ولد حيلاجي: مهمة الداعية العلم والامتثال والحكمة والأخلاق
الثلاثاء, 26 نوفمبر 2013 20:50

altaltيسر "السراج الدعوي" أن يقدم لقرائه الكرام هذه المقابلة، مع شخصية متعددة الأدوار، مختلفة المهام.. شخصية عصامية، شخصية من يعرفه الناس حين الدرس بالتمكن منه، والثقة في النفس، وضبط الفصول الدراسية، ويعرفونه حين الكتابة ذا فكرة واضحة، وعبارة دقيقة وإفصاح عما يعتقد، كما تعرفه أعواد المنابر يهزها بخطبه المعدة، وكلماته الفاصلة الواضحة المبينة الصادعة بالحق، كما تعرفه ميادين الدعوة، وساحات العمل الإسلامي.

إنه الإمام والأستاذ الداعية الشيخ سيدي محمد ولد حيلاجي.. يكشف في الحلقة الأخيرة من مقابلته الخاصة مع موقع السراج الدعوي، رؤيته لرسالة الأستاذ والشاعر والداعية، وأهم مواقف الحياة المؤثرة التي مر بها...

السراج: وماذا عن المهمة التربوية للأستاذ؟

ولد حيلاجي: باختصار يمكن تلخيص مهمة الأستاذ في نقاط هي:

التقديم والتشويق والسيطرة على القسم.

والتقديم يعني العرض الجيد لدرسه ومادته، وذلك يتطلب تحضيرا سابقا، وإحاطة بكليات الموضوع، وضبطا لجزئياته حتى لا تتشتت قبل أن تستوعب الكليات.. فحين يكون الأستاذ ملما بالموضوع محضرا له قد استوعبه من قبل، اكتشف الطريق الأسلم لتبسيطه حتى يتلقاه الذهن دون كبير جهد، يكون قد أحسن التقديم، وأجاد العرض...

والتشويق يعني أن يستغل الوقت المخصص للعرض في جعل المتلقي يشعر بحيوية الموضوع، وتسلسل الأفكار فيه، ويبقى دائما مترقبا لما يأتي.. وهذا لا يتم إلا بحيوية الأستاذ، ومعرفته بمن يخاطبه، ونباهته لردات أفعالهم، وقياسه السليم لمدى التجاوب مع المادة التي يقدم.. وأرى أن التبسيط أمر أساسي في التشويق فحين يتحول الموضوع إلى أسئلة قليلة، أو يجعل في صيغة قابلة لتحويلها إلى أسئلة، يكون الأستاذ بذلك ساعد المتلقين على الاشتياق لما يأتي به.

والمقصود بالسيطرة على القسم، أن يصل التشويق إلى درجة تجتذب العقول، وتلفت الانتباه، فلا يبقى في القسم شارد لا يهتم بما يقال، وفي حال وجود من لا يهتم يضبطه ويسيطر على تصرفه حتى لا تنتقل العدوى منه إلى غيره من الجادين المهتمتين...

وحين يكون الأستاذ مقتدرا في مادته، مجيدا لعرضه متقنا لتشويقه ستتم له السيطرة على القسم، حتى يبقى المتلقون كأن على رؤوسهم الطير، مستعدون لكل ما يأتي، يتلقونه بشغف وشوق...

السراج: وماذا عن رسالة الداعية؟:

تقدمت بعض الإشارات إليها، وعلى كل حال فشروط الداعية أربعة؛

أولها: أن يكون عالما بما يدعو إليه، فلا يمكن أن يدعو الإنسان إلى ما لا يعرف، وإلا أحرج نفسه، وأحرج الآخرين، وجاء على يديه من الضرر أكثر مما قد يجيء عليهما من النفع...

وثانيها: أن يكون ممتثلا لما يأمر به، فالذي يدعو إلى ما لا يفعله كالمنافق، وقد عاب الله ذلك  في كتابه كثيرا، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، وقال عن بني إسرائيل، ناعيا عليهم سوء فعلهم: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون"، والذي لا يعمل بما يدعو إليه، من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة والعياذ بالله.

وثالثها: أن يدعو بحكمة وموعظة حسنة، وجدال بالتي هي أحسن، فصحة ما يدعو إليه وصدقه وجماله وصوابيته، وما فيه من خير، كل ذلك لا يبرر أن يكون أسلوب الدعوة خشنا، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو على خلق عظيم، أمره الله تعالى أن يدعو إلى ربه بذلك الأسلوب في قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقال لبنييه موسى وهارون عليهما السلام حين وجههما إلى فرعون: "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى".

ورابعها: أن يعتمد على الدعوة بأخلاقه قبل أقواله، والدعوة الفعلية مؤثرة في الناس إلى أقصى حد، ولا أدل على ذلك مما أرشدت إليه أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم حين استشارها في أصحابه أمرهم فلم يأتمروا!!، فأمرته أن يفعل ما أمرهم به من حلق ونحر أولا، فلما فعل ابتدروا إلى تطبيق ما كان صلى الله عليه وسلم قاله وأمر به...

وذلك لأن التطبيق خير من ألف تنظير...

السراج: وما ذا عن رسالة الشاعر؟:

ولد حيلاجي: أنا لست بشاعر، قد كنت أكتب الشعر في بدايات حياتي، ولكني تبت إلى الله منه، لأن ما كنت أكتبه منه لم يعجبني، ولم يصل إلى المستوى الذي أتذوق وأستحسن، فخلفته وراء ظهري من عقود...

والشعر ينبغي أن يحمل رسالة قائله، وأن يوصل للناس ما يدعو إليه به فيما لا يخرج الشعر عن إطاره المحرق للقلوب قبل العقول، وللأحاسيس والمشاعر، لما يحتويه من بلاغة القول وجمال التعبير، وقد يكون في بعض الشعر التوجيهي مسحة من ذلك لكن تأثيره حينها بالاعتبار الثاني، وهو التوجيه، وليس بالاعتبار الأول وهو الشاعرية...

السراج: هل من حديث عن مواقف حياتية لا تنسى؟

ولد حيلاجي: كنت في بدايات حياتي قد مارست بعضا من التجارة قبل أن أدرس النحو، وذات مرة كنت في السنغال مع قريب لي فسألني عن إعراب كلمة في بيت شعري للشيخ محمدو بن حنبل رحمه الله، وهي قوله:

وبه قد سر ما بين الثرى

والعرش ملكَ الواحد القهار.

فسألني عن إعراب كلمة: "ملك"، فلم أعرفه، فتألمت لذلك وحزنت، وقررت ترك التجارة والرجوع إلى المحظرة، فكان ذلك سببا في دراستي للنحو وتوقفي عن العمل في التجارة.

أيضا كنت أحضر للباكالوريا عام 1977، ولكني كنت حينها أعكف على إحياء علوم الدين، أدرسه، وأتمأمله، فكأن طيفا من الزهد طافني من دراستي له، فزهدت فتراجعت عن الباكالوريا لمدة سنتين.. من 1977-1978.

ومن المواقف التي لا تنسى أيضا أني حصلت على صفر (0) في الإنجليزية، وصفر (0) في الفرنسية، وأما الكيمياء فقد حصلت فيها على سبع نقاط لا أكثر، والكشف موجود يمكن الرجوع إليه لمن شاء.

وقد حصلت على صفر في الرياضيات أيضا على ما أذكر...

من المواقف الطريفة أنني تأثرت بطه حسين وأنا طفل في البادية، فكتبت مذكرات، وكتبت مقالات سميتها: حديث الخميس....

وقد كتبت أيضا بعد ذلك مقالا أسخر فيه من نفسي تحت عنوان: "ذو لحية طويلة على مقاعد الليسا"، وذلك حين كنت في الثانوية الوطنية...

وقد نشرت روايتين قصصيتين قصيرتين في جريدة الشعب في السبعينات، وذلك بتشجيع من زميلي محمد الحافظ ولد أحمدو..

السراج: شكرا على ما أعطيتمونا من معلومات.

ولد حيلاجي: شكرا لكم على الاهتمام.

ولد حيلاجي: مهمة الداعية العلم والامتثال والحكمة والأخلاق

السراج TV