الأستاذ سيدي محمد ولد حيلاجي: أهم ميزات المحظرة حفظ المتون والتخصص |
الاثنين, 26 أغسطس 2013 17:15 |
يسر السراج الدعوي أن يقدم لقرائه الكرام هذه المقابلة، مع شخصية متعددة الأدوار، مختلفة المهام.. شخصية عصامية، شخصية من يعرفه الناس حين الدرس بالتمكن منه، والثقة في النفس، وضبط الفصول الدراسية، ويعرفونه حين الكتابة ذا فكرة واضحة، وعبارة دقيقة وإفصاح عما يعتقد، كما تعرفه أعواد المنابر يهزها بخطبه المعدة، وكلماته الفاصلة الواضحة المبينة الصادعة بالحق، كما تعرفه ميادين الدعوة، وساحات العمل الإسلامي. إنه الإمام والأستاذ الداعية الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي.. نسير معه خلال هذه المقابلة في ظلال الأدب ونسائم الدعوة. السراج: حبذا لو حدثتمونا عن النشأة العلمية الأولى؟ الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أنا ولدت كما في الأوراق سنة 1956 قرب أبي تيليمت، في قرية من قرى العقل تقع خمسا وعشرين كلم جنوب غربي أبي تيليميت. توفي عني والدي وأنا صغير، فتربيت يتيما مع أمي، وإخوتي، بدأت دارسة القرآن، على أمي وأخي الأكبر محمد رحمه الله تعالى. وقد توجه بي إلى محظرة أهل حبيب الرحمن ليكمل دراسته فيها، ويشرف على تدريسي للقرآن، لكنه كان منشغلا بدرسه التخصصي، وكنت مهملا حينها للوْحي فكنت أحفظ دروس الطلاب الآخرين عن طريق ما يعرف باللهجة المحلية ب: "استروي"، ولكن أهمل دراستي القرآنية، ما أعاقني عن حفظ القرآن كاملا في تلك الفترة. كانت زيارتي لمحظرة أهل حبيب الرحمن في تلك الفترة فرصة مناسبة لأن ألتقي بعض أهم روادها الأوائل كالديه رحمة الله عليه، ومحمدن ولد محمد النابغة، لكنني كنت صغيرا حينها لا أستطيع الإفادة من أولئك الكبار. توجهت إلى السنغال، وعملت فيه قليلا تاجرا، ثم عدت إلى المحظرة مرة ثانية فأدركت الجيل الثاني كأحمد ولد بداه، وبداه ولد محمد النابغة، وهو ما زال حيا حفظه الله، درست شيئا من مبادئ النحو، ومن مبادئ اللغة، وبعضا من خليل والكفاف. بعد ذلك عدت إلى السنغال. وأهم شيء حصلته في هذه الفترة، كان القدوة، فقد كان لي الشرف أن زرت الشيخ أحمد ولد محمذن فال في تنجغماجك، فقد كان آية في الزهد والرع، والجدية، وهذه سمة عامة على محظرته، فلا تكاد تجد فيها عابثا مهما كان، ومن زار الشيخ أحمد ولد محمذن فال لا بد أن يتأثر بجديته، فقد كان تلامذته لا يلعبون حتى في فترة العطلة (الخميس والجمعة)... لم يكن تلامذة المحظرة يخرجون عن إطار العلم في تلك الفترة، فقد كانوا إما يكررون أو يحفظون، أو يعدون أدواتهم ويغسلون ملابسهم. السراج: التقيتم أجيالا مهمة من رواد محظرة أهل حبيب الرحمن، فمن التقيتم في تنجغماجك؟ كان في تنجغماجك في تلك الفترة عدد كبير من الطلاب، فقد كان فيها مآت ثلاث أو أربع من الطلاب حينها بل ما زال فيها عدد كبير جدا.. فقد زرتها العام الماضي وما زالت فيها أعداد كبيرة من الطلاب. وأنا أقمت فيها فترة قليلة، منعزلا في منزل مع بعض المعلمين، فكان ذلك حائلا ومانعا بيني وبين التعرف على كثير من الطلاب الكبار، وعموما أذكر من الطلاب المميزين حين ذلك، الشيخ ولد حنبل، وهو خريج هذه المحظرة والآن يدرس في محظرة النعيمة، وأذكر أبناء أحمذية، وأذكر الشيخ محمد ولد مبارك من سكان بير البركة.. وأسماء أخرى لكن حقيقة لا أحفظ الأسماء كثيرا... وعموما ما يميز هذه المحظرة عن المحاظر التي أعرفها من قبل هو أن تلامذتها مجدون، فلا تجدهم يلعبون الكرة، ولا الألعاب الأخرى، فإما أن يستنسخوا الطرر والحواشي أو يدرسوا.. ليس هناك وقت للفراغ عندهم... السراج: ما هي ملاحظاتكم على التجربة المحظرية، وطريقة التدريس فيها؟ المحظرة الموريتانية كما هو معروف لها كثير من الإيجابيات وإيجابياتها كثرة جدا، ومن إيجابياتها: 1- حفظ المتون. 2- والتخصص. 3- وأن صاحبها علمه معه: علمي معي حيث ما يممت يتبعني قلبي وعاء له لا بطن صندوق إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق. السراج: ذكرتم أن تنجغماجك تختلف عن المحاظر التي زرتم، فما هي تلك المحاظر؟ الشيخ سيدي محمد: كانت أهم تلك المحاظر من غير محظرة أهل حبيب الرحمن آنفة الذكر محاظر سابقة لذلك، فهناك محظرة سالم ولد سالم، ومحظرة الشيخ محمدو ولد أحمد عالم ولد محمدا، من المتعلقين بالله، فقد درست في هذه المحاظر الكتب المختصرة البدائية، كالأخضري وابن عاشر، والعبقري، وعبيد ربه وغير ذلك... السراج: ماذا عن نواكشوط، ورحلة الطلب فيه؟ حين قررت الدراسة النظامية كنت أحاول معهد أبي تيليميت لكني عدلت عن ذلك وقررت الترشح لشهادة إكمال الدروس الإعدادية، وكانت هي أكبر شهادة في البلد حينها. وكان دخولي ميدان الدراسة النظامية مخالفة كبيرة لأنني من أسرة محافظة، وإخوتي لا يوافقون على الدراسة في المدارس النظامية، ويرونها مخالفة للدين ومخالفة لما كان عليه الأجداد، ودراسة من أجل الدنيا بعد كل ذلك، في حين لا ينبغي للإنسان أن يدرس إلا من أجل الآخرة فقط، لذلك كانوا يتورعون عن التعليم والعمل مع "الحكومة"، ويعتبرون الحصول على الشهادة هي أمر للدنيا فقط. ترشحت للإعدادية ونجحت بحمد الله، وكان من حصل على الاعدادية حينها يمنح لأي بلد عربي شاء، لكنني حينها امتنعت عن ذلك، وقررت أن ألتحق بالتعليم، فالتحقت به، وبقيت معلما لست سنوات، تدرجت فيها من معلم مساعد إلى معلم تام. وبعد ذلك ترشحت للثانوية العامة سنة 1980، فحصلت عليها ثم التحقت بمدرسة الأساتذة لمدة أربع سنوات، وتخرجت منها بالأستاذية "المتريز" سنة 1984. السراج: ماذا عن ظروف الحصول على شهادة الإعدادية، وعن الامتحان؟ عندما ترشحنا لم تكن هناك أي مدرسة حرة، ولا أي مرجع، كانت المراجع ناضبة، وغير موجودة، لم يكن الحصول على مرجع سهلا إطلاقا، بعكس ما عليه الأمر الآن، حيث لا تدخل أي مكان إلا وجدت فيه مرجعا. فكنا لا نستطيع الحصول على مرجع في الرياضيات أو في الفيزياء أو الكيمياء أو العلوم، كنا نتوجه إلى المركز الثقافي المصري، وكانت في المركز الثقافي المصري بعض الكتب القديمة فيجتمع الطلاب فيه ويحاولون أن يراجعوا بعض الكتب ولكنها غير كافية، فتجد كتابا واحدا في الرياضيات، في المركز الثقافي المصري، ولكن المنهاج المصري خاصة في الرياضيات يختلف عن المنهاج في موريتانيا. كانت ظروفا صعبة، فلم تكن المراجع توجد، ولا يمكن العثور عليها. كان هناك رجل جزاه الله عنا خيرا، وكان معلما في مدرسة تكوين المعلمين، وكان مديرا أو معلما في مدرسة التطبيق، كان هذا الأستاذ يجمعنا كتلاميذ أحرار، -وعنده كتيب- في المساء، ويساعدنا، ويطلب من الأساتذة أن يساعدونا. أذكر أن الشيخ محمد المختار كاكيه حفظه الله كان قد قدم لنا درسا أو درسين في الأنكحة، (والأنكحة كانت مقررة حينها) ولكن الدروس المقدمة لنا عموما قليلة، ولا تكفي. السراج: من هذا الأستاذ الذي يساعدكم؟ هو محمد سالم، ما زال حيا الآن، وهو المشرف على زاية الشيخ محمد اليدالي. السراج: كيف كانت ظروف الترشح؟ حين جئت إلى نواكشوط، لم أجد من أعرفه فيه، ولكنني كنت قد مارست التجارة من قبل في السنغال، فقررت أن أفتح حانوتا ففتحت حانوتا مع زميل لي ليكون محلا للسكن، ووسيلة للترشح، فكنت أبيت أنا وزميل لي في هذا الحانوت، وكنت أذهب إلى المركز الثقافي المصري. وفي الحقيقة أنا لم أدرس إلا حدود ثلاثة أشهر.. ونجحت بحمد الله، ولكن النجاح كان مفاجئا لي، ما كنت أظن أنني سأنجح إطلاقا. السراج: وماذا عن الامتحان وأجوائه، سهلا كان أم صعبا؟ لم يكن الامتحان صعبا، أو على الأصح قد كان مختلفا، فقد كانت الفرنسية والرياضيات في غاية الصعوبة علينا، لا أذكر أني حصلت فيها كبير شيء، أما العلوم فقد كانت سهلة؛ لأنها جاءتنا في بعض الأمراض التي راجعنا بعضها، وأما العربية والتاريخ والجغرافيا، فلم تكن الصعوبة فيها مطروحة أصلا، لأننا لم تكن عندنا فيها مشاكل.
يتواصل................ |