الشيخ محمدن ولد المختار الحسن: حافظت المحظرة على العلم..واهتمت بالحفظ أكثر من الفهم |
الخميس, 27 يونيو 2013 13:17 |
السراج: في بلادنا، وفيمن ذكرتم، قامات علمية كبيرة، لكنها لم تؤلف ما يتناسب معها –كميا على الأقل- بم تعللون ذلك؟ الشيخ: الذين ذكرتهم في الغالب هم مدرسون، وتأخذ المدرسة نصيبا كبيرا أوقاتهم، فذكرت نافع بن حبيب بن الزائد، والمختار ولد بلول، فالمختار ولد بلول، طلعت فتاويه الآن، ونزلت للسوق، جمعها الحمد ولد محمد المختار، وهي موجودة الآن، ونافع له كتاب الأسداس، وقد ذكره يحي بن البراء بل جاء به في الفتاوى كاملا، وهو كتاب جمع بين التاريخ والفقه والعلم كثيرا... ولنافع حوليات في التاريخ استدرك بها على حوليات ولد التاب، و,غيره، وهذه الحوليات تبدأ من القرن الرابع عشر، وتنتهي إلى أواخر أيام ابن الطائع، أي إلى حدود 1995، و1996، فهو نظم جميل في هذا المجال، وانّ ولد الصفي له مجموعة فتاوى ونوازل تحتاج إلى من يطبعها، ابين له أنظام، نظم نوازل ابن هلال، ونظم نوازل الأحباس، وهو في السابعة عشر من عمره وهو موجود، ونظم نوازل عليش، وهو موجود، ونظم مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس، وهو موجود، لكن هذا التراث لم يجد من ينقذه من الضياع، لعل هذه الأنظام والتآليف يقيض الله لها من يحققها. السراج: هل من تعليق نقدي على النظام المحظري يبين إيجابياته وسلبياته؟ الشيخ: النظام المحظري حقيقة حفظ الله سبحانه وتعالى به هذا الموروث العلمي الكبير، في هذه البلاد النائية المنقطعة التي سماها الشيخ محمد المامي في كتبه المنكب البرزخي، وحافظت المحظرة على العلم واهتمت بالتحفيظ، والنقد عليها أقول لا يوجد، -وإن وجد- وجد منه القليل كغياب المنهجية، فالمحظرة تدرس فيها نصوص كبيرة، والحفظ فيها هو الهواية الأولى على حساب الفهم، ولذلك فالنوازليون قلائل، مع كثرة العلماء فيها، فالذين يحفظون المختصر كثيرون، ولكن الذين كتبوا في النوازل قليلون في البلد؛ وبالتالي هذا العقل التجميعي التحفيظي الذي لا يقرأ ما وراء النص –إن كان هنالك ما يؤخذ على المحظرة- يؤخذ هذا. ولعل تجربة مركز تكوين العلماء ستكون تجربة ناجحة لأنه جمع بين النموذج القديم، والنموذج الحديث في إطار منهج علمي ونموذج أكاديمي أرجو من الله تعالى أن ينفع به. السراج: وماذا بعد التخرج؟ الشيخ: تخرجت، وشاركت في امتحانات المدرسة العليا للأساتذة، ودرَست فيها هنا، بعد أربع سنوات بمتريز من الآداب، ودرّست في نواذيبوا في نهاية الثمانينات 1988، و19989، و1990، و1990، وأعرت إلى وزارة الشؤون الإسلامية سنة 1992. السراج: ماذا عن الرحلة الخارجية، وجامعة الإيمان في اليمن؟ الشيخ: هذه الرحلة الخارجية بدأ ليس باليمن، وإنما أنا أعرت لوزارة الشؤون الإسلامية، ومن هنالك بدأت رحلة خارجية أولى في بداية فبراير سنة 1993، منتدبا من طرف منظمة الدعوة لجامعة إفريقيا العالمية بالسودان، وكان ذلك في فبراير سنة 1993، درست اللغة العربية في جامعة إفريقيا العالمية، وعهد إلي بتدريس علوم القرآن في كلية الشريعة والقانون، وفوجئت بأن جامعة إفريقيا العالمية تمتد المحاضرة فيها لثلاث ساعات فطرح هذا علي إشكالا كبيرا، كان الدرس المستمر لثلاث ساعات أمرا غريبا علي، هل يمكن أن يستمر الدرس ثلاث ساعات!؟ هذا في نظري لا يمكن، مع أن هذه أول تجربة لي في التدريس بالجامعة، كنت أتساءل هل أستغل هذه الساعات في الإملاء؟! فهذا لا يمكن، هل أجعلها حوارية؟. طبعا الرصيد التدريسي في الابتدائية والثانوية، تعلمت منه أن أبدأ الدرس أولا، فأشرحه بطريقة تفصيلة تأخذ ساعة واحدة أذكر فيها الحواشي المتعلقة بالموضوع، وقد جعلت كتاب برهان الدين الزركشي في علوم القرآن عمدتي الأول في هذا المجال، وأضيف في هذا الدرس كثيرا، وأفتح النقاش مع الطلبة، كان عندي طلبة كثر، وأكثرهم ومن أبرعهم الصوماليون، فقد كانت هناك جنسيات مختلفة، لكن الصوماليين كانوا نبهاء، وكانت المحاضرة تبدأ من الحادية عشرة صباحا، وتنتهي الثانية ظهرا، تتخلها صلاة الظهر، في حدود خمسة عشر دقيقة، وأيضا كنت هناك أدرس في المركز الإسلامي الإفريقي، مباحث في علوم القرآن لمناع القطان. كانت كلية الشريعة والقانون منفصلة عن الجامعة، وكانت هذه ايام الثورة، وكان السودان وقتها في حالة بائسة الخبز لا يوجد، المواد الغذائية لا توجد البقالات غير موجودة، النقل شحيحة لأن البترول يباع في السوق السوداء، أضف إلى ذلك أني واجهتني إشكالية كبيرة، وهي أني عند العودة طلبت العملة الصعبة لأسافر بها، وبقيت أتردد على البنك المركزي السوداني ثلاثة أيام، وعندي رسالة من الجامعة لتحويل مبلغ زهيد في حدود 500 دولار للسفر، فلم أجد صرفها. كنت أدرس في الجامعة الإسلامية السودانية بضعف مرتب الأستاذ السوداني، فكان لأستاذ السوداني يتقاضى من الجامعة 16 ألف جنيه، وبما أني منتدب من منظمة الدعوة كنت أتقاضى 32 جنيه، أي ضعف ما يتقاضاه الأستاذ السوداني. السراج: كم يساوي ذلك من العملة الموريتاني حينها؟ الشيخ: لا أدري، ربما يساوي حينها 250 دولار، وهي تقابل حوالي 35 ألف أوقية. السراج: وكم كان راتب الأستاذ الموريتاني حينها؟ كنا نتقاضى هنا خمسا وعشرين ألفا، وكنت أتقاضى وأنا معلم خريج مدرسة المعلمين 11 ألف، وكان راتب يغطي الأمور، واستطعت أن أدخر منه ما غطى تكاليف حجة الأولى سنة 1984. السراج: كم كانت تكلفة الحج حينها؟ الشيخ: كانت حاولي 105 آلاف، تعاد منها خمسون ألفا في مكتبة الموحد بجدة. السراج: وكم بقيتم في السودان؟ الشيخ: بقيت في السودان لمدة أربعة أشهر هي أعتقد ما بين فبراير ومايو، كان وهج الصيف قد أقبل، والملاريا قد بدأت تفتك بالناس، والأمور صعبة في السودان، فقلت أعود إلى موريتانيا، فعدت إليها دون أن أكمل السنة الدراسية، وإنما أكملت فصلا دراسيا واحدا. عدت إلى موريتانيا، ومارست فيها التجارة لمدة سنة، وكنت أعمل مع الأخ مولاي الحسن ولد المختار الحسن رحمه الله، وكنت أتقاضى معه راتب 25 ألف أوقية، وقد ساعد هذا الراتب في تسوية الأمور هنا في نواكشوط، وعلى أية حال فهذا الدعم كان مفيدا... وفي سنة 1995-1996، جاءتني دعوة من جامعة الإيمان باليمن، وكانت جامعة ناشئة هناك، وفي نفمبر سنة 1996 وصلت اليمن، وكانت هذه فترة الصيف، والجامعة هناك تعتمد في سنواتها الدراسية الأشهر القمرية، ووافق هذا فترة رمضان فبقيت أربعة أشهر في صنعاء بدون تدريس. |