ولد سيدي: جمال ولد الحسن أول من حدثني عن الإخوان وعن سيد قطب |
الخميس, 11 يوليو 2013 13:18 |
مع الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ يأخذ الحديث متعة خاصة، فالرجل غزيز الحكم غزير المعارف غزير الدمع، يرى شهود الحق في كل شيء، يتحد بلسان صادق لا يعرف غير صفاء الحق ووضوحه، وبنفس شفافة مؤمنة، يتحدث الرجل عن محطات مهمة من تاريخ الدعوة والعمل الإسلامي في موريتانيا و يجول السراج الدعوي مع الشيخ في هذه المقابلة في ذلك التاريخ، بادئا في ذلك بتعريف الشيخ ببداياته الأولى. فإلى نص المقابلة:
السراج: هذا عن الشق الأول، فأين كان الشق الثاني من دراستكم؟ الشيخ: في نفس المحظرة، فأنا ما جاوزتها إلا سنة 1969، أي بعد مضي ثلاث عشرة سنة فيها ولله الحمد، حتى حصلت على إجازة نافع فيها، وأبوابا من الألفية الربع، بل ألفية ابن مالك، ومختصر خليل، هذا بالإضافة للآجرومية، فقد كان شيخنا رحمه الله كلما جاءه طالب قال له: خذ شيئا من علم المعقول، يعني النحو، فيدرسه على الأقل الأجرومية، ولم تكن دراسة النحو في تلك الفترات معهودة هناك في تلك المنطقة. وكانت المدة التي أمضيت في المحظرة فرصة لأن أدرس فيها، فقد كنت أدرس فيها في معظم الوقت، لأن أغلب الطلبة، يذهب بسرعة أو ينشغل عن التدريس، وكان معظم التدريس يتم بمساعدتي للشيخ، خاصة منذ أن تجاوزة سنتي الرابعة في المحظرة، وأكملت القرآن وإجازته، وأهم متون الفقه والنحو، حيث كنت حصلت على الإجازة في القرآن سنة 1963، وبعد ذلك بدأت أساعد الشيخ في التدريس. السراج: بعد ثلاثة عشر سنة في المحظرة اتجهم إلى أين؟ الشيخ: شاء الله تعالى أن جاءت سنة الجفاف الأولى، سنة 1969، وفي هذا العام مرضت مرضا شديدا وكنت أحب أن أقوم بأعمال المحظرة، لأنه لم يكن هناك عمال، وكانت الأعمال في غاية المشقة، وقد عجزت عن القيام بها بسبب تفاقم المرض الشديد، وذهبت إلى دكار من أجل العلاج، سنة 1969، وهناك التقيت بمحمد عبد الله ولد الحسن وابنه جمال، وكانت بداية انتقالي إلى هذه الجهة من موريتانيا. وبعد مجيئي لنواكشوط كنت ولله الحمد على اتصال بالعلماء هنا، بداه ولد البصيري وغيره من العلماء. السراج: ما ذا عن محمد عبد الله ولد الحسن، وظلال القرآن؟ الشيخ: عندما جئت إلى دكار اقترح أحد الإخوة من الأقارب أن أبدأ التجارة، وأنا ضعيف البنية، وكنت أيضا مريضا فدخلت التجارة، وبدأت فيها.. لكن قريبا لي آخر كان يدرس القرآن في دكار، وكانت له معرفة سابقة بمحمد عبد الله بن الحسن، أيام كان مترجما في المجرية. السراج: ألم يكن محمد عبد الله يومئذ سفيرا في دكار؟ الشيخ: بلى كان سفيرا فيها لكنه معرفة قريبي هذا به سابقة على تلك الفترة، فهي من أيام كان مترجما في المجرية، قبل ذلك بسنين عديدة... اتصل محمد عبد الله ولد الحسن، بهذا القريب، وقال له ابحث لي عن معلم قرآن، وكان ذلك أيام عطلة المدارس في الصيف، حيث جاءه الأبناء من جهة التاكلالت، فطلب معلم قرآن، واقترح علي قريبي أن أذهب إليه، فوافقت. وحين وافيته وجدت ابنه جمالا وهو يومئذ ابن عشر سنين، حيث ولد عام 1959، ووجدته على مستوى عال من الثقافة والتطلع، وقد علمني كثيرا، رغم أني بدأت أعلمه القرآن، وأعلمه أيضا بعض مبادئ الشعر، والأدب، وقد كنت يومئذ أقرض الشعر ولي مشاركات في الأدب، فعلمته قرض الشعر فبدأ يقرضه في تلك السن، أما العربية فمستوانا فيها متقارب، حيث كان في السنة الخامسة من التعليم الأساسي، وأراد أن يتفرغ لمسابقة السنة القادمة، فقدم عنه في السنة الخامسة شهادة إكمال الدروس الابتدائية، فنجح متفوقا فكان الأول في الترتيب على المستوى الوطني، وفي السنة الحادية عشرة من عمره تفرغ لهذه المسابقة أيضا، فجاء في نفس الدرجة. وكان جمال ينبهني على أشياء لم أكن أنتبه إليها، وهي أن بإمكاني أن أحصل على شهادات وكنت حينها أفر من "الدولة"، ولا أراها إلا ملوثة بالنصارى والقوانين الوضعية، والظلم، وقد أقنعني بإمكانية حصولي على الشهادة الإعدادية ببساطة. وقد وجدت عنده كتاب "في ظلال القرآن" وحدثني عن الإخوان، وعن سيد قطب، فقال لي هذا عالم شنقه جمال عبد الناصر، وكان يحدثني بهذا وهو في العاشرة من عمر، وجدت أيضا عنده كتاب المنجد في اللغة والأعلام، وقد أهداه لي، وكان عنده ظلال القرآن في عشرين مجلدا. السراج: هل كنتم قبل ذلك تعرفون شيئا عن الإخوان؟ الشيخ: لا، ما كنت أعرف أي شيء عن الأمور البعيدة، وكان عندي التزام فطري من الصغر، وكنت ولله الحمد إماما منذ كنت ابن الخامسة عشرة، أو السادسة عشرة. السراج: هل كان تقديمكم إماما في دكار، أم في المحظرة؟ الشيخ: بل حين كنت في المحظرة قدمني أشياخي لأؤمهم وأصلي بهم من أول بلوغي، فكنت أصلي بهم الخمس، والتراويح، وعلى الجنائز، وأؤمهم في صلاة العيدين، وصاروا يكلفونني بكل المهام، كالعقود وغيرها... السراج: وهل قدمكم أهل التاكلالت؟ الشيخ: نعم، حين كنت في التاكلالت قدموني إماما، وكنت إمامهم لمدة عامين، أي سنتي 1960 و1970. السراج: ومتى كان حصولكم على الشهادة الابتدائية؟ الشيخ: لم أكن أريد الحصول على أي شهادة، إنما أغراني بذلك وأقنعني به جمال ولد الحسن، فقد كان رحمه الله يغريني بالحصول على الشهادات، فحين كنت في التاكلالت اشتد علي المرض، فأرسلني محمد عبد الله ولد الحسن رحمه الله من التاكلالت لتيكنت، ومنها لنواكشوط، لأتلقى العلاج... وحينها كان جمال يعبؤني للحصول على شهادات، وكنت أرغب عن ذلك، وأفر منه أشد الفرار، خوفا من أن يجرني إلى وظيفة "الدولة"، فكنت أراها غير طاهرة.. فقد كان هناك من يشوه الأمور، ويهولها لإبعاد الناس عن الدولة، لإبعاد المتدينين عن الدولة، وكانت هذه الأفكار تروج كثيرا... أدركني الامتحان أثناء التداوي فشاركت فيه، ونجحت متفوقا، وحصلت على الشهادة، لكن الخوف من "الدولة" عاودني فقلت لنفسي سيأخذونني ويلبسون علي، فحملت كتبي إلى البادية وذهبت إلى المحظرة... السراج: لم تسحبوا الشهادة؟ الشيخ: لا، لم آخذ عندهم أي شهادة، إلا بعد ذلك بزمن طويل، فقد أخذت كتبي وذهبت إلى أشياخي في البادية، ولكني لم أجدهم، لأن الأوضاع قد تغيرت، وذهبت بهم الظروف إلى أرض بعيدة، وحالت دونهم الأودية، وأصبح الوصول إليهم صعبا، وكان الجفاف مستمرا، فذهبت أهل الشيخ أبي المعالي في مقطع لحجار، وبدأت أدرس عندهم خليل، ولكن المرض اشتد علي، وصعب، فلما قرب رمضان استأذنت الشيخ محمد المصطفى بعد أن علمت أني لا أستطيع أن أصوم رمضان في تلك الظروف، فأذن لي رحمه الله تعالى. يتواصل..... |