ولد سيدي: كانت انطلاقة الإخوان سنة73-74 ومدرسة "بداه" كانت الحاضن |
الأربعاء, 24 يوليو 2013 11:11 |
مع الشيخ محمد الأمين ولد الشيخ يأخذ الحديث متعة خاصة، فالرجل غزيز الحكم غزير المعارف غزير الدمع، يرى شهود الحق في كل شيء، يتحد بلسان صادق لا يعرف غير صفاء الحق ووضوحه، وبنفس شفافة مؤمنة، يتحدث الرجل عن محطات مهمة من تاريخ الدعوة والعمل الإسلامي في موريتانيا و يجول السراج الدعوي مع الشيخ في هذه المقابلة في ذلك التاريخ، بادئا في ذلك بتعريف الشيخ ببداياته الأولى.
فإلى نص المقابلة (الحلقة الرابعة): السراج: كنتم أول نواة عمل للحركة الإسلامية في موريتانيا، متى كان ذلك، وكيف تعرفتم على حركة الإخوان المسلمين التي نشأت الحركة الجديدة على غرارها، وما مدى وعيكم بما أنتم مقدمون عليه، أم أن الزمن هو من تولى تلقين الدرس، وإنضاج الفكرة؟ الشيخ: تحدثا بنعم الله أني ما كنت أرغب عما يقرب من الله والدار والآخرة، ولا كنت أقبل بما يبعد من الله أو يحجب عنه، وكنت أرى في الحياة المعاصرة كثيرا من النفاق، وكثيرا من محاكاة المستعمر، والتكالب على الدنيا بأي طريقة جاءت، وبأي وسيلة وجدت، وهذا يعلمه عني أهل التاكلالت الذين جئتهم مباشرة من البادية، فقد قدموني إماما... وجعلوني كأنني عالم، فكانوا يستفتونني ويقدمونني، هذا مع أن دعوة الكادحين كانت منتشرة جدا فيهم وفي غيرهم، إلا أن ذلك لم يزدني إلا بعدا من ذلك الباطل الذي لا يرى فيه خير، لا يرى فيه إلا بعد عن الله، وبعد عن الخير والطهارة والصلاة.... السراج: هل كان الكادحون يجاهرون بمعاداة الدين؟ الشيخ: لم يكونوا يجاهرون بذلك، لكن الأحوال والظروف والملابسات تؤكد نوعا من البعد عن الدين، فاللحى محلوقة، والمساجد مهجورة، والاجتماعات والأحاديث لا يبدو فيها الخير ولا الحق ولا الغيرة عليه. السراج: هل كان هناك ناس يجاهرون بترك الصلاة، ويعرفون داخل المجتمع بذلك؟ الشيخ: كان الوعي ضعيفا، والصلاة لو بحثت عنها لن تجد صلاة يصدق عليها هذا الاسم، ولها قيمة الصلاة هناك أداء لحركاة قد لا تكون شروطها ولا أركانها مكتملة... فالشيخ محمد سالم ولد عدود كان يقول إن الددو والد النجاح يقول: تمر صلاة كالسواني تدربت بلا سائس يحدو فكيف نجاتي وكيف خلاصي من ذنوبي في غد إذا كان أربى ما جنيت صلاتي فالناس تعودوا الإسراع في الصلاة، وكثرة التيمم في البادية بسبب قلة الماء، ولم يكن هناك وعي بحراسة الدين، وبعض المشايخ الفضلاء لم يكن لديهم وعي بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... بل إن بعضهم يصل به الأمر إلى أن يقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة لتطبيق حدود الله، أمر طارئ ما ظهر إلا بعد خطب بداه ولد البصيري. فقد أكون في العطلة الأسبوعية في البادية، فأسمع بداه ينادي بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوب تطبيق لحدود الله. وللأمانة فقد كانوا يعرفون تغيير المنكر ويحرصون عليه، لكن ما كان يطبق عمليا لا يتجاوز أن يكون إزعاجا لأهل المنكر، فكانوا يتصورون ذلك الإزعاج كاف في التغيير، وإذا تم فقد تغير المنكر في رأيهم رحمهم الله، فلم يكن هنالك وعي بالتعاون على المنكر حتى ينحسر، وهذا الإزعاج كان أحيانا يزيد المنكر تماديا، وتخفيا عن أعينهم... رحمهم الله وكان عندي وعي بأن هذا الدين لا بد له من تعاون، ولا بد من طائفة تقوم عليه. وأنا تربيت أساسا في المحظرة، أخدم المشايخ، وأتعلم، وأساعد في التعليم، وما يمارسه الشباب من هوايات تركته لأترابي ولداتي، وبقيت منقطعا لخدمة مشايخي واليكنونة معهم والقيام بأمر المحظرة حتى حال العجز البدني دون ذلك، فانتقلت إلى المدينة... وقد حدثني محمد الحافظ بن اكاه، أنه كان معنا في مدرسة تكوين المعلمين سنة 1973، وأن الناس كانوا يعتبرونني من الإخوان المسلمين، وحين ذلك كانت حركة الكادحين هي الظاهرة، بينما كانت الحركتان القوميتان البعثية والناصرية لم تظهرا بذلك الشكل... السراج: متى تأسست الحركة الإسلامية بالضبط؟ الشيخ: الله أعلم، أنا أزعم أنها انطلقت من محظرة الإمام بداه بن البصيري، وأن النواة الأولى لها كانت هناك، فكل أعمال الدعوة كان بداه هو الذي يحرصها ويوجها من وراء الستار، وبما أن محمد الأمين ولد مزيد كان في تلك المحظرة فيها تربى وفيها نشأ فقد تكون عنده الخبرة الكافية، عن متى تأسست الجماعة بالضبط.. وذلك لأنني كنت أسافر في كل العطل بعيدا عن العطل، والتجمعات تقع غالبا في العطل. وأول لقاء مؤكد نتأكد فيه أننا نجتمع في الله تعالى من أجل الإسلام، وأننا مختفين عن الأنظار كان في السنة الدراسية 1974-1975، عندما تحولت أنا إلى السبخة، وكنا في بيت قريب من مسجد الشرفاء نكتريه، وكان المسجد حينها قيد البناء، وكنا نغلق علينا الباب من أول النهار إلى أن يقترب أذان المؤذن، كنا نغلق الأبواب، ونتحدث طول الوقت في كيف نسير بتنظيم إسلامي مهما يكن. وكان من أبرز النشطاء في تلك الفترة محمد فاضل ولد محمد الأمين، ومحمد عبد الرحمن ولد محمد محمود، رغم أنهما تعاونا في البداية مع الناصريين، لأن الناصريين أيضا إنما بدأوا يدعون إلى الإسلام، فهم من أقام أولا محظرة العون الإسلامية، فصاروا يدرسون فيها القرآن، ويجودون فيها القرآن، وصاروا يصرحون في تلك الأيام في أبواق الحزب الحاكم حينها، أنهم عادوا إلى الإسلام، وأنهم رجعوا عن الكادحين، وأن الكادحين كفار. وكان هذا الضجيج حينها يملأ الآذان في الليل والنهار، والسبب في ذلك أن الكادحين حينها كانوا في السجون، إذ حين شعرت الدولة بقوتهم انقضت عليهم. السراج: إذن كان التأسيس الرسمي لحركة إسلامية بجلسات منتظمة، وهياكل واضحة سنة 1974؟ الشيخ: كان ذلك في السنة الدراسية 1974-1975، لأننا تخرجنا سنة 1974، ولم نمارس الدراسة إلا سنة 74-75، وكان معنا في هذه الجلسات محمد عبد الله ولد الخرشي، وهو تاجر معروف، وكذا الشيخ محمد عبد الله ولد الصديق، وهو عالم أيضا مشهور توفي قبل فترة وجيزة، وكذا السالم ولد السالم، وكان من أعوان القضاء في نواكشوط، هذا بالإضافة إلى السابقين، كمحمد فضل ولد محمد الأمين، ومحمد عبد الرحمن ولد محمود، إمام جامع قطر حاليا، وكان حينها إمام مسجد الشرفاء وشيخ مدرسة الناصريين. وكانت الفكرة التي جعلته ومحمد فاضل ولد محمد الأمين ينخرطان في صفوف الناصريين ويتعاونان معهم هي أن الإسلام لا يجد من يعمل له في البلد، وما دام الناصريون يعملون له ولو جزئيا فيلزم التعاون معهم، فكنا نقول لهما كيف تدعواننا إلى فكرة يمجد أصحابها عنصرا من البشر على حساب العناصر الأخرى، ونقول لهم: نحن قد نقبل بتمجيد اللغة العربية لأنها لغة القرآن، والدين، وذو الدين لا يمكن أن "يخاصم بلا لسان"، لكن أن يعتقد فضل عنصر لذاته على العناصر الأخرى، فذلك مالا نقبله... على كل حال أنشأ الرجلان محظرة العون، وتحولا من الرياض إلى وسط العاصمة.... وتحول الرجلان إلى فكر إسلامي حقيقي... |