الشيخ محمد الأمين ولد سيدي : هكذا بدأت دعوة الإخوان المسلمين في موريتانيا |
الاثنين, 22 يوليو 2013 01:43 |
مع الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ يأخذ الحديث متعة خاصة، فالرجل غزيز الحكم غزير المعارف غزير الدمع، يرى شهود الحق في كل شيء، يتحد بلسان صادق لا يعرف غير صفاء الحق ووضوحه، وبنفس شفافة مؤمنة، يتحدث الرجل عن محطات مهمة من تاريخ الدعوة والعمل الإسلامي في موريتانيا و يجول السراج الدعوي مع الشيخ في هذه المقابلة في ذلك التاريخ، بادئا في ذلك بتعريف الشيخ ببداياته الأولى. فإلى نص المقابلة: السراج: متى كانت العودة الثانية إلى نواكشوط؟الشيخ: عدت إلى نواكشوط قبيل رمضان، واتصل بي ناس طيبون منهم محمد فاضل ولد محمد الأمين ومحمد عبد الرحمن ولد محمد محمود إمام مسجد قطر، وجماعة طيبة هي الأولى التي تحركت بالدعوة الإخوانية في موريتانيا من أول السبعينيات، وكانوا أترابي في السن، وشركائي في الوظيفة، وهي تعليم القرآن، فكلهم جاءوا من المحظرة، وكلهم يفر مما أفر أنا منه، فكانوا بعيدين كل البعد من الدولة، ويعتبرون مالها غير طاهر... ودعاني بعض الناصحين أن أشارك في مسابقة القضاء التي شارك فيها عثمان بن أبي المعالي وأخوه عبد الدايم، وكان بإمكاني أن أفعل وأنجح، لكن كنت أخاف القضاء، وأرغب عنه، وأرفض الانجرار إليه بأي وسيلة... بقيت أنا والمجموعة السابقة ننظم بعض الدروس، ونلتقي كمعلمي قرآن، ثم كان هناك آخرون طيبون من المدرسين نظموا في مدرسة التطبيق دروسا لتقوية المترشحين الأحرار، وكانت مجموعات المدرسين هذه برآسة الراجل ولد أحمد سالم، وقد كان معلما هناك في مدرسة التطبيق، وأخذ منها قسما، وخصصه لتعليم المترشحين الأحرار، للإعدادية، وهي أول مرة تنظم في موريتانيا شهادة الإعدادية العربية، وكان ذلك سنة 1972-1973، وكان هناك مجموعات من الأساتذة تساعد الراجل ولد أحمد سالم، من أبرزهم محمد المختار كاكيه، وباركلل ولد داهي، وبعض الأساتذة المتطوعين، وقد أفادونا كثيرا جزاهم الله خيرا... وقد شاركت في تلك المسابقة ونجحت فيها بحمد الله. السراج: كيف كانت ظروف الامتحان بالنسبة لكم وأنتم قادمون من المحظرة؟ الشيخ: كانت سهلة، بل في غاية السهولة؛ حيث كنت قد تخلصت من غرابة ما يقدم في الامتحانات خلال إقامتي في التاكلالت، فقد دخلت جو الثقافة المعاصرة من بابه الواسع أيام مقامي في التاكلالت، فقد كانوا جزاهم الله خيرا، موئلا للثقافة ويتمتعون بجو ثقافي وجو مرح وجو فضل.. وتلقوني بروح احتوائية، فزالت عني الغربة، وكان عندهم أبرز قيادات الدولة حينها، فقد كان هناك محمد عبد الله ولد الحسن، وكان من أبرز قيادات الدولة وأطرها ومثقفيها، وأيضا أحمد ولد اباه، وكذا محمد المختار ولد اباه الذي كان يقدم هناك دوريا لأن زوجته هناك، وهو ابن ابنتهم، وشيخهم... فكان يوجد هناك بشكل جائم. السراج: هل كانت التاكلالت قبلة للمثقفين حينها؟ نعم هي كانت قبلة للمثقفين حينها، كانت مدينة ثقافية لا يشابهها في ذلك أي قرية من القرى القريبة من المذرذرة، ولا غرابة، فهي كانت منبعا للثقافة الأصيلة القديمة، فلا غرابة إن كانت قبلة للحديثة أيضا. السراج: وماذا عن واقع نواكشوط في تلك الفترة، خاصة بالنسبة لمن كان فقيرا، وجاء مريضا؟ جئت إلى نواكشوط كما تقدم سنة سبعين، من القرن الماضي، من أجل العلاج، وكنت فعلا من أسرة فقيرة فقرا مدقعا، ولكن عندي من القناعة والبعد عن الدولة وما تحت يدها ما يمنعني من مجرد التفكير فيما عندها أحرى الرغبة فيه، ولم أستطع أن أستمر مع أهل التاكلالت بسبب المرض، فبحثت عن من أدرسه القرآن فلم أجد من يعطي راتبا أكثر من ست مائة أو ثماني مائة في أحسن الأحوال، رغم أنني متذكر أن الطلبة التي يأتون من المدارس يأتون بأشياء.. ويتظاهرون بالرفاه المادي، لكنني كنت حينها أنظر إلى ذلك على أنه فاسد، ويحتاج إصلاحا... لكن كان بداه خير موجه لنا فقد كان ينصحنا فرادى وجماعات، وعلى المنبر فيقول: "تكسبوا.. تكسبوا.." "تكسبوا، ولو بالشبهة"... فجئته بعد أن كررها كذا من مرة، فسألته هل يرى لي جائزا أن أدرس لهؤلاء فآخذ منهم أواق..؟ فقال: نعم، درس لهم، وخذ منهم ما أعطوك مقابل التدريس واهرب وانج بنفسك، وفي نفس السنة تلك أخذت شهادة الإعدادية. السراج: كم كان راتبكم حينها؟ الشيخ: خرجونا حينها بسرعة كبيرة، كمعلمين مساعدين، لأن الدولة كانت بحاجة إلى المدرسين، وقد طلبت منهم عددا كبيرا لم تتوفر عليه، فقرروا التسريع بتخريجنا -للحاجة إلينا- في سنة واحدة. وكان راتب المنحة حينها 2500 أوقية، أما راتبنا بعد التخرج فكان 6400. السراج: وأين حولتم بعد التخرج؟ الشيخ: منذ أن جئت إلى نواكشوط لم أخرج منه إطلاقا، ولم أحول إلى أي جهة، فقد كانت لي علاقة ورابطة روحية مع أولئك المشايخ محمد المختار ولد كاكيه وأضرابه الذين يتحركون معه، وكان محمد المختار كاكيه مفتش نواكشوط، وكان مدرسا لنا فطلبني دون أن أطلب نواكشوط، وإنما طلبني هو، فدرست في السبخة في نواكشوط، إلى سنة 1980 تقريبا، حيث تدرجنا في مراحل التعليم الأساسي حتى وصلنا إلى درجة معلمين قدماء، فدخلنا سنة 1982 مدرسة تكوين الأساتذة، لمدة أربع سنوات، وأثناء دراستي فيها طلبني محمد فاضل ولد محمد الأمين، من أجل تحويلي إلى معهد خالد للمعارف الإسلامية، وبقيت فيه حتى التقاعد. |