وقفة في بيت النبوة/ميمونة بنت سيدي
السبت, 21 يونيو 2014 00:09

يمثل البيت النبوي النموذج الأول لكل بيت مسلم، كما تمثل أمهات المؤمنين القدوة الكبرى لكل امرأة تسعى إلى الحصول على مثال حسن في هذه الحياة لذلك اخترنا أن يكون موضوعنا هذه المرة عن إحدى نساء البيت النبوي اللواتي خاطبهن الله تعالى بقوله:

)وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا . يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا . وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (

وقال تعالى: )النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم(.

هذا هو القول الكريم، الذي تردده محاريب المسلمين منذ أربعة عشر قرنا وستظل تردده إلى قيام الساعة، يسمعه المؤمن فيمتلئ صدره إعظاما وإجلالا: لمن شاركن الرسول صلى الله عليه وسلم في ضرائه وسرائه، وصبرن معه على شظف العيش ومحن الزمان، وتحملن معه صروف الأذى وخففن عنه ما يجد من آلام في سبيل الدعوة إلى الله.

ظلت بيوتهن مهابط الوحي والرحمة والهدى مدة حياتهصلى الله عليه وسلم،  فلما انتقل إلى جوار ربه، بقيت هذه البيوت مثابة للناس يقصدونها متعلمين مستفتين، أو ملتجئين مستغيثين، فكانت تهدي الحائر، وتعلم الجاهل، وتحمي الملتجئ، وتنجد المستغيث، ولبث الناس جميعا على اختلاف طبقاتهم: الخلفاء فمن دونهم يخضعون لأزواج الرسول خضوع الأبرار لأمهاتهم.

وكان من رحمة الله بهذه الأمة، أن طال عمرهن بعده صلى الله عليه وسلم، فنقلن لأمته كثيرا من سنته وخاصة فيما لا يطلع عليه إلا النساء، فعن طريقهن عرف المسلمون أحواله المنزلية، وعنهن رووا كثيرا من السنة التي لولاهن لضاعت، وكانت بيوتهن بمنزلة مدارس مفتحة الأبواب يتعلم فيها النساء والرجال دينهم على السواء وسيكون نموذجنا اليوم هو أم المؤمنين جويرية بنت الحارث

 السيدة جويرية بنت الحارث

هي: جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن مالك بن جزيمة، وجزيمة هو المصطلق من خزاعة.
تزوجها ابن عمها  مسافع بن صفوان فقتل يوم المريسيع  أو غزوة بني المصطلق، وفي هذه الغزوة تم سبي جويرية بنت الحارث سيد هذا البطن من خزاعة.

       وقعت غزوة بني المصطلق في السنة السادسة للهجرة. فقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق بزعامة الحارث بن أبي ضرار يعدّون العدة لحرب المسلمين، فندب رسول الله أصحابه للجهاد، وخرج بهم مسرعا وكانوا سبعمائة مقاتل. وبلغ رسول لله صلى الله عليه وسلم بأصحابه إلى ماء لهم يقال له (المُريسيع).

التقى الجمعان فعرض عليهم النبي الإسلام ليمنعوا أنفسهم وأموالهم فأبوا، فأخذهم أصحاب النبي ولم يغادروا منهم أحدا. أسـروا الرجـال وغنموا الأموال وسبوا النساء واستاقوا نعمهم وشاءهم.

أما جويرية فهي بنت سيد القوم الحارث بن أبي ضرار، التي نشأت في ظل سيادة أبيها في عز وسؤدد. فقدوجدت نفسها في موقف صعب. انتقلت فيه فجأة من أعز فتاة في قومها فهي بنت سيد القوم وزوجة فارسهم.. تفتخر على الجميع بحسبها ونسبها وجمالها ومالها.. وإذا بها اليوم أسيرة ذليلة تساق مع السبايا لتقع في سهم رجل من الأنصار يدعى ثابت بن قيس بن شمّاس.

وفي ظلال هذه المحنة.. جاءتها الفكرة.. فلم لا تكاتب على نفسها.. وتلجأ إلى النبي تحدثه في أمرها..؟

ولقد ترجح عندها أن تجد لدى النبي حلا ومخرجا. ولربما أدركت بعقلها الراجح وتفكيرها الحصيف أن النبي وحده من يستطيع أن يفهم مأساتها فينقذ سيدة قوم ذلت وهانت بعد أن أسرت!

ولقد أصابت جويرية.. فوجدت عند النبي ما كانت ترجو. يسألها النبي: (فهل لك خير من ذلك).. وتسأل: (وما هو يا رسول الله)..؟ فيجيب: (أقضي عنك كتابتك وأتزوجك.. وتقول: (نعم يارسول الله).. ويقول النبي: (قد فعلت).

ولا أعرف.. هل أوصلها فكرها، يوم كاتبت عن نفسها وجاءت تخاطب النبي، إلى مثل هذه النتيجة: بأن تصبح زوجة كريمة في بيت النبي..؟

هل تصورت أن تخلص من ذل الأسر لتصبح سيدة ليـس لبني المصطلـق فحسـب، بـل ولجميع نساء العالمين.. وأمّا لجميع المؤمنين..؟

 

ويتسامع المسلمون بالخبر.. فيطلقون كل من كان من الأسرى من قومها.. ويسمع والدها الحارث بالخبر.. فيشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وتدخل جويرية بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، (وما من امرأة أعظم على قومها بركة منها: أعتق بزواجها، أهل مائة بيت من بيوت بني المصطلق)

ظلت جويرية في البيت النبوي عابدة قانتة تشارك في أمور الأمة وتسعى في مصالح المسلمين وخدمتهم حتى توفيت رضي الله عنها سنة خمسين وهي بنت خمس وستين سنة ودفنت في البقيع إلى جانب أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين.

 

 

وقفة في بيت النبوة/ميمونة بنت سيدي

السراج TV