الأستاذ ولد حيلاجي: كان أساتذتنا أجانب رقيقو دين |
الخميس, 29 أغسطس 2013 15:03 |
سر السراج الدعوي أن يقدم لقرائه الكرام هذه المقابلة، مع شخصية متعددة الأدوار، مختلفة المهام.. شخصية عصامية، شخصية من يعرفه الناس حين الدرس بالتمكن منه، والثقة في النفس، وضبط الفصول الدراسية، ويعرفونه حين الكتابة ذا فكرة واضحة، وعبارة دقيقة وإفصاح عما يعتقد، كما تعرفه أعواد المنابر يهزها بخطبه المعدة، وكلماته الفاصلة الواضحة المبينة الصادعة بالحق، كما تعرفه ميادين الدعوة، وساحات العمل الإسلامي. إنه الإمام والأستاذ الداعية الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي.. نسير معه خلال هذه المقابلة في ظلال الأدب ونسائم الدعوة. السراج: كيف كان الجو الدعوي العام في نواكشوط؟ ولد حيلاجي: في العام 1973، كان الكادحون هم المسيطرون المحركون لطلاب الثانويات، والمحركون لهذه الساحة، وكانت السلطات تطارد قادتهم، وفي تلك السنة، بدأت المفاوضات بين ماري تريز، -السلطة الحاكمة- للتوافق معهم، وكانت هناك قلة من الناصريين. وكان هؤلاء الطلاب الناصريون هم من حصنني من الالتحاق بالكادحين، فقد كانوا يحذرونني من الالتحاق بالكادحين، وقد نجحوا في هذه الدعوة، ولم يكونوا يدعونني إلى فكرهم، وإنما حذروني فقط من الكادحين. السراج: هل تذكرهم؟ هم طلاب كانوا يدرسون معنا، أحدهم اسمه سيدي با كان مديرا لمدرسة الإنقاذ في توجنين، وتقاعد. السراج: من تذكرون من زملاء الدراسة في تلك الفترة؟ حين حصلت على شهادة إكمال الدروس الإعدادية، امتنعت مدرسة تكوين المعلمين من استقبالي بحجة أنني صغير لم أبلغ الثامنة عشرة، فاضطررت إلى دخول الثانوية الوطنية وكانت الثانوية الوحيدة أنا ذاك في موريتانيا، وكنت أعيش في داخلها، وكان معي قسم من الأفذاذ حينها، وهذا القسم عشت معه فترة مريحة. وكان من هذا القسم جمال ولد الحسن، ولسان الدين، ومحمد الحافظ ولد أحمدو، ومحمدن ولد محمد الحافظ، ومحمد الأمين ولد الناتي الوزير الناصري، وأتذكر أن الأستاذ الموريتاني الوحيد الذي كان يدرسنا هو اكبيد، وقد أعطانا إنشاءً حرا، بعنوان: "المرء بأصغريه قلبِه ولسانه"، وحين أنجزنا الإنشاء أعطاني ثمانية عشر من عشرين، وأعطى لجمال ولد الحسن ثمانية عشر من عشرين، وأعطى لمحمد الحافظ بن أحمد خمسة عشر من عشرين، فغضب، وكان محمد الحافظ يحب اللغة العربية ويتذوقها، فاستاء من النتيجة، فكان ينادي: قفوا معي حدادا على اللغة العربية. وقد عشت في هذا القسم ثلاثة أشهر، وبعدها انسحبت منه. السراج: ما السبب؟ ولد حيلاجي: كانت مدرسة تكوين المعلمين قد أعلنت عن مسابقة، فشاركت فيها، وقبلوني بحجة أنني لن أتخرج إلا بعد إكمال الثامنة عشرة من عمري، فدخلت المسابقة، وكان السبب في ذلك حاجتهم الماسة إلى معلمين. بقيت في المدرسة سنة، وبعدما تخرجت حولت إلى "الواد الغارق"، وكان الواد الغارق سبعا وثلاثين كلم من ألاك، وقد حولت إليه في السنة الدارسية 1974-1975، وقد بقيت فيه ثلاث سنين وأنا المدير والمدس قبل أن أحول إلى نواكشوط. السراج: من تذكرون من الطبلة؟ ولد حيلاجي: انقطعت عنهم ولم أعد ألتقي بهم. لقيت أحدهم -يسمى المصطفى- بعد ذلك سنة 1984 في روصو، وهو الآن أستاذ في نواكشوط. السراج: كيف كان الجو الدعوي والمسجدي في نواكشوط حينها؟ ولد حيلاجي: كانت الدعوة غائبة، والمساجد لا تمتلأ بالناس، بل لا يزورها إلا القليلون، وأعداد المساجد أيضا قليلة، وكان أكثر زائري المساجد من الشيوخ، وليسوا من الشباب. الناس في تلك الفترة خاصة الشباب، كان سائدا بينهم الجيبيز أو "اليي"، وكانوا يطيلون شعورهم، ويلبسون البنطلون الواسع في الأسفل الضيق في الأعلى، وكانوا يستحسنون ذلك، ولذلك حين كنا في السنة الأولى من الثانوية في الثانوية الوطنية، كان جمال ولد الحسن قد كتب قفا حول موضة من تلك الموضات تسمى "يي"، فقال: ".."يي" طهارة من دين ووطنية لا أحدهما واستظهرت لمطلق شاب عاش في قرننا وهل في الذي قبله بغرب خلاف، واستحسن.. ووجب تماد عليها إلى يوم القيامة، ولبس بنطلون اتسع أسفله بعكس أعلاه، وقميص ذي حلق زركش، وهضم كشحا إن تناسبا ظاهرا وإلا تركا إلى متناسبين..." إلى آخره. فقد كان يحاكي خليلا في هذا القف. وعموما فالدين كان رقيقا في الشباب إلى أقصى الحد. ولكن ذلك بدأ يتغير بعد فترة، خاصة مع ظهور المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية، وكذا الجمعية الثقافية الإسلامية، حيث بدأت المظاهرات تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية. السراج: من هم أهم الشخصيات الذين أثروا فيكم في تلك الفترة؟ ولد حيلاجي: الحقيقة أن من كانوا يدرسوننا في تلك الفترة في الثانوية الوطنية، من الأساتذة، وكذا في مدرسة تكوين المعلمين، هم خليط من السوريين والعراقيين والسعوديين، وكان دينهم رقيقا للغاية، بل لم يكن التدين حاضرا عندهم في الغالب، أذكر أستاذا واحدا كان يدرسنا الرياضيات، وكان شيخا كبيرا، وكان سعوديا، هو الوحيد المتدين فيما أذكر، وما عداه من الأساتذة كلهم رقيقوا الدين، إن لم أقل غير متدينين، أو أغلبهم كان كذلك... فمثلا "مليكة" (رحمه الله.. / أستغفر الله، لا أستطيع أن أترحم عليه، لأني لا أعلم أمسلم هو أم لا) مليكة هذا كان أستاذا يدرسنا بل كان مدير الدروس بمدرسة تكوين الأساتذة، وكان قد تجنس في موريتانيا، ومات فيها، وكان مدير الدروس إلى أن مات، وكان رقيق الدين، بل عموما كل الأساتذة تقريبا كانوا رقيقي الدين. وكان أستاذي المشرف علي فرج رمضان، أيضا رقيق الدين، بل كان يخالفني في كل شيء، وكانت الرسالة شجارا بيني وبينه إلى أن انتهت. السراج: هل من شخصيات أخرى، من المحظرة أو من مدينة نواكشوط أثرت فيكم؟ ولد حيلاجي: أهم شخص أثر في شخصيتي في تلك الفترة خاصة في بدايتها هو الإمام بداه ولد البوصيري، فهو الشخص الوحيد الذي كنا نحضر خطبه، وكنا نعجب بها، وكنا نحاول أن نحفظها، أو نحاول أن نحفظ منها ما استطعنا.. وكذلك محمد الأمين ولد الحسن عندما بدأ يخطب، ولكنه كان متأخر الظهور، أي في سنة 1980 أو ما بعد 1980. وعندما أنشئت الجمعية الثقافية الإسلامية بدأ الصحوة تظهر، وبدأ الكتاب الإسلامي يصل، وبدأ الشريط الإسلامي يسمع، وبدأت الصحوة تنتشر، وبدأت الناصريون يتضايقون، فكانوا عندما تدعو الجمعية الثقافية الإسلامية إلى محاضرة، يحضرون، ولكن بهدف التشويش والمشاغبة، ولذلك إذا كبر الإخوة صفقوا وشوشوا... وأذكر محاضرة لبداه بن المصيري نظمت في الجمعية الثقافية الإسلامية وكان الجو حينها ساخنا بين الإسلاميين والناصرين وكان من بين الحضور أحد الشباب المتحمسين، فقال: يسقط الكتاب الأخضر، فحدثت ضجة، فقال الإمام بداه بن البصيري عليه رحمة الله: لا للكتاب الأحمر، ولا للكتاب الأخضر، نعم لتطبيق الشريعة الإسلامية، وكان هذا من أهم المواقف.
يتواصل........... |