ولد حيلاجي: شمولية الدعوة الإسلامية وعالميتها غيبت القطرية في أدب الصحوة
الأحد, 03 نوفمبر 2013 23:14

altalt

يسر "السراج الدعوي" أن يقدم لقرائه الكرام هذه المقابلة، مع شخصية متعددة الأدوار، مختلفة المهام.. شخصية عصامية، شخصية من يعرفه الناس حين الدرس بالتمكن منه، والثقة في النفس، وضبط الفصول الدراسية، ويعرفونه حين الكتابة ذا فكرة واضحة، وعبارة دقيقة وإفصاح عما يعتقد، كما تعرفه أعواد المنابر يهزها بخطبه المعدة، وكلماته الفاصلة الواضحة المبينة الصادعة بالحق، كما تعرفه ميادين الدعوة، وساحات العمل الإسلامي.

 

إنه الإمام والأستاذ الداعية الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي.. نسير معه خلال هذه المقابلة في ظلال الأدب ونسائم الدعوة.

السراج: هل شعر الصحوة الإسلامية امتداد تاريخي للدعوات الإصلاحية في موريتانيا، أم هو استيراد مع الصحوة المستوردة ومع كل الأشياء المستوردة لدينا؟ ولد حيلاجي: هو امتداد من جهة للدعوات الإصلاحية في القرن الثالث عشر، دعوة ولد الشيخ سيديا:

حماة الدين إن الدين صارا

أسيرا للصوص وللنصارى

 فإن بادرتموه تداركـــــوه

وإلا يسبق السيف البدارا

والشيخ محمد المامي، ومحمد ولد الطلبة...

وقد قدمت في رسالتي عن الأدب الإسلامي الشاب في موريتانيا في حقبة السبعينات  فصلا عن الشعر الإسلامي قبل عام 1973، وعندي محاضرة أيضا عن هذا الموضوع كنت قدمتها في منبر الذكر عام 2000 على ما أذكر، وقد ركزت هذه المحاضرة على الدعوات الإصلاحية في الشعر الموريتاني القديم.

كما أنني أعددت كتابا عن هذا الموضوع وهو عندي هنا.

وهذا الكتاب فيه أيضا فصل كبير عن الحركة الإصلاحية في البلاد السائبة يتعلق بالموضوع.

وبالتالي فالأدب الإسلامي من جهة امتداد لهذه الدعوات الإصلاحية في القرن الثالث عشر، ولكن من جهة أخرى فيه تطوير وتجديد بفضل اتصالنا بالمشرق وبفضل تعرفنا على الكتاب الإسلامي المعاصر وعلى الشريط الإسلامي المعاصر والمجلة الإسلامية المعاصرة، واتساع آفاق المثقف في هذا العصر فكان يتميز عن القرن الثالث عشر، لأن شعراء القرن الثالث عشر لم يطلعوا على ما يحدث في العالم من حولهم، هم عاصروا شوقي لكن "شوقي" اطلع على الحضارة الغربية، بل إن المدرسة الكلاسيكية بشكل عام اطلعت على ما يجري في العالم من حولها، بينما الموريتانيون نهضوا بالشعر في هذا الصقع الصحراوي معزولين عن العالم من حولهم.

إذا نهضة القرن الثالث عشر في الحقيقة تختلف عن النهضة التي قام بها البارودي وحافظ إبراهيم لأن تلك لها امتدادات في العالم، اطلعوا من خلالها على النهضة الأوربية وعلى المناهج الغربية الأدبية، بينما اقتصر دور قومنا نحن فلم يطلعوا على شيء خارج بلادهم، ومع ذلك تجد عندهم الشعر الجيد.

وقد شعروا -كما يقول أستاذنا جمال  لد الحسن رحمه الله- بأزمة الإبداع الشعري في عصرهم عند ما قال سيدن ابن الشيخ سيديا رحمهم الله أجمعين:

يامعشر البلغاء هل من لوذعي

يُهدَى حِجاه لمطلعٍ لم يُبْدعِ

 

إني هممت بأن أقول قصيدة

بكرا فأعياني وجود المطلعِ

 

لكم اليد الطولى علي إن انتم

ألفيتموه ببقعة أو موضع

 

فاستعملوا النظر السديد ومن يجد

لي ما أحاول منكم فليصدع

 

وحذار من خلع العذار على الدياـ

رِ ووقفة الزوار بين الأربع

 

وإفاضة العبرات في عرصاتها

وتردد الزفرات بين الأضلع

 

وتذكر السمار بالأخبار من

أعصار دولة قيصر أوتبع

 

والقينة الشنبا تجاذب مزهرا

والقهوة الصهبا بكأس مترَع

 

وتداعيَ الأبطال في رهج القتاـ

ل إلى النزال بكل لَدن مشرع

 

فجميع هذا قد تداوله الورى

حتى غدا مافيه موضع إصبعِ

 

والشعر ليس كما يقول المدع

صعب المقادة مستدقُّ المهيعِ

 

كم عزَّ من قُحٍّ بليغ قبلنا

أو من أديب حافظ كالأصمعي

 

هل غادرت "هل غادر الشعراء" في

بحر القصيد لطامع من مطمع

 

والحول يمكثُه زهير جحّة

أن القوافي لسن طوع الإمَّعي

 

إن القريض مزِلَّة من رامها

فهو المكلَّف جمعَ مالم يجمع

 

إن يتبع القدما أعاد حديثهم

بعد الفشو وضل إن لم يتبع

 

الى آخر القصيدة ..

 

فقد شعروا بما سماه جمال أزمة إبداع في القرن الثالث عشر.

السراج: هل من قراءة النقدية لمضامين شعر الدعوي؟

ولد حيلاجي: هذا الشعر الذي قمت بجمعه قد يجد فيه المتتبع بعضا من الملاحظات، فهذه المدونة كانت عبارة عن مجموعة من النصوص الشعرية معظمها ظهر في السبعينات من القرن المنصرم وتعبر عن اهتمامات ومشاغل الشباب الإسلامي في البلد آنذاك.

عالجت قضايا كثيرة كالقهر الحضاري والتخلف والتحدي الخارجي والمشكل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وكذلك هموم الأمة الكبرى كظاهرة التجزئة والوهن أمام الغرب.

وقد أردت أن تكون مساهمة في إثراء الساحة الأدبية ولبنة صغرى في طريق الإصلاح وحل مشكلات البلد.

وإذا كان لنا من ملاحظات على تلك النصوص فيمكن أن أكرر ما قلته في مقال سابق عنها من ملاحظات، أذكر منها:

أولا: أن هذا الشعر معظمه ملتزم بقضايا الأمة الإسلامية ومن المعروف لديكم أن شعر الالتزام ازدهر إبان الحرب الباردة.

ثانيا: غياب القطرية والإقليمية في هذا اللون من الشعر ويمكن تفسير ذلك بشمولية الدعوة الإسلامية وعالميتها واعتصامها بحبل الوحدة والتضامن ورفضها للفرقة والتنافر والتجزئة والتدابر.

ثالثا: طغيان النزعة الخطابية التي تصل أحيانا إلى درجة التقريرية في بعض القصائد ويمكن تبرير ذلك بأن هؤلاء الشعراء أصحاب رسالة يريدون إيصالها إلى الجمهور بأقرب طريق.

رابعا: إذا كان الشعر الأصيل هو تغيير لنظام اللغة وعدول عن مألوف القول، أو بتعبير آخر هو صياغة فنية تتجاوز مستوى الخطاب العادي فإن الدراسات النقدية الحديثة لم تعد تفصل بين الشكل والمضمون ولا بين اللفظ والمعنى فالدال والمدلول وجهان لعملة واحدة كما هو مقرر في الإنشائية الأدبية الحديثة.

الملاحظة الخامسة: لم نتطرق لشعر الجيل الحالي من الشباب لعدم اطلاعنا عليه وغيابنا عن الساحة الأدبية ورجاؤنا أن نجد من يكمل الحلقة التي بدأها زميلنا المختار ولد أحمد في بحثه عن شعر الإصلاح في القرن الثالث عشر وواصلناها في بحثنا حول الشعر السياسي في السبعينيات، لنجد من يجمع الشعر الإسلامي في الثمانينات والتسعينات والألفين لتكتمل الحلقة وربما يكون الأمر قد تم دون أن نطلع عليه، إذ هناك من قاموا بدراسات حول الشعر الإسلامي، منهم ولد محمدي على ما أعتقد ...

وعموما فهذا الشعر سواء في قسمه الأول القرن الثالث عشر أوفي قسمه الثاني القرن الرابع عشر يبقي وثيقة تاريخية تعبر عن رؤية النخبة المثقفة في ذلك الوقت، ومن هنا تبدوا أهميته في نظرنا.

ونظرا لأن أغلب أصحابه علماء بالأصل شعراء بالتبع فقد كانت الوظيفة الإخبارية فيه أبرز من الوظيفة الإنشائية على العموم.

يبقي أن هناك نصوصا في الحقيقة مؤثرة، من هذه النصوص أتذكر نصا للشيخ محمد الأمين ولد مزيد وقد تقدم ذكره وهو مشهور لكنه في رأيي مؤثر جدا؛

 

وهو من قصيدة: ظلموني

ظلـــمــــونــــــــــي ظلموني حقاً لقد ظلموني

حرموني الحياة في ظل ديني

حكموني بغير ديني فنفسي

في اضطراب وأمتي في شجون

أبعدوني عن هدْيه فخطاي الـ

ـيوم عُرج مصابة بالجنون

أبعدوني عن نوره فظلام الـ

ـليل حولي موشح بالسُّكون

أبعدوني عن الهدى فأضاعو

ني وقد كنت في حماه الحصين

عشتُ في ظله عزيزاً رفيع الـ

ـرأس لا أنحني لعسْف القرون

إلى آخره.....

السراج: وماذا عن واقع الشعر الدعوي حاليا؟

ولد حيلاجي: في الحقيقة لست مطلعا عليه بما يكفي لكنني ألاحظ تراجعا كبيرا في مسار العربية كلغة، فمتذوقو اللغة العربية يقلون يوما بعد يوم، فلم يعد من يلقى عليه الشعر يهتز له ولا يطرب كما كان من قبل، بل للأسف لم يعد بعض الطلاب إن لم أقل جماهير غفيرة منهم يميزون بين الجار والمجرور...

هناك عزوف عام عن اللغة العربية ونظرة غير إيجابية لها.. كما أن كلنا يلاحظ عزوفا خاصا عن الجوانب الأدبية وعن حب اللغة وتذوقها...

 

يتواصل...........

ولد حيلاجي: شمولية الدعوة الإسلامية وعالميتها غيبت القطرية في أدب الصحوة

السراج TV