الشيخ محمدن ولد المختار الحسن.. حفظت سورة البقرة سماعا من قراءة أخي الكبير
الاثنين, 17 يونيو 2013 19:38

الشيخ محمدن ولد المختار الحسنالشيخ محمدن ولد المختار الحسنيتشرف موقع السراج الدعوي بهذه المقابلة مع فضيلة الشيخ محمد ولدن المختار الحسن، التي جعلها باكورة مقابلاته، مع هذا العلم العلمي الفكري الدعوي، الذي يتعرف الموقع معه على مسيرته العلمية، وأهم محطاتها، ويعرج معه من خلال ذلك على الثقافة والأدب، والأعلام، والمحظرة ومقرراتها، وآليات الاعتماد على الذات في تحصيل العلم، إلى غير ذلك مما يجده القارئ من إمتاع في ثنايا المقابلة، وإليكم معاشر القراء نص المقابلة:

 

السراج: الشيخ محمدن حبذا لو حدثتمونا عن البيئة التي ولدتم فيها، وعن بداية النشأة؟.

الشيخ محمدن ولد المختار الحسن:

بسم الله الرحمن الرحيم، أنا ولدت سنة 1959 ولدت في العرية، وهي منطقة تقع شبه شرق نواكشوط، وبالتحديد في بئر "أفجار"، وهي بئر لبني مالك، وتعرب بالمبدأ، وقد جاءت في شعر محمد عالي ولد نعم العبد، معربة:

شجا قلب الكمي ضحى تنادي000  حمائم بالبكاء لدى تنادي

وأذكره الحمام بها ربوعا 000بساحة ذي الكعاب، وذي المبادي

وذو الكعاب : هو بئر بادغوغة، أما ذو المبادي : فهو إفجارن

أما بقية رحلة الصبا فقد كانت  خارج موريتانيا، كانت في الجارة السنغال، حيث كان الوالد تاجرا في مدينة "كاب مير".

السراج: متى ذهبتم إلى السنغال؟

محمدن ولد المختار الحسن : كان بعد ميلادي بشهر أو شهرين، كانت الوالدة تذهب للبادية زمن الخريف، وتعود بعده إلى السنغال، وفي إحدى تلك المرات، ولدت أنا في تلك المنطقة.

تربيت بالسنغال، كان الوالد تاجرا، رحمه الله، وكانت الأم أيضا رحمها الله لها ثقافة واسعة، ثقافة في السيرة، ثقافة في مبادئ الفقه العام، وفي أنساب العرب وأيامها، وهي التي تولت تحفيظي القرآن؛ حفظت القرآن في سن مبكرة، حفظته في التاسعة من عمري، وأتذكر أنني حفظت البقرة، لما كان الأخ الأكبر يقرؤها قبلي، فلم أكتبها في اللوح، فقد كنت أقرأ معه في في مكان واحد. انتهى هو من القرآن، وكتب له الوالد قصيدة امرأ القيس، "سمالك شوق بعد ما كان أقصرا"، وأتذكر أنني حفظت هذه القصيدة أيضا من قراءة الأخ لها.

 

لقد حفظتني الوالدة القرآن، ولم تكن تعرف الرسم، وسأعرفه في مرحلة لاحقة، ، كان هناك المشايخ والعلماء يقولون لها هذا الأمر لا يجوز، فتقول طبعا، "وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"، هذه ضرورة، هنا لا يوجد مدرس، وأنا مضطرة لأن أدرسه القرآن، وبعد ما يحفظ القرآن سييقرؤه على المشايخ؛ فيقرأ الرسم ويجاز، وكانت الطريقة هذه متميزة جدا.

فقرأت رسم أحد ولد محمد الحاجي، وهو نظم بديع جميل جدا، متداول في منطقة الترارزة، رائع سهل النظم، سلس العبارة، أيضا لما وصلت في وقت متأخر ما بعد البلوغ، قرأت ابن بري على شيخنا بن الصفي، وأسمعته على أحد المشايخ ، بروايتي ورش وقالون عن نافع.

السراج: في السنغال؟

الشيخ: لا، هنا في موريتانياوكان الإسماع متأخرا، ولكن الحفظ كان في البداية كما تقدم.

 وقد حرصت الوالدة الوالدة رحمها الله بعد حفظ القرآن،  على أن تحفظني نصوصا كثيرة، منها نظم الغزوات للبدوي، ونظم قرة الأبصار، ونظم المرشد المعين، ونظم الجوهر النفيس، ونظم الأخضري للشيخ أحمدو بمب البكي، وهو حدود 662 بيتا، وكانت تحثني على قراءة النحو، وتحدثني عن أن النحو من علوم اللغة الصعبة التي لا سبيل إلى فهم العلم دونها، فتركت عندي هاجسا، حول هذا العلم، فكنت أترصد أن يأتينا أحد المشايخ فأقرأ عليه النحو، فقضى الله أن جاءنا أحد المشايخ، وهو الشيخ عبد الرحمن ولد المصطفى، ولد بيعدل،  من تلاميذ الشيخ محمد سالم ولد المختار ولد ألما، فأرسلتني  الوالدة إليه  وكان ضيفا عندنا، كان يبقى معنا أياما، ولا يطيل المكث، وعلى طريق المرور معنا، تعلمت معه مبادئ النحو، وأقسام الإعراب، علامات الرفع وعلامات النصب... لكنني لم أفهم معه كثيرا للطريقة التي كان يدرسني بها، فحزنت على أنني لم أفهم النحو، ومرة وأنا أتجول في أسواق المدينة السنغالية هذه وجدت كتابا يبيعه أحد الإخوة السنغاليين مكتوب عليه "النحو الواضح"، فتحت الكتاب فوقعت عيني على باب المبتدأ والخبر، ورأيته، وهو يمثل بأمثلة رائعة، وقلت للوالدة: وجدت كتابا إذا تمكنت من شرائه لي ربما أفقه النحو، كان ثمن الكتاب ضئيلا جدا، أربعين أوقية من الإفرنك الإفريقي، فاشترت لي الكتاب، و-سبحان الله- هذا الكتاب كان أول مدخل إلى فهم مادة النحو، لا أذكر أني كتبت النحو على شيخ من المشايخ بعد ذلك، فبدأت كلما جاءنا الضيوف، (فالدار كانت مورودة، والوالد كان معروفا، وكان المشايخ الذين يفدون على السنغال يمرون علينا دائما) فكنت أتمرن على هؤلاء المشايخ، فأذكر أنني جاءت بي الوالدة مرة إلى الشيخ الذي كان قد درسني مبادئ الإعراب، فقالت اذهب إليه يعطيك  تمارين أبياتا في الإعراب، جئت إليه وهو يصلي نافلة المغرب، فجلست إلى جنبه، وأتذكر أنه أملى علي أبيات جعفر بن علية الحارثي:

هواي مع الركب اليمانين مصعد 000 جنيب، وجثماني بمكة موثق

عجبت لمسراها وأنى تخلصت 000 إلي، وباب السجن دوني مغلق

ألمت فحيت ثم قامت فودعت000 فلما تولت كادت النفس تزهق

استحسنت وأنا صبي توالي هذه التاءات في البيت الأخير، ثم ظفرت بهذه الأبيات مع تتمتها في حماسة أبي تمام بعد ذلك، فكأنما سيقت إلي الدنيا بحذافيرها:

فلا تحسبي أني تغيرت000 بعدكم لشيء ولا أني من الموت أفرق

ولكن عرتني من هواك ضمانة000 كما كنت ألقى منك إذ أنا مطلق

فعرفت أنه قالها وهو سجين في مكة في دم قد أصابه، وأنه قتل بعد ذلك.

على أية حال.. أتذكر أيضا أن العم قدم علينا ذات مرة، العم محمدن ولد الحسن، فجئته أيضا فدربني بهذين البيتين، (وجدتهما بعد ذلك في أمالي أبي علي القالي)، وهما قول الشاعر (وأظنه الشماخ بن ضرار):

رأيت وقد أتى نجران دوني000  ليالي دون أرحلنا السدير

لليلى بالعنيزة ضوءَ نار000 تلوح كأنها الشعرى العبور

إذا ما قلت أخمدها زهاها000 سواد الليل والريح الدبور

وما كادت ولو رفعت سناها000 ليبصر ضوءها إلا البصير

طبعا ما زلت أتذكر هذه الأبيات، وأنا في الثالثة عشرة من عمري، أتذكر أيضا أن الوالدة رحمها الله، كنت أنام بجانبها فتروي لي من أشعار العرب، وكان مما أملته علي قول أعرابية من أعراب نجد، أو قول أحد الشعراء، وهو يصف جواه، ووجده، ويمثله بأعرابية من أعراب نجد:

وما وجد أعرابية قذفت بها000 صروف النوى من حيث لم تك ظنت

تمنت أحاديث الرعاة، وخيمة 000 بنجد فلم يقدر لها ما تمنت

إذا ذكرت ماء الغذيب وبرده000 وطيب حصاه آخر الليل حنت

لها أنة عند العشاء وأنة000 سحيرا، ولولا أنتاها لجنت

أتذكر أيضا أنها رحمها الله أملت علي أبياتا رأيتها بعد ذلك في تاريخ الطبري، لأحد شعراء الجاهلية:

أما ودماء مائرات تخالها000على قنة العزى وبالنسر عندما 

وما سبح الرهبان في كل بيعة000أبيل الأبيليين عيسى بن مريما

لقد ذاق منا عامر يوم لعلع000 حساما إذا ما هز بالكف صمما

أذكر أيضا أنها قالت لي مرة وأنا صغير أن أحد الأدباء أنشد بحضرتها:

غبار قطيع الشاء في عين ذيبها إذا ما "اختفى" آثارهن ذرور

فقالت: هذا لا يستقيم، الاختفاء هنا لا معنى له، لعل الشاعر قال إذا ما "اقتفى"، فكنت أسمع هذا فأفقه في معاني اللغة من جديد.

أتذكر أيضا أنها قالت لي: إنها لم تزل تبحث عن أبيات عبد الله بن المعتز المشهورة، وأنها وجدتها عند بعض علماء الحسنيين أملاها عليها، وهي قول عبد الله بن المعتز:

 

سقى المطيلة ذات الظل والشجر 000 ودير عبدون هطال من المطر

فطالما نبهتني للصبوح به 000 في عزة الفجر والعصفور لم يطر

أصوات رهبان دَيْر في صلاتهم 000 سود المدارع نعارين في السحر

كم فيهم من مليح الشكل مكتحل 000بالسحر يكسر جفنيه على حور

لاحظته في الهوى حتى استقاد له000 طوعا، وأخلفني الميعاد بالنظر

وجاءني في قميص الليل مستترا000 يستعجل الخطو من خوف ومن حذر

فقمت أفرش خدي في الطريق له000 طوعا، وأسحب أذيالي على الأثر

ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا 000مثلِ القلامة قد قدت من الظفر

فكان ما كان مما لست أذكره000 فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر

طبعا أنا ما زلت أحفظها من رواية الصغر، وبالتالي ألحن فيها بسبب ذلك.

كانت عند الوالدة نسخة من الاسيعاب لابن عبد البر قديمة جدا، قد أخذت منها الأرضة نصيبها، وكان مما يترك في نفسي حزنا أن أسماء البدريين الذين ذكرهم ابن عبد البر في مقدمة الاستيعاب، لم أجدهم فبقيت في نفسي عقدة من ذلك؛ يعني كنت أود أن أحفظ أسماء البدريين...

السراج: البدريين كلهم.

الشيخ: نعم الثلاث مائة وأربعة عشر.

طبعا هذه النسخة لم أجدها في الكتاب الذي كان عند الوالدة.

أتذكر أنني كنت أحفظ من خلال ابن عبد البر أنساب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفرق بين قبائل الأنصار، ولا أزال أستحضر نسب أسيد بن حضير، وأنه أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرىء القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس...

كان يعجبني كثيرا أن أحفظ القرابات التي بين سعد بن معاذ وأسيد بن حضير، والتي تربط أبي بن كعب، وحسان بن ثابت من بني حرام، وبني عدي بن النجار، أنس بن مالك وأبو طلحة الأنصاري وهذه القرابات... تعجبني كثيرا

كنت لا أزال أحفظ من ابن عبد البر مثل هذه الأنساب.

مرة، وأنا أتذكر أننا عدنا من البادية، وكان ذلك سنة 1969 زمن الخريف، فوجدت نسخة عتيقة من سيرة ابن هشام؛ قد اشتراها العم لما حج من المدينة سنة: 1950، وهي نسخة جميلة ليست عليها حاشية، لكنها جميلة، وتفصل أحداث السيرة، وتضعها في أماكنها، فاصطحبت هذه السيرة سيرة ابن هشام، وكان ابن هشام يولع بأنساب القرشيين والأنصار، واستطرد أنساب أهل بدر، من شهدها من المهاجرين، ومن شهدها من الأنصار، فوجدت البغية التي كانت ضالتي.

لا أزال أتذكر أنني حفظت مجموعة شواهد من شواهد أبي جعفر الطبري افتتح  بها فواتح سورة الكهف؛ في قوله تعالى: "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين"، فابن هشام أنشد هنا:

وإني زعيم إن رجعت مملكا000  بسير ترى منه الفرانق أزورا

أيا مائلا، وقول عبيد بن الأبرص:

بأرض فلاة لا يسد وصيدها000 علي ومعروفي بها غير منكر

وأتذكر إنشاده قول غيلان بن عقبة التميمي العدوي، في قوله تعالى: "وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال": "تقرضهم تجاوزهم وتتركهم عن شمال، قال ذو الرمة:

إلى ظعن يقرضن  أقواز مشرف 000شمالا، وعن أيمانهن الفوارس

هذا كان سنة تسع وستين، وبين تسع وستين، وتسع وخمسين عشر سنوات، فأنا كنت أحفظ هذه الشواهد، وأنا في العاشرة من عمري.

كان ابن خالتي  الشيخ الحمد بن محمد المختار يدرس في محظرة المختار بن بلول، وكان يدرس لامية الأفعال.

كان يدرس في المحظرة المذكورة، وحين يعود أيام الخميس والجمعة آخذ الكناش الذي عنده (وذلك في البادية في زمن الخريف سنة تسع وستين، والمختار) فأحفظ ما فيه.

السراج: أين كانت المحظرة حينها؟

الشيخ: كانت في المبروك.

أذكر أنه استوقفني حينها قول ابن مالك في مجموعة الأفعال اللازمة التي اشتهرت بالضم من المضعف اللازم:

هبت وذرت وأج كر هم به 000وعم زم وسح مل أي ذملا

وأل لمعا وصرخا شك أب وشد 000د أي عدا شق غل خش أي دخلا

وقش قوم عليه الليل جن ورش الـ 000ـمزن طش وثل أصله ثللا

أي راث طل دم خب الحصان ونبـ ـت كم نخل....الخ

فهذه الأبيات حفظتها، حفظتها.. لا لأني أعرف معناها، ولكن لتوالي هذه الإيقاعات، فوجدت بعد ذلك شرح بدر الدين بن مالك فدخلت على هذا الكتاب، واستطعت أن أفهم اللامية سريعا...

لم أكتب احمرار الحسن، لكني حضرت دروس ابن المحبوبي في تيكنت،  سنة 1974، وكنت أحضر هذه الدروس، فعرفتها، كما أني لم أكتب الألفية أيضا إلا باب النسب، درسته على العلامة أنّ ولد الصفي، إذ لم أكن أعتقد أن الألفية تحتاج إلى الكتابة كثيرا.

في سنة 1969، وأنا في العاشرة من عمري، كنت قد مررت على مجموعة كتب كثيرة، منها.... يتواصل

 

الشيخ محمدن ولد المختار الحسن.. حفظت سورة البقرة سماعا من قراءة أخي الكبير

السراج TV