الجذور التاريخية لمكانة المرأة الموريتانية/د.الشيخ التراد ولد محمدو |
الثلاثاء, 29 أبريل 2014 10:05 |
ويبدوأن وضعية المرأة الموريتانية وطبيعة الحضور الملاحظ عليها تعود في أصولها التاريخية إلي المرأة الصنهاجية في عهد المرابطين التي قيل إن من أسباب ثورة محمد بن تومرت زعيم الموحدين علي الإمارة المرابطية النفوذ الذي كانت تمارسه المرأة الصنهاجية على الرجل المرابطي مستغلا لذلك ظاهرة انتساب بعض المرابطين إلى أمهاتهم ،وهي عادة لمتونية معروفة واستقرت هذه الدعوة في أذهان العامة حتى قال عبد الواحد المراكشي وهو كاتب موحدي:" واستولى النساء على الأحوال، وأسندت إليهن الأمور.."ولا أدل علي ذلك من النفوذ الذي حظيت به زينب النفراوية زوج يوسف بن تاشفين في عهدالمرابطين مما جعلها تتفوق على الرجال وتفرض شخصيتها ونفوذها في شؤون السياسة والحكم، وهو ما أورده ابن الأثير بقوله: وكانت من أحسن النساء ولها الحكم في بلاده، فقد أدَّت زينب دور مستشار يوسف بن تاشفين الذي امتثل لنصائحها، وكلما بدت له مشكلة أو اعتورته صعوبة لجأ إليها لتقدم له المشورة والحل الممكن. وقد ذكر أن القاضي أبا محمد عبد العزيز السوسي الصوفي قد امتحن على يديها وسيق إليها مكبلا؛ وكان لها عزم وحزم وكان القاضي له أدب فبلغ زينب أنه مدح حواء امرأة الأمير سير بن أبي بكر، وفضلها على سائر النساء بالجمال والكمال، فأمرت بعزله عن القضاء فوصل إلى أغمات واستأذن عليها فدخل الباب وأعلمها به خادمها فقالت له: قل له امض إلى التي مدحتها تردك إلى القضاء وإذا كان المجتمع الموريتاني توارث عن العرب قديما تلك النظرة السلبية تجاه البنات لحظة الولادة، فإن ذلك طبعا لم يؤثر على وضعية المرأة ومكانتها، بل ورمزيتها الاجتماعية وكونها عنصرا فاعلا داخل النسيج المجتمعي والأسرة الموريتانية، مما حدى بالرجل الموريتاني إلى اعتبرا إكرام المرأة للضيوف وتوليها مهمة إعداد مأدبة الكرام شرفا يستدعى الاشادة، فهذا أحدهم يمدح زوجته ويشيد بضيافتها حين يقول: مَا ذَا تُحاوِلُ وَيْحَهَا لَكَ مَرْيَمُ وَلَضَيْفُهَا فِي النَّاسِ ضَيفٌ مُّكْرَمُ
ومع ما يتمتع به الرجل من سلطة في المجتمع، فإن للمرأة الموريتانية بشتى مكوناتها وتركيبتها دورها في تحديد مسار سلطة الرجل، وتتمتع مجموعات النساء الكبيرات بسلطة اجتماعية تكاد تكون محصورة داخل هذه المجموعة المتنفذة، فهن المسئولات عن المواساة، و رسائل الخطب والزواج تقديرا لهن، هذا إضافة إلى رعايتهن التامة للأعراف والتقاليد الأسرية، فلهن الحق في رفض كل خارج على المألوف الاجتماعي، ومن شأنهن رفض زواج الرجال من غير مجتمعهن حماية للتكتل والتجانس الاجتماعي. ويجد الرجال صعوبة في تجاوز هذه العقبة الكأداء ساعة التفكير في تكوين أسرة جديدة، ورغم هذا الحصار المفروض على رجالات المجتمع أحيانا تحت رعاية دار المسنين من نساء الحي، إلا أن التمرد على هذه السلطة يبقى ممكنا، وهو ما حصل مع العالم الموريتاني سيد محمد بن الشيخ سيديا، حيث قرر مغادرة الحي والتزوج خارج الدائرة الاجتماعية، ليجد نفسه أمام مقاومة شرسة من طرف عجائز المجتمع الرافضات لزواجه من أخرى لا يقبلنها عرفيا مما دفع به إلى تدوين الحادثة في مقطوعته الشهيرة التي يشكوا فيها معاناته مع العجائز يقول فيها: أَمِنْ فِعْلِ أَمْرٍ فِي الشَّرِيعَةِ جَائِزِ يَرُومُ اهْتِضَامِي بَيْنَكُمْ كُلُّ عَاجِزِ وَكَانَ بِكُمْ جُندُ البُغَاةِ يَهَابُنِي فَصَالَ عَلَيَّ اليَوْمَ جُندُ الْعَجَائِزِ فَصِرْتُ كَأَنِّي قَدْ أَتَيْتُ بِبِدْعَةٍ وَفَاحِشَةٍ مِنْ نَحْوِ فِعْلَةِ مَاِعِزِ فَلَوْ أَنَّ أَرْضِي ذَاتُ مَعْزٍ رَجَمْنَنِي وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِذَاتِ أَمَاعِز هكذا إذا تجرع العالم الموريتاني سيد محمد بن الشيخ سيديا مرارة الكأس، على إثر تحديه لسلطة المرأة التي منحها المجتمع، فكأن الرجل الذي أراد أن يخترق السياج الأمني والاجتماعي غير الشرعي، تجاوز في حق هؤلاء النسوة فلاقى في سبيل ذلك ما أورده بمرارة في مقطوعته المعبرة الحزينة والمشفقة على تلك الوضعية. تلك إذا هي وضعية المرأة الموريتانية في السلم الاجتماعي، فهي الراعي الرسمي والحصري للبيت الموريتاني، وهي صاحبة القول الفصل في ساكنة ذلك البيت. فكما أنها تحمل رسائل الخطب، فهي المستقبلة لها، وتمتلك كامل الحق في تحديد مصير تلك الخطب التي غالبا ما تخضع لفحوصات دقيقة في الميزان الاجتماعي العتيد، لتظل المرأة الموريتانية المدللة خارج المراقبة، والسيدة الأولى في المجتمع عكس مثيلاتها تماما في المجتمع العربي اليوم الذي تعيش فيه المرأة وضعية مأساوية نتيجة السيطرة التامة للرجل وغياب تلك الحفاوة تجاه المرأة داخل تلك المجتمعات.
|