية.. قراءة في تراثنا المالكي/د.الشيخ التراد ولد محمدو |
الأربعاء, 23 أبريل 2014 14:24 |
سأتناول في هذه المعالجة موضوعا شائكا في المجال الاجتماعي ، وحديثي هنا سيكون الكفاءة في الزواج، ومعايير تلك الكفاءة في المقررات الفقهية المالكية، وقدكان التركيزهنا على المالكية لمايحتله المذهب المالكي في الذهنية الموريتانية، ولمايثيره الموضوع محليا من جدل فقهي واجتماعي، لازال يلقي بظلاله على المنظومة الاجتماعية والعرفية. بعد تتبعي لأمهات المذهب المالكي وحديثها حول الكفاءة الزوجية، لاحظت عدم اعتبار الكفاءة النسبية والاهتمام بالكفاءة الدينية خلافا لما تعارف الناس عليه من شروط عرفية في الكفاءة الزوجية وتقديسها إلى حد كبير. ولا شك أن هذا الرأي المذهبي المالكي يعد انسجاما حقيقيا مع النصوص الوحيية التي حثت على الكفاءة الدينية والخلقية، وقد حفلت بعض المتون الفقهية بشواهد عالية السند، تعلي من شأن الكفاءة الديني، يقول الإمام مالك في مدونته الكبرى عندما سئل : "أرأيت إن كانت ثيبا فخطب الخاطب إليها نفسها فأبى والدها أو وليها أن يزوجها فرفعت ذلك إلى السلطان، وهو دونها في الحسب والشرف إلا أنه كفء في الدين فرضيت به وأبى الولي، قال يزوجها السلطان، ولا ينظر إلى قول الأب والولي إذا رضيت به وكان كفؤا في دينه ..." بل إن ابن رشد في البداية حكى الاتفاق على ذلك حين قال :" فأما الكفاءة فإنهم اتفقوا على أن الدين معتبر في ذلك، وحكى عن مالك جواز نكاح الموالي من العرب ، فاعتبار الدين في التصور المالكي أمر أساسي لا ينبغي تجاهله عند الاختيار، وإن كانت الكفاءات الأخرى تأتي مكملة لكفاءة الدين، ولا عبرة بما يقال من عدم كفاءة غير الشريف والأقل جاها. وهنا يبدو الالتزام الديني متصدرا تلك الكفاءات ورائدها في الميدان الاجتماعي . ويتحدث صاحب الذخيرة عن ما أسماها" شروط الاستقرار في النكاح"، ذاكرا من بينها الكفاءة التي تضمن الاستقرار للأسرة ودوام مودتها، وعلى رأس معايير الكفاءة : الالتزام الديني، بل إن القرافي حكى أن بعض الأشياخ كانوا يهربون من الفتيا في مسألة الكفاءة الدينية لما يؤدي إليه من نقض أكثر الأنكحة شيوعا بين الناس مما يؤكد أن نظرة الناس قديما للكفاءة كانت تسلك مسالك أخرى لا علاقة لها بالتدين، فاستدعى من العلماء حسب القرافي عدم الافتاء في فسخ نكاح غير الكفء الملتزم، لما تعارف الناس عليه من تجاوز الكفاءة الدينية وإحلال الكفاءة النسبية محلها، ومؤلفات المالكية مليئة بالحديث عن الموضوع،أبرزت كلها أهمية الكفاءة الدينية على الرغم من عرضها للكفاءات الأخرى، كالكفاءة النسبية والمالية، والصحية، والحرفية، والحسبية وغيرها. ولاشك أن الميزان الفقهي في هذه الخلاصة يميل إلى الكفاءة الدينية على الرغم من تأخيرها عرفيا في بعض المجتمعات المادية، وقد كان ذلك التخلف الديني سببا رئيسا في الانهيار المتكرر للأسرة والبيت، ولازال ذلك النهج مهيمنا على بعض البيوت المسلمة، لكن هذا الحديث الصريح من طرف شيوخ المالكية قد يوضح التصور المغلوط على بعض المذاهب ، وتحميلها مالم تقل ، لتكون تلك المقررات الفقهية شاهدا أيضا على عدالة تلك الاجتهادات المنبثقة من نصوص الوحي وتعاليمه.
|