ولد المختار الحسن: كانت نواكشوط في السبعينيات مدينة فقيرة تجتاجها العواصف كل مساء |
الجمعة, 21 يونيو 2013 22:54 |
ألا يا ضريحا ضم نفسا زكية000عليك سلام الله بالقرب والبعد عليك سلام الله ما هبت الصبا000وما ناح قمري على البان والرند وما سجعت ورق وغنت حمامة000وما اشتاق ذو وجد إلى ساكني نجد وما لي سوى حبي لكم آل أحمد000أمرغ من شوقي على بابكم خدي
وهذا الكتاب استوقفتني فيه أبيات أيضا لجعفر بن أمية الضمري يقولها في ملل: مررنا على ماء العشيرة والهوى 000 على ملل يا لهف نفسي على ملل وقالوا صحيرات اليمام وقدموا000 أوائلهم من آخر الليل بالثقل
طبعا يبدو أنني في بداية عمري كنت تواقا إلى الشعر والأدب اللغة عموما. وفي سنة 1970عدنا إلى السنغال، وكانت سنوات 1970، و 1971و1972 سنوات مطالعة، وفي سنة 1973، كنت مع الوالد يدربنا على التجارة، فطلبت منه أن يشتري لي نسخة من ابن عقيل على الألفية، فاشترى لي نسخة من ابن عقيل، جميلة، بغلاف أزرق، وبورق أبيض، وغلافها الأزرق ذهبي إلى حد ما، فكنت أطالع كتاب ابن عقيل، أعتقد كان ذلك في أحداث الحرب المصرية الإسرائيلية حرب أكتوبر سنة 1973، وكان عندي حينها مذياع قديم جدا، يغلق ظهره بالفرنك، وكان الوالد قد أعطاني إياه، فكنت أتابع فيه الأخبار، وأدرس ابن عقيل، وأمارس التجارة. طبعا في تلك الفترة ستكون عندي 15 سنة، لأنها كانت سنة 73. وقد حفظت كثيرا من شواهد ابن عقيل في تلك الفترة، وفهمت النحو إلى حد ما، لا أقول إني دخلت إلى باب الصرف في الألفية، ولكن ما قبل الفاعل إلى بداية الألفية كنت أفهم فيه. السراج: هل كان لكم اتصال بالعلماء السنغاليين؟: الشيخ: لا لم يكن لنا اتصال بالعلماء السنغاليين أبدا، ذهب بي الوالد وأنا صغير إلى زيارة آل الشخ أحمد بمب البكي المريدي، وكان تلميذا لهم، وبقيت معه أياما هناك، لأن الوالد كانت عنده الطريقة المريدية. السراج: ومن كان يزوركم من العلماء الموريتانيين في السنغال، بالأسماء؟ كان يزورنا ناس كثر منهم نافع ولد حبيب ولد الزايد أخو أحمد بن حبيب الأكبر، وزارنا أيضا في تلك الفترة، أحد شعراء المالكية اسمه الداهي ولد احميادة، شاعر متميز، والعم أيضا محمد ولد الحسن، له نصيب من العلم كان يزورنا كثيرا، ويروي لي من قصص الوالدين والعلماء، وأخبارهم وبعض النكت إلى حد ما، هذا ما أتذكره، ويبدو أن الذاكرة بدأت تضعف... لا أتذكر أنه كان يزورنا المغنون، كل ما أتذكره هو زيارة العلماء والشعراء... السراج: في هذه الفترة من هم أهم المشايخ؟ الشيخ: تقريبا لم يكن لي مشايخ في هذه الفترة، كنت فقط أطالع الكتب، وكانت للوالد مكتبة، وقد أذن لي فيها، فكنت أطالع فيها، واستفدت من المطالعة كثيرا، وأنا أوصي بالمطالعة، لمن أعطاه الله فهما. السراج: هل من طرائف لفترة الصبا هذه؟ الشيخ: طبعا أنا تربيت في بيتٍ.. تحت رقابة ورعاية شديدة، الوالد لم يكن يسمح لي أبدا أن أخرج، ولا أن ألتقي بمجموعة الموريتانيين الذين معنا في القرية، بل كنت أبقى في الدكان في المطالعة، وبعد أن يؤذن أذان المغرب يقول لي الوالد: تغلق الدكان!، وأصلي معه المغرب داخل الدار، فعندنا مسجد صغير داخل المنزل، نصلي فيه، والباب الخارجي موصد. وقد فهمت بعد ذلك أن البيئة من حولي كانت وبيئة.. بيئة منحلة أخلاقية، والخمور فيها منتشرة، والسيجارة منتشرة، فهي بيئة غير لائقة، فلم يكن بد من أن أبقى في المنزل، وتعلمت من الوالد أيضا، أنه كان ينشدني: أنست بوحدتي ولزمت بيتي000فطاب الأنس لي وصفا السرور وأدبني الزمان فلا أبالي000بأني لا أزار، ولا أزور ولست بسائل ما عشت يوما000أسار الجند أم ركب الأمير وعلى أية حال تربيت على العزلة، فلم تكن عندي مستطرفات كثيرة، ولم أنفتح على العالم الخارجي أبدا. كنت في البيت مع مكتبة الوالد، أتدرب معه على ممارسة التجارة، وأنام مبكرا، وهكذا. السراج: ومتى بدأت الرحلة في طلب العلم؟ والعودة إلى موريتانيا؟: الشيخ: عدنا عودة نهائية إلى موريتانيا سنة 1973، وكنت حينها في الخامسة عشرة من عمري، و(عدنا أجمعين كل العائلة، بقي الوالد لوحده تاجرا هناك، كانت الوالدة ترى أنه لا بد من العودة إلى موريتانيا من أجل أن ندرس على المشائخ، ورأت أن البيئة مع سن المراهقة ستكون الرقابة فيها أشد صعوبة، فهي التي ألحت على الوالد أن ننتقل إلى موريتانيا، وكانت تعدني أنني هناك، سأكون عند المشايخ، وسأدرس على المشايخ)، طبعا عندما وصلت إلى تكنت كان القاضي ابين ولد ببانا حينها يدرس في تكنت، وفي أيام الأولى جئت إليه، ودرست عليه المرشد المعين، ومبادئ الفقه، وبداية مختصر خليل، وذكر لي أحد الزملاء، (محمذن ولد أحمد بابا، ولد بالا) أن في جوار تكنت قرية تسمى التيسير، وأن فيها عالما آخر، وقال لي: لو أحببت زرناه، فتوافقت معه في العطلة على الزيارة، ولأول مرة أرى الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم، وكان في ذلك الوقت عنده خيمة من الشعر، وكتبه لا تزال مرفوعة على بعض الحجارة والعصي، وكأنهم لتوهم جاءوا للتيسير، فدرست عليه السَّفَر من خليل. وفي سنة 1975 انتقل ابين إلى نواكشوط، فكنت أزور الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم وأدرس عليه، وبقيت حدود سنة، في تكنت إلى سنة ونصف. السراج: كل هذه الفترة دراسة على ابين؟ الشيخ: لا، 1974 كانت دراسة على ابين، وفي 1975 تحول إلى نواكشوط، وبقيت أتردد على الشيخ محمد الحسن ولد أحمدو الخديم، ثم في سنة 1976 عدت إلى السنغال، أحاول أن أمارس التجارة مع الوالد، بقيت هنالك سنة، فعدت من السنغال لأشارك في امتحانات ختام الدروس الإعدادية، هنا، فلم تكن هناك مدارس متاحة أمامنا كثيرا، كان التعليم مفرنسا، وكان المتاح أمامنا المركز الثقافي المصري، وكان في مجموعة من الطلبة، يدرسون فيه، وتلقى فيه محاضرات، كنا نزور هذا المركز، وكذا المركز الليبي الذي كان له دور لكن دور المركز الثقافي المصري أكبر. كانت المكتبة السعودية لتوها قد فتحت أبوابها قريبا من مباني الهلال الأحمر الموريتاني، فاستوقفتني كثرة كتبها، كتب الفقه، كتب الأدب... السراج: أين كنتم تسكنون في هذه الفترة، وكيف كانت الظروف؟: الشيخ: كانت هناك مجموعة من الأقارب كنت أسكن عندها، وكنت في لكصر، وكان النقل متيسرا جدا، وكانت الرحلة الواحدة في الباص ثلاث أواقي، وكانت المائة تبقي لي أياما كثيرة، لا أنفقها؛ إذ لا أنفق أكثر من ذلك، وكانت الأمور ميسرة كثيرة، مع شظف في العيش؛ لأن أغلب الأسر العادية فقيرة، فالناس حينها في نواكشوط، لا يتعشون، فيه غداء فقط، وفي الليل تبيت "مكفي"، فكانت هناك صعوبة في حياة الناس. كانت مدينة نواكشوط حينها هي لكصر، والعاصمة، وكان بينهما فضاء واسع، فكان لكصر ينتهي عند "طب الحاج"، وتبدأ العاصمة من الإذاعة، فإذا كانت الساعة العاشرة تبدأ العواصف الرملية، ولا تستطيع أن ترى شيئا، كانت العواصف الرملية تهب كبيرة على نواكشوط، نتيجة لنقص البنيان فيه، وكانت منطقة كبتال، العاصمة، تنتهي عند "كلينيك" الآن، تنتهي العاصمة هناك، وما بين "كلينيك" والمقاطعة الخامسة، هذه أيضا صحاري واسعة، ليس فيها شيء، فكانت حياة نواكشوط صعبة جدا. طبعا عانيت إلى حد ما شظف عيش، فالوالد في السنغال، وليس عندي هنا من يشرف على تسهيل الدراسة لي من الناحية المادية، والأهل في تيكنت، كانت هنا مجموعة من الأقارب، ولكنها مجموعة قادمة من البدو لتوها، وما زال حالها حال النازحين. السراج: متى حصلتم على شهادة الدروس الإعدادية، وكيف كانت ظروف الامتحان؟ وفي هذه السنة 1976 حصلت على شهادة الدروس الإعدادية، كمترشح حر، وقد أجريت المسابقة في إعدادية البنين التي تقع بين المعهد العالي وقيادة الحرس، وكانت هي التي تعمل فيها شهادة الإعدادية العربية. وأتذكر أننا في يوم الامتحان الأول لم توزع علينا الأسئلة إلا بعد أن انتهت الترتيبات بالنسبة للمترشحين الفرنسيين، في المدارس الأخرى، فجاءتنا الامتحانات في حدود التاسعة، أو التاسعة والنصف. والنص الذي جاءنا نص سهل جدا، كأنه في مستوى السادسة الابتدائية، جاءنا بعد ذلك وأنا معلم، وأشرفت على امتحانات الابتدائية حين كان فيها، كان نصا مبسطا جدا جدا جدا، وكان امتحان في غاية البساطة.
يتواصل.... |