ولد حيلاجي: قراءة الساحة أظهرت نضج الإسلاميين في أزمة2003 |
الأربعاء, 23 أكتوبر 2013 10:25 |
يسر "السراج الدعوي" أن يقدم لقرائه الكرام هذه المقابلة، مع شخصية متعددة الأدوار، مختلفة المهام.. شخصية عصامية، شخصية من يعرفه الناس حين الدرس بالتمكن منه، والثقة في النفس، وضبط الفصول الدراسية، ويعرفونه حين الكتابة ذا فكرة واضحة، وعبارة دقيقة وإفصاح عما يعتقد، كما تعرفه أعواد المنابر يهزها بخطبه المعدة، وكلماته الفاصلة الواضحة المبينة الصادعة بالحق، كما تعرفه ميادين الدعوة، وساحات العمل الإسلامي.
إنه الإمام والأستاذ الداعية الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي.. نسير معه خلال هذه المقابلة في ظلال الأدب ونسائم الدعوة. السراج: تاريخ الحركة الإسلامية كان تاريخ أزمات.. فأي رسالة تحمل هذه الأزمات؟. ولد حيلاجي: لا شك أن الحركة الإسلامية بالتدريج وبالأزمات اكتسبت نضجا، فالحركة في سنة 1994 غُرِّرَ بها، غَرّرت بعنصرها المعتقلة المخابراتُ فسجلت تسجيلا وبثته على التلفزيون، في حين كان الأمر على العكس من ذلك سنة 2003، فلم تستطع المخابرات أن تؤثر في أحداث 2003 وما بعدها كبير تأثير ولا أن تنجز كبير إنجاز، لأن الجيل الذي كان في 1994 كان قد تبدل، ولأن التجربة ساعدت على تجاوز مثل ذلك، فلم تستطع قوى الأمن أن تفعل شيئا أمام الإصرار المغذى بالتجربة. فقد كانت الحركة ناضجة أكثر من ذي قبل، وكانت مشاكسة للنظام، ولم يستطع أن يضرها بكبير أذى، أو هكذا أتصور، رغم أني لا أطلع على كثير من المعلومات، لكن قراءة الساحة أظهرت لي هذا. وأعتقد أن النظام سنة 2003 وسنة 2005 كان أعجز منه سنة 1994 بكثير، فقد نقول إن الموازين قد تبدلت، حيث كان الإخوة يعرفون تقريبا كل ما يدور في كواليس الدولة، وكل ما يحاك ضدهم من مؤامرات، ما يسر لهم بفضل الله تعالى تفادي الكثير من الإحراج، والاستعداد لكل جديد وطارئ. بل كاد الأمر يوصل بهم إلى معرفة اللوائح المطلوبة، وأسماء المرشحين للاعتقال في بعض الأحيان.. نظرا للقدرة على فهم الخطط الأمنية وصدق التنبأ بها... هذا فيما يتعلق بالشق الأمني والسياسي، أما ما يتعلق بالشق الدعوي، فالدعوة بفضل الله انتصرت انتصارات كبيرة، ونوعية، وأخذت تتسع دائرتها كل يوم، ويرجع الناس إلى الالتزام بالدين، والاقتناع به بشكل كبير ولله الحمد.... إذن كانت الأزمات إيجابية فيما يظهر ولله الحمد. السراج: أزمة 1994 فرقت الصف الإسلامي، شيعا.. ألا يعتبر هذا سيئا؟ ولد حيلاجي: أكثر من ذلك أن الحركة الإسلامية ذاتها انقسمت، وخرج منها الكثير من الناس، وانقسم الدعاة إلى سلفيين، وتبليغيين، وإخوان، وغير ذلك، فهذا سلبي من ناحية، وصحيح، وهذا الانقسام جعل كلا يرى أن الحق معه، وأنه هو صاحب الحق، ومن سواه على باطل... ولكن ليس هذا كل ما في الأمر.. بل أنا كنت كتبت مقالا عن "الخطاب الدعوي، المظاهر والضوابط"... وقد خلصت فيه إلى أن ما يجمع الدعاة أكثر من ما يفرقهم، وأن وسائل الاتفاق أكثر من وسائل الاختلاف.. (والمقال نشرته فيما أعتقد في موقع السراج الإخباري)... فلم ننفخ جانب الاختلاف، وننسى جوانب الاتفاق، وعوامله؟. وعلى كل حال.. فهذا الاختلاف فيما أرى اختلاف في التخصص، والناس متفاضلون في الفهم والاستيعاب، ولذلك، فله فوائد، وله سلبيات... السراج: ما هي آليات النهوض بالواقع الدعوي الآن رغم تراجع الأداء التي ذكرتم؟ ولد حيلاجي: هناك رأي يرى أن الدعوة تنشط وتقوى في أوقات الأزمات والصدام مع النظام، وأنه كلما خمد الجمر كلما تراخى الدعاة في مهمتهم أو كلما ارتخى هذا الحبل كلما ضعفت الدعوة، وتراجع أداؤها.. وهذا رأي!! ولكن في الحقيقة أرى أن الدعوة في الظاهر، أي فيما يراه الرائي من بعيد تشهد تراجعا، وهذا التراجع إن شئت أن تقول فقل إنه من حيث الكم، لا من حيث الكيف، أي بعنى أن الدعوة لها أنشطة مختلفة، فهناك جمعيات، وهناك أنشطة سياسية، وأنشطة دعوية، وأنشطة فروع الجمعيات، وأنشطة الإعلام الدعوي، و... إلى آخره، فهناك انتشار أفقي في المؤسسات والأنشطة المختلفة والمتنوعة، وأما في المساجد فقد يقول قائل إن هناك تراجعا، لكن الناظر إلى المنابر الثابتة، والليالي التربوية، والكلمات المسجدية، وغير ذلك، وأنا أراها تتحسن بحمد الله.. رغم أننا نحب لها المزيد، وتمنى لها المزيد من التفعيل، والاستمرارية. السراج: ما هي رؤيتكم للداعية المثالي، وسماته؟ ولد حيلاجي: الداعية المثالي هو من يطبق ما يدعو إليه في نفسه، "أتمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون"؟ "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون"؟ "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"! فعليه أن يكون هو صالحا في سمته ودله، وأن يلتزم بما يدعو إليه. كما لا بد أن يكون عارفا بما يدعو إليه تمام المعرفة "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...". ولا بد أيضا من أن تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ فلكل مقام مقال. ولا بد أن يعرف طبيعة من يدعوهم، أهم مثقفون أم أميون، أهم أساتذة أم فلاحون ومزارعون، أهم أغنياء أم فقراء.. فلا يمكن للدعوة أن تكون خطابا معلبا يقدم لكل إنسان بغض النظر عن طبيعته الخاصة.. ومجاله المحدد... السراج: هل هناك شكل محدد للداعية؟ ولد حيلاجي: الشكل..! لا، الداعية لا شكل محدد له، بل لا بد فقط أن يكون عارفا بما يدعو إليه، وأن تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يراعي حال المدعو الزمان والمكان والحال... السراج: ذكرتم أن التخصص بدد الجهد الدعوي، ورأيتم تنوع الجماعات إيجابيا، فهل ضاعت الدعوة بين الحرص على الشمولية والسعي إلى التخصص؟ ولد حيلاجي: أولا الله تعالى أعلم، أنا أرى أن الجميع خاصة التخصصات الدعوية بمعنى الجماعات الدعوية، (السلفيون، التبليغيون، الإخوان) كلهم يخدمون الإسلام بمعنى من المعاني ووجه من الوجوه؛ فالتبليغيون بلغوا الدين لكثير من الطبقات التي لديها نقص في التعليم، والثقافة، فأصبحوا يحافظون على الطهارة والصلاة، ويرتادون الصلاة، ويحافظون على الأذكار وما إلى ذلك. والسلفيون حدوا من الأخطاء العقدية، وحدوا من الخرافة، والمعتقدات الفاسدة، وإن كانت لهم أخطاؤهم التكفيرية والتفجيرية، أو على الأقل لبعضهم حتى لا أعمم، فقد ركزوا على ربط الإنسان بالخالق بدل المخلوق، وهذا إيجابي، رغم ما عند بعضهم من أخطاء تكفيرية وتفجيرية كما تقدم، ولكن لهم عموما إيجابياتهم وعليهم سلبياتهم كأي جماعة. أما الإخوان فيحاولون المزج بين ذلك فيجمعون التربوي والدعوي، والسياسي، والاجتماعي، والعلمي، والعقدي، لأن الإسلام كل لا يتجزأ، والدين شامل "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له...."، وبالتالي الإسلام كل لا يتجزأ. وهذا كله يخدم الإسلام، إلا أن بعض الناس يخدم الإسلام من جانب دون جانب، وهذه الجماعات، تخدم الإسلام في مجموعها.. إذا استطاعت أن تتخلى عن سلبياتها...
يتواصل........... |