ولد جيلاجي: قدمت لنا الحركة الإسلامية الوعي وتصحيح المفاهيم وتعميق الثقافة وتوضيح الرؤية |
السبت, 31 أغسطس 2013 12:51 |
إنه الإمام والأستاذ الداعية الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي.. نسير معه خلال هذه المقابلة في ظلال الأدب ونسائم الدعوة. السراج: وماذا عن النشأة الدعوية لكم، ما السبب الذي جعلكم تلتحقون بالحركة الإسلامية، وأنتم من مجتمع متدين محافظ.. ماذا تقدم لكم، وكيف التحقتم بها؟ ولد حيلاجي: بسم الله الرحمن الرحيم، بداية التعرف على الإسلاميين كانت عندما كنت معلما، وأنا بفطرتي متدين، وأحب التدين، أحضر الجماعات في المساجد، وما عندي مشكلة في الالتزام الشرعي. وأول من اتصل بي، وربط بي علاقة، ودعاني، هو الشيخ سيدي محمد ولد أحمد باب ولد جَدّامُّ، هذا الشيخ جزاه الله عني خيرا، كان معلما مثلي، وزارني في مدرستي، وعرفني بنفسه، وعرفته على نفسي، فربط بي علاقة، وبعد ذلك ترشحنا للباك، وكنا نحضر بعد الدروس الخصوصية، فتعارفنا أكثر، وشاركنا في الباكالوريا، فكانت طاولاتنا متوالية، ونجحنا في الباك، فكانت أسماؤنا متتالية، ودرسنا في مدرسة تكوين الأساتذة، وكنا متتابعين في اللائحة دائما بسبب اشتراكنا نفس الإسم... هذا الشيخ هو أول من عرفني على الشريط الإسلامي، والكتاب الإسلامي، والفكرة الإسلامية، فقد كان يعيرني الأشرطة، والكتب، وكنا نتناقش معا، وهو الذي بدأ يشرح لي الفكرة الإسلامية، ويزرع في الوعي بالحركات الأخرى الشيوعية، والناصرية، وغيرها... السراج: لكن ما لذي قدمته الحركة الإسلامية لشاب ملتزم قادم من بيئة ملتزمة..؟ ولد حيلاجي: هو الوعي بالواقع، وتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة، وتصحيح التصور، وتعميق الثقافة الإسلامية، وتوضيح الرؤية، وهذا بدأ يتضح لي مباشرة بعد التحاقي بالجمعية الثقافية الإسلامية، لذلك واظبت على حضور أنشطتها، ومحاضراتها، ولذلك أنشأت أنا والشيخ سيدي محمد ولد جدام، فرعا للجمعية في بوحديدة، وكانت فيه مكتبة، وكنا نقوم بتقديم الدروس للمترشحين الأحرار للباكالوريا، واستمر ذلك من سنة 1987 إلى سنة 1994... ولا شك أنه أيضا اتضح لنا الحق أكثر. السراج: متى كان تعرفكم الأول على الحركة الإسلامية؟ ولد حيلاجي: كان سنة 1980. السراج: ما هو تقييمكم لتلك التجربة؟ كنا نبذل جهدا كبيرا، ولم تكن هناك هواتف ولا سيارات، وكنا إذا أردنا تنظيم محاضرة، لا بد أن نركب البيس، وأن نتفرق في المقاطعات، فقد كانت الوسائل محدودة جدا، ومع ذلك كنا نضحي بكثير من الوقت، وكانت الاجتماعات سرية، وفي أماكن مظلمة وضيقة أحيانا، وفي أوقات حرجة أحيانا... ورغم محدودية الوسائل فقد كنا نكسب يوميا كثيرا من الأنصار، وكثيرا من المنتمين، وكنا نحشد حشودا هائلة للمحاضرات والأنشطة رغم محدودية الوسائل، وانعدام الهواتف والسيارات. وكان عطاؤنا يكاد يكون أقوى من عطاء الناس اليوم الذين عندهم الوسائل، والهواتف والسيارات... وكنا نخوض المعارك النقابية، وننتصر فيها.. أذكر حين كنا في مدرسة تكوين الأساتذة، حانت حينها انتخابات نقابة المعلمين، وقد كنا نعتبر موظفين في تلك الفترة رغم أننا طلاب في مدرسة تكوين الأساتذة، لأننا في الأصل من المعلمين؛ لذلك لنا الحق في التصويت على انتخابات نقابة التعليم.. كنا مع كاكيه، ومع عبد الرحمن بن الخليفة، وبعض الرجال الآخرين، وكنا نخوض معركة انتخابات نقابة المعلمين، ضد الكادحين الذين يقودهم في تلك الفترة ولد بدر الدين، ومحمد ولد الناجي، وبعض الزنوج، فكانت معارك طاحنة... وكانت فرصة لإسماع الشباب هجوم الكادحين على الإسلام والمسلمين، وكنا نطرح ما تقدمه نقابتنا، ويطرحون ما تقدمه نقابتهم، وكان ذلك يجرهم إلى الوقوع في الفكرة التي ندعو إليها، بل كانوا يقولون بصريح العبارة: "كيف يمكن لتجربة مرت عليها أربعة عشر قرنا أن تعاد في القرن العشرين" كانوا يقولون هذه الأفكار بصراحة.. ولكن مع ذلك.. وفقنا الله تعالى فانتصرنا عليهم، وكان مرشحنا حينها المستشار بالقصر الرئاسي بومية ولد ابياه، فانتخب نقيبا لعموم التعليم الأساسي. السراج: هل كان الكادحون يجاهرون بالإلحاد حينها؟ ولد حيلاجي: كانوا يجاهرون بالطعن في المسلمين والدعاة على الأقل، ولا يعطون الإسلام الاحترام الكافي، ونظرا لعدم دقتي في ضبط الكلمات لا أستطيع أن أقول إنهم كانوا يجاهرون بالكفر، ولكن كانوا قطعا يسيئون إلى المسلمين وإلى الدعاة صراحة، ويتركون في أحسن احتمالاتهم مفاهيم دالة على عدم احترام الدين، وعدم الاكتراث به، هذا أقل ما يمكن أن يقال... السراج: اختلفت الساحة الدعوية بعد ذلك، وتباينت التيارات، فهل من تقييم لذلك الاختلاف وأسبابه؟ ولد حيلاجي: في الحقيقة أنا قبل أن أعرف الحركة الإسلامية كنت أشارك كعموم المتدينين في الأنشطة الإسلامية العامة، إلا أنها كانت غير منظمة بما يؤثر ويكفي، فمثلا في عام 1978 قرر بعض الأئمة القيام بمظاهرة للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وكانوا أئمة من كبار السن، وكان من بينهم مشايخ، وكانوا في المقاطعة الخامسة، وانطلقوا من جامع المقاطعة الخامسة متجهين إلى مقر البرلمان الآن، وكان حينها قصر الشعب، وكان حينها مقر حزب الشعب الموريتاني. وبمبادرة مني قلت هؤلاء مشايخ لا يعرفون كيف تعد اللافتات، فبادرت فاشتريت القماش، وأعددت لافتة كتبت عليها قول الله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم، ويثبت أقدامكم" وبعض الآيات التي تؤيد تطبيق الشريعة، وجئتهم بها، ولاحظت في نظراتهم بعض الغرابة، وكأنهم يرتابون في لأنهم لا يعرفونني، وقد اصطحبت زميلا لي فكان يحمل معي هذه اللافتة وظل معي حتى جاءت الشرطة، وسحبتها منا، وفرقتنا أمام قصر الشعب أنا ذاك. وأتذكر إعلان هيدالة تطبيق الشريعة الإسلامية الذي أسعدنا كثيرا، وأنا يومئذ مع الحركة الإسلامية، وأتذكر البيان الذي أصدرت الجمعية الثقافية الإسلامية حينها، وقد قرأه الشيخ محمد الحبيب ولد أحمد، وكان بيانا ناضجا، أتذكر أوله، وكان فيه" نعلن ولاءنا لله ولرسوله أولا... إلى آخره... وأذكر أن الشيخ أحمد الحسن بن آلا ألقى فيه قصيدة جميلة منها: اليوم ولى عهد نابليون وانهد صرح بناءه المأفون وتكلل العزى بضربة خالد ويطيح شرع الله بالقانون اليوم ديغول يقاد إلى الردى كرها معفر هامة وجبين إلى آخر القصيدة المعروفة. وكان هذا قبل سنة 1982، وكانت مظاهرة مؤيدة لهيدالة، وأما الأخرى المذكورة قبلها فكانت مؤيدة للمختار ولد داداه حين أعلن قراره بتطبيق الشريعة الإسلامية، وكان ذاك أول إعلان لتطبيق الشريعة الإسلامية في موريتانيا، وكان في زمن المختار ولد داداه، لكن هل كان مخلصا في قراره أم لا؟ الله أعلم.
يتواصل............... |