الشيخ محمد الأمين ولد سيدي: المحظرة مباركة ولاغنى عنها
الثلاثاء, 09 يوليو 2013 15:09

altمع الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ يأخذ الحديث متعة خاصة، فالرجل غزيز الحكم غزير المعارف غزير الدمع، يرى شهود الحق في كل شيء، يتحد بلسان صادق لا يعرف غير صفاء الحق ووضوحه، وبنفس شفافة مؤمنة، يتحدث الرجل عن محطات مهمة من تاريخ الدعوة والعمل الإسلامي في موريتانيا 

و يجول السراج الدعوي مع الشيخ في هذه المقابلة في ذلك التاريخ،  بادئا في ذلك بتعريف الشيخ ببداياته الأولى.

فإلى نص المقابلة:

السراج: شيخنا حبذا لو حدثتمونا عن تاريخ الميلاد ومحله وأماكن الدراسة الأولى، وأهم المشايخ؟

الشيخ محمد الأمين ولد سيد: الحمد لله، اللهم صل وسلم علي سيدنا محمد، الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن به علينا، اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

الاسم الصحيح محمد الأمين ولد محمد موسي ولد سيدي، مولود سنة 1946م (واقعيا، لكن الأوراق قد كتبت في غيابي، فدون فيها أنني من موإلىد 1948، والصحيح الأول) ولدت في ضواحي المجرية لأسرة بسيطة ليست من المصطفين الأخيار كما يقول جمال ولد الحسن، بل هي متواضعة، في أحياء تلك البادية الواقعة بين "لتفتار" و"المجرية"، وفي ذلك الجو البدوي بدأت الدراسة الأولى والتهجي.

تيتمت من أبي وأنا في السابعة من عمري.

وحين أتممت عشرة أجزاء من القرءان، في تلك الأحياء البسيطة التي تتنقل في تلك المنطقة، وبعد أن صار العمر عشر سنين تقريبا أي حوالي 1956 انتقلت إلى محظرة شيخنا الشيخ السِّيد، وفي هذه الفترة كان معلمي الأوائل من أقاربي خاصة أبناء العم، أبناء سيدي اج، ومحمد فال ومحمد احمد، وابن عمتي الحافظ ولد محمد مولود، وباب ولد عمار، واج ولد اتلاميد وغيرهم....

وبعد دراسة متقطعة ضعيفة تطبعها البساطة الشديدة، ويشوش عليها الحل والترحال، جاءت بي الوالدة مع الأخ للشيخ السيد ونحن نسميه شيخنالأنه كان شيخ صوفية ولكن نشر التصوف لم يكن همه الأول، فقد غلب عليه الجانب العلمي مع أنه شيخ صوفية من مسادير الشيخ التراد ولكني اكتفيت منه بأخذ العلم دون التصوف).

وقد كان عالما مبرزا في منقة المجري بل قل مثله.

وكان مجازا من طرف لمرابط عبد الفتاح، كما أخذ من عند محمد المختار ولد انمباله (وقد مكث عند الشيخ محمد المختار إحدى عشرة سنة، ثم انتقل من عنده إلى الشيخ التوراد، وبقي عند آل الشيخ التوراد حتى أجازه الشيخ سعد بوه بن الشيخ التوراد في الطرية، فكانت أول إجازة من الشيخ سعد بوه بعد وفاة أبيه، وقد اطلعت على هذه الإجازة)، رحمة الله عليهم أجمعين.

وكان الشيخ سيدي يطلب من الوالدة أن ترسلنا إليه أنا وأخي الشيخ لأننا يتيمان منذ نعومة أظافرنا، ونعيش في فقر شديد، فكان يريد أن يكفلنا ويعلمنا، وأمضى ثلاث سنين وهو يطلب ذلك من الوالدة (أي من تاريخ يتمي وأنا في السابعة، حتى تاريخ قبول الوالدة لطلب الشيخ، وأنا حينها في العاشرة من عمري) وبعد كثير من تكرار الطلبات اقتنعت الوالدة رحما الله تعالى في الأخير فجاءت بنا إليه-، بعد تمنع سببه حرص الأمهات على أولادهن- وكان حينها عند منطقة قريبة من"لتفتار".، وكان ذلك حوالي سنة 1956.

كانت محظرة الشيخ متنقلة  في تلك المناطق البدوية، وقد مكثت معه ثلاث عشرة سنة ولله الحمد، أربع سنوات منها هناك في منطقة المجرية، والبواقي كانت في لبراكنة، أما الأخ الشيخ فلم يستطع المكث في المحظرة لحاجة الأهل إليه.

السراج: الشيخ هو أخوكم الأكبر:

الشيخ: نعم هو الأكبر، الشيخ شقيقي وأكبر منين وقد رجع إلى الأهل ولم يمكث معنا طويلا.

في هذه الفترة تعرضت لمرض أعاقني عن الدراسة وهو"عسر البول"وقد لازمني منذ صباي، وكان يشتد تارة ويخف تارة، وكان لهذا المرض تأثير كبير على الدراسة، ولكن ولله الحمد كان هناك مستوى من النجابة لولاه بعد توفيق الله لما كان ما كان، فبنيتي الجسمية كانت ضعيفة بسبب هذا المرض، فقد كنت أعاني من ضعف في الهمة وضعف في البدن...

ولكن الفضل بعد الله تعالى كان لمشايخنا جزاهم الله خيرا فقد هيئوا لنا الظروف حيث أن هذا الشيخ جزاه الله خيرا تولى تكاليف التعليم، وكان يدفع رسوما للطلبة الكبار، مقابل تدريسهم لنا، ومساعدتهم إيانا في التحصيل.

وكان يساعدنا ومجموعة من الطلبة الغرباء الضعفاء ماديا، طبعا هو كان ابن عمي، وكان من نفس الحي، أولاد سيد أحمد، لكنه كان منفصلا عنا قليلا.

لم نكن وحدنا من حظي باهتمام الشيخ سيدي وإخوته، فقد كان رحمه الله يهتم بكل طلبة العلم الوافدين على المحظرة، ويكفل أغلب المحتاجين منهم، وكانوا يفدون إلىه من كل حدب وصوب، حتى إنه كان يكفل معنا بعضا من الطلبة السنغاليين...

ومع أننا لم نكن وحدنا من حظي بالرعاية، فهذا الشيخ رعانا كأحسن ما تكون الرعاية وبدأ لنا تعليم النحو من نعومة الأظفار، ونحن مازلنا في دراسة القرآن الأولى، قبل استكمال القرءان، وأيضا اهتم بأن نحفظ بعض المحفوظات، لكي إذا خرجنا من المحظرة تبقى معنا، لأني لما حصلت على نص القرآن بدأ مباشرة يكتب لي نص مختصر الشيخ خليل، على غير العادة، وقال لمن حوله: أنا أريد أن أعلمه نص خليل، وهو صبي لكي يبقى معه إذا غادر المحظرة، في هذا الزمان الفاسد، لكي ينتفع به في المستقبل، فكان كما قال جزاه الله خيرا.

السراج: المحظرة بالأساس كانت محظرة قرآنية، والشيخ أراد أن يزيدكم هذه العلوم...؟

الشيخ: لا والله فالمحظرة كان فيها كثير من العلماء لكن عدم الاستقرار هو المشكلة التي كنا نعانيها، فعدم الاستقرار، والنقل من أجل الانتجاع، يؤثر على المحظرة، ويصعب الحياة، خاصة في تلك الظروف، وهي بكل تأكيد خرجت كثيرا من العلماء الأفذاذ المميزين.

السراج: حبذا لو حدثتمونا عن أهم من تخرج من تلك المحظرة من العلماء؟

الشيخ: نعم أحسنت، أول خريجي المحظرة هو شقيقه الأصغر الشيخ عبد الله ولد السيد، حيث كان مساعدا له، ومساعدا لقاضي المجرية، كان من أهل العلم، وكان فقيها.

السراج: هل ما زال حيا؟

الشيخ: لا، توفي رحمه الله تعالى قبل سنين، بعد أن قارب التسعين، أو زاد على الثمانين.

وتخرج منها أيضا الشيخ الإمام ولد العيل، وكان أيضا من أفضل الخريجين، حيث إنه أجيز في القرآن وقرأ مختصر خليل، وقرأ النحو، وألفية البيان للسيوطي، وقرأ كثيرا.. ثم انتقل إلى الشيخ سيداتي في النمجاط حيث أهل الشيخ سعد بوه فحصل على الطريقة الصوفية، فكان شيخ صوفية، ثم انتقل إلى لتفتار، فكان مقيما فيه يدرس الناس العلم.

ثم شقيقه الذي يليه سيدي محمد ولد العيل، وهو أيضا كان من أهل العلم، وهو أستاذ متقاعد في التعليم الثانوي، وقد كان هنا في أول دفعة تخرجت من تعليم الأستاتذة سنة 1972 هنا في نواكشوط، وكان من دفعة محمد المختار ولد كاكيه، وهو الآن موجود في نواكشوط، وهو إمام مسجد في دار النعيم.

ومن خريجي هذه المحظرة أيضا محمد امبارك ولد زين، توفي قبل سنتين تقريبا رحمه الله تعالى، وهو أيضا في عرافات، وقد كان من أهل التعليم أيضا.

وهناك أساتذة آخرون تخرجوا من المحظرة، واشتغلوا بتدريس القرآن، منهم المختار بن زيدان، مازال الآن حيا، ويدرس القرآن في لتفتار، ومنهم كابر ولد عمو أيضا يدرس القرآن في أشرم، مع أنه أيضا مسن قد بلغ حوالي الثمانين من العمر.

لكن الأهم في مسادير المحظرة هذه قد يكون ابنا شيخها، فالأول محمد المصطفى، وقد درس في المحظرة، ودرس أيضا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ثم رجع إلى موريتانيا فدرس شيئا ما في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، ثم انتقل إلى مدرسة الضباط في أطار وتخرج منها ضابطا، فكان من الضباط الذين أخرجهم معاوية من الجيش.

السراج: هل شارك في انقلاب.. ؟

الشيخ: لا هي تصفيات فقط، وقد ادعي عليه وعلى مجموعته التمرد، وعدم امتثال الأوامر العسكرية، أو إدخال الفكر السياسي للساحة العسكرية، لكنها تصفيات في نظري ليس إلا.

السراج: هل كان ينتمي لفكر سياسي معين؟

الشيخ: قد يكون، لكن من الذي ينجو من انتماء فكري؟ لا يكاد يكون إنسان مهم إلا وينتمي لفكرة وحركة، لكن التصفية لا تستند إلى مثل هذه المعطيات، فالأفكار لا تصادر، ولا يحاكم عليها، إن الذي ينبغي أن يستند إليه هو الأعمال والتصرفات، وهو قد كان من الضباط الجيدين المميزين الذين صفاهم ولد الطايع وأخرجهم من الجيش، وقد سجنه ثلاثة أشهر، ثم طرده بعد ذلك من الجيش، وجردوه من منصبه.

هذا عن ابن شيخنا الأكبر محمد المصطفى، أما ابنه الأصغر عبد الله فهو الذي يقيم على المحظرة، وهي ما زالت موجودة حتى الآن في قرية آكوينيدة، وضواحي المجرية، في بلدية السدود.

والخريجون أكثر من أن يعدوا، ومنهم الدكتور سيدي محمد ولد محمد فال، وكان ممثلا لإحدى الوزارات هنا، ومنهم محمد الأمين ولد أحمد، وقد كان مدرسا للقرآن حتى توفي رحمه الله قبل سنين، ومنهم أيضا محمد عبد الله ولد الخ كان في بلدية أشرم، درس هنالك القرآن، ودرس أيضا قدرا من العلوم...

وهناك طالبان جاءا من بوتيليميت هما سيدي أحمد ولد عبد الرحمن، والآخر اسمه محمد الأمين، وأظنهما من أهل أحمد الفاضل.

وقد درس عليه النحو أبناء الشيخ سيد المختار، فأحمد باب بن الشيخ سيدي محمد الخليفة كان يدرس عليه الألفية.

وهناك كثير من العلماء الآخرون.

وهذه المحاظر بركاتها كثيرة، وقد توفي شيخنا عندما أكلم قرنا من الزمان بالحساب الهجري، لأني أظنه ولد سنة 1912م، وتوفي سنة 2009 ميلادية، فكان الحساب مائة سنة بالهجري، وقد توفي وهو يدرس، وقد علم أبناءه وأحفاده...

 

 

 

السراج: هل تعتقدون أن المحظرة مازالت قادرة على مواصلة رسالتها في هذا الزمن؟

محمد الأمين ولد سيدي: المحظرة مباركة ولا غنى عنها، وأنا أعتبر أن أهم أنواع التعليم في موريتانيا هو التعليم التقليدي المحظري الأصيل، فالتعليم الحديث فيه ضعف أونقص إخلاص أو نقص رعاية، فأنا لا أرى أن الدولة تقوم بواجبها في رعاية المحظرة، وتطوير المجتمع، بل تقوم بمجرد شعارات، فالمحظرة ما تزال الآن -على ضعفها- هي أهم مرتكز ترتكز عليه الثقافة.

السراج: ما هو مجال ضعفها؟

الشيخ: المحظرة بالفعل ضعفت، وتراجع دورها، ضعفت فعلا لأنها محاصرة منذ أن قدم الاستعمار كل أنواع الحصار المادي والمعنوي، فطلبتها لا يجدون أي تشجيع بعكس طلاب مدارس التي أنشأها "النصارى" الذي يحصلون على الوظائف الكبيرة والمناصب المرموقة، وهذا الحصار والمضايقة مستمران من بداية دخول الاستعمار هذا البلد وحتى اليوم، ولكن ولله الحمد ذاك الإخلاص، وإرادة وجه الله تعالى والدار الآخرة، أبقى فيها الخير، وأبقى فيها إرفاد كل مميزي البلد

فالمحظرة تعد أهم الروافد الثقافية في هذه البلاد، وقل أن تجد ذا حظ كبير في العلم إلا وقد كان له من الدراسة فيها نصيب.

الشيخ محمد الأمين ولد سيدي: المحظرة مباركة ولاغنى عنها

السراج TV