بنت أحمد سالم: أخلاق الإخوان وثقة الأهل فيهم منعتني صحبة غيرهم |
الجمعة, 20 ديسمبر 2013 01:04 |
يدخل السراج الدعوي اليوم بقرائه الكرام إلى صفحة جديدة من صفحاة التاريخ الدعوي، وإلى علم من أعلام الدعوة الإسلامية الوسطية في موريتانيا، ورمز من رموزها جهادا وصبرا وتضحية ودعوة بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن.... إنه علم على نار واسم على مسمى إنها "أم المؤمنين" بالدعوة الإسلامية الوسطية في موريتانيا التي شاء القدر أن يكون اسمها "أم المؤمنين" على حد قول ابن أحمد دام: "رآه ذو العرش علام الغيوب لذا أهلا فساق إليه قبله سببه" إنها "أم المؤمنين بنت أحمد سالم"، ولو كان في الدعوة تمييز بين الرجال والنساء في غير ما ميز الله بينهن فيه لاستنشدنا مع أبي الشعراء وأمير البيان أبي الطيب المتنبي قوله: "ولو أن النساء كمن [وصفنا] لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال" ولكن الدعوة لا تشغلها تلك الجدليات، ولا تستوقفها تلك الفوارق، وحسبها ما في الشرع وما تمليه الوظيفة التكليفية.. ومع أم المؤمنين الصابرة الصادقة المحتسبة التي يلفها التواضع وتظهرها الثقة في الله ونصره وتمكينه، نرجع البصر إلى حيث تاريخ النشأة، ومسار الحياة، ونتفيأ ظلال بدايات الدعوة النسائية، وما دمنا مع أم المؤمنين فنحن نطرق باب نادي عائشة، ونمر بذات النطاقين، ولا نلام إذا كنت لنا مع الأدب النسائي وقفة أيضا في هذه المقابلة. السراج: ماذا تذكرين من هذه المدارس؟ أم المؤمنين: أذكر منها مدرسة كانت تفتحها وقتها حركة تطوع البعثيين، وكانوا ينظمون بعض الأقسام الدراسية، وكذلك الناصريون كانوا يفعلون مثل ذلك. وكانت هذه المدارس تدرس في أقسام محددة في المدرسة رقم 4 في السبخة، وقد درست في هذه المدرسة وغيرها، وكنت أحاول كلما فتح باب للخروج أن أنتهزه. ورغم ذلك فأحيانا ينفتح لي باب للدراسة لكن لا أستطيع، فمثلا فتح لي الباب في كل من الثانوية العربية، وإعدادية البنات، فقد انفتح لي الباب في كل منهما أن أدخل نظامية، ولكن والدتي رفضت حينها. فلم يبق لي إلا هذه السرقات إن صح التعبير. وقد شاركت من خلالها في الترشح لشهادة الإعدادية، ونجحت فيها بحمد الله. وأظن أنني حصلت على الترتيب الخامس من المترشحين وقتها لهذه الشهادة، وكان ذلك سنة 19831984. السراج: من تذكرين من الأساتذة الذين كانوا يدرسونكن حينها؟ أم المؤمنين: أذكر المختار ولد محم، وهو الآن في قطر، يعمل في الجزيرة، وهذا الرجل أدين له بكل الخصال الطيبة التي في إن كانت، فهذا الرجل سهر علي بالنصح والتوجيه والتدريس، حتى إنه كان يعد ملفاتي وأوراقي الشخصية، ويذهب بها، أسأل الله أن لا يخيب ظنه، حيث ظن بي الخير. وقد كان يقدم مثل هذه الخدمات لي أنا ولأخوات لي كثيرات. وكذلك هناك إخوة كثيرون ساعدونا منهم عبد الله ولد حمدي، وعبد الرحمن آل حدن، وكثيرون من الشباب غيرهم. وقد كان بعض الشباب الآخرين درسوني من غير الإخوة كالأستاذ الدد محمد الأمين السالك وعبد الله ولد محمدو من شباب البعثيين، فهؤلاء أخذت عنهم ودرست عليهم. وقد درسني أيضا الأستاذ محمد الحافظ ولد اكاه، ولا زلت أذكر أول أبيات درسنيها حيث كتبها على السبورة، وقرأها بصوته، وبقراءة شعرية جميلة، فتدريسه لي اللغة العربية أثر في كثيرا. السراج: هل تذكرين الأبيات؟ أم المؤمنين: نعم، لكن لا أعتقد أنني أحفظها بشكل جيد، وأولها: إذا رنَّقتْ شمسُ الأصيل ونفَّضتْ على الأفق الغربي ورساً مُذعذعا وودَّعت الدنيا لتقضي نحْبها وشوَّل باقي عمرها فتشعشعا ولاحظتِ النُّوارَ وهي مريضةٌ وقد وضعتْ خدّاً إلى الأرض أضرعا كما لاحظتْ عُوَّاده عينُ مُدنفٍ توجَّع من أوصابه ما توجَّعا وظلّتْ عيونُ النَّور تَخْضلُّ بالندى كما اغرورقتْ عينُ الشَّجيِّ لتَدْمَعا إلى آخره....... وأذكر أني حفظت هذه الأبيات وهي على السبورة من جمال كتابتها وإلقائها والحمد لله. وأعتذر ممن لم أتذكر أسماءهم من أساتذتي فأنا للأسف ذاكرتي ضعيفة، وأسأل الله أن يجزي عني خيرا كل من ساهم في تكويني من قريب أو بعيد. السراج: ما الذي منعك من التأثر بالبعثيين والناصريين وقد درسوك؟ أم المؤمنين: الله أعلم، لعله جذور التربية. السراج: هل حاولوا إقناعك بالفكر البعثي؟ أم المؤمنين: نعم حاولوا ذلك، فقد كان الأستاذ الدد محمد الأمين السالك حفظه الله وسدد خطاه، ووفقنا وإياه، حريصا جدا على أن أكون بعثية، لكن الله لم يشأ ذلك. وهنا عندي قصة طريفة في هذا المجال، وهي أنه يئس مني إثر اصطحابي من البيت، -وببراءة- كتابا عن الدعوة والداعية لفتحي يكن، اصطحبته للمدرسة، فرآه على الطاولة، فنظر إليه، فسألني أهو لك؟ قلت نعم، إنه لي، فأعتقد أنه تصور أني كنت قيادية في الإخوان، ولم يكن الأمر كذلك، وإنما هي كتب كانت عند أخي أحمد، وكنت أصطحبها معي، وأقرأها طبعا بحمد الله. وأعتقد والحمد لله أني بحفظ الله لم أنجرف في أي تيار آخر، بالإضافة بعد حفظ الله إلى عامل الأهل، لأن الشباب من غير التيار الإسلامي يصعب على من تربطه بهم علاقة، أن لا يراهم الأهل معه، ولا بد أن يزوروه، وفي ذلك ما فيه من الريبة، إضافة إلى أنه كان ذلك خطا أحمر بالنسبة للأهل، بعكس شباب التيار الإسلامي الذي كان الأهل يثقون في أفراده بسحنتهم، ولحاهم... وأيضا الحمد لله، كانت العلاقة بهم تبقى واضحة وضوح الشمس. السراج: هل حاول الناصريون كسبك؟ أم المؤمنين: الناصريون لم أحتك بهم كثيرا، فقد كان احتكاكي الأكبر بالبعثيين، خاصة الأستاذ الدد محمد الأمين السالك، والأستاذ عبد الله ولد محمدو، فقد كان بيني وبينهم احتكاك، وكان هناك مستوى من الدعوة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. السراج: في المسار الدراسي، ماذا بعد تكوين المعلمين؟ أم المؤمنين: بعده شاركت في الباكالوريا فنجحت، ثم دخلت المعهد العالي وتخرجت منه، وما زلت أحاول الإكمال إن بقيت في العمر بقية. السراج: من أي شعبة في المعهد؟ أم المؤمنين: شعبة الفقه وأصوله. السراج: والمسار الوظيفي؟ كنت أدرس إلى فترة قريبة حيث تحولت مراقبة. السراج: في الداخل أم في نواكشوط؟ أم المؤمنين: في نواكشوط، سوى ست سنوات قضيتها معلمة في نواذيبو. السراج: ما هي أبرز المشاكل التي كانت تواجه المرأة في تلك الفترة؟ أم المؤمنين: أبرز مشكلة كنت أعانيها هي تعنت الأهل ومنعهم إياي من الدراسة في وقت أرى فيه الناس يدرسون الفرنسية والعلوم الأخرى، فلم أكن مرتاحة لذلك، لكني بعد الرشد حمدت الله على ذلك المنع، حيث أدركت أنه كان فيه خير كثير، وتلك السن، سن المراهقة وسن البداية، يُغلب المرء فيها على نفسه، فإذا لم يجد معينا وظهيرا من الأهل ومن المحبين له، يمكن أن ينجرف سلبا إلى ما لا ينبغي أن ينجرف إليه، وأعتقد أن هذا يمكن أن يكون أثر سلبا على غيري، لأنه لا يمكن أن التحصيل في ظروف كهذه مع الحفاظ على الالتزام والأخلاق، فالمرأة في مثل هذه الظروف، لا يمكن أن تحصل علما إلا إذا كان لها مستوى كثير من الإرادة، فالداعي إلى الكسل أغلب، فاللاتي لا يدفعهن طموح شخصي إلى التحصيل أو طلب العلم والبحث، يسقطن ضحية للجهل وللتأثر بالعادات، وبالواقع التقليدي الطبيعي، فترضى الواحدة منهن أن تكون أما ومربية وزوجة، وفقط، فلا تبحث عما فوق ذلك. فهذه تحديات كانت تحول دون حصول النساء على طموحاتهن اللاتي يطمحن إليها، من تعليم مناسب، ووظيفة مناسبة، لكن فيه أيضا جانب من الخيرية لا يمكن غمطه ولا نسيانه، فهن غالبا لا يتعرضن لكثير من المطبات، رغم أن البعض قد لا يقع له ذلك، فلا يحقق ما يطمح إليه، ولا يلبي لأهله ما يطمحون إليه فيه. وهذه الفترة بالذات كانت مدينة نواكشوط فيها تموج بفساد كبير، وكانت فيها بدايات لعري شديد، وكان الالتزام فيها بالقيم الإسلامية صعبا جدا، فكان من الصعب على من لم يجد ظهيرا قويا أن يحافظ على سمته الإسلامي وعلى محافظته التي تربى عليها في بيت أهله.
يتواصل............. |