بنت أحمد سالم: "الأخوات" كن يبذلن فوق الطاقة بحب وتفان وإخلاص |
الخميس, 02 يناير 2014 01:49 |
يدخل السراج الدعوي اليوم بقرائه الكرام إلى صفحة جديدة من صفحاة التاريخ الدعوي، وإلى علم من أعلام الدعوة الإسلامية الوسطية في موريتانيا، ورمز من رموزها جهادا وصبرا وتضحية ودعوة بالحكمة والموعظة والجدال بالتي هي أحسن.... إنه علم على نار واسم على مسمى إنها "أم المؤمنين" بالدعوة الإسلامية الوسطية في موريتانيا التي شاء القدر أن يكون اسمها "أم المؤمنين" على حد قول ابن أحمد دام: "رآه ذو العرش علام الغيوب لذا أهلا فساق إليه قبله سببه" إنها "أم المؤمنين بنت أحمد سالم"، ولو كان في الدعوة تمييز بين الرجال والنساء في غير ما ميز الله بينهن فيه لاستنشدنا مع أبي الشعراء وأمير البيان أبي الطيب المتنبي قوله: "ولو أن النساء كمن [وصفنا] لفضلت النساء على الرجال فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال" ولكن الدعوة لا تشغلها تلك الجدليات، ولا تستوقفها تلك الفوارق، وحسبها ما في الشرع وما تمليه الوظيفة التكليفية.. ومع أم المؤمنين الصابرة الصادقة المحتسبة التي يلفها التواضع وتظهرها الثقة في الله ونصره وتمكينه، نرجع البصر إلى حيث تاريخ النشأة، ومسار الحياة، ونتفيأ ظلال بدايات الدعوة النسائية، وما دمنا مع أم المؤمنين فنحن نطرق باب نادي عائشة، ونمر بذات النطاقين، ولا نلام إذا كنت لنا مع الأدب النسائي وقفة أيضا في هذه المقابلة. السراج: أنت تربيت تربية محافظة، فما الذي قدمته لك الحركة الإسلامية حتى جعلتك تنتقلين إلى نمط تدين مختلف عن الذي تربيت عليه؟ أم المؤمنين: أنا فعلا تربيت بحمد الله تربية محافظة جعلتني أتشبث بالإسلام، وبالتدين، لذلك لا غرابة أن أجد في هذا الاتجاه ما أبحث عنه، وما يلبي حاجاتي الذاتية من علم وعمل وتربية على الخير، وسعي فيه ولأجله. وفي ذلك الوقت لم يثر كثير من الإشكالات التي أثيرت فيما بعد، فلا الحركة الإسلامية نفسها، ولا المجتمع أثار كثيرا من الإشكالات التي أثيرت فيما بعد، وقد وكنت، وكان أهلي أيضا يقنعون بمجرد السعي للتدين، بأي نمط كان، وبأي شكل من الأشكال جاء، فمن يصلي في الوقت، ومن يلتزم بالشرع فهو شخص مقبول... وفي هذا السياق أذكر قصة وقعت لأخي أحمد مع الشيوعيين تدلك على عمق التدين في المجتمع، وعلى اقتناعهم بمن يسعى له، ورفضهم لما يخالفه مهما كان، والقصة تتلخص في أنهم دعوا الأخ أحمد دعوتين، وفي الثالثة، وكنوع من محاولة إزاحة الشبه كان يجلس معهم ذات مرة، وربما كنوع من الطمأنة له ولأمثاله، قال أحد المتحدثين في أحد اللقاءات: نحن يقال إننا ضد التدين، والأمر ليس كذلك، إننا لسنا ضد التدين، ولا ضد الدين، فثارت الكلمة انتباه الأخ أحمد، واعتذر عن الاستمرار معهم، فقال: اسمحوا لي، لا أستطيع المواصلة معكم، أنا كنت أظنكم تعملون للدين، وما دمتم تكتفون بكونكم لستم ضده، فلي طريقي ولكم طريقكم. فكان مجرد موقفهم هذا كفيلا بقطع العلاقة بينه وبينهم. وعندي أيضا أخت، متشبثة بالتدين التقليدي، ولكن ما لا تعرفه من التدين إذا تعارض مع بعض الأعمال التي ليست من عمل المتدينين، اختارت ما زكاه المتدينون ولو لم تكن تعرفه، وحسبته شرا أخف على الأقل. كانت البدايات صعبة حقيقة، نظرا لعدم سماح الأهل لي بالخروج من البيت، ولولا الأخت المجلسية هذه لما كان ما كان، فقد كان إذن الأهل بخروجي لبيت أهلها باعتباره بيت علم وورع وصلاح، فرصة لحدوث كثير مما لا يعلمون به، من تلق للدروس، وحضور لمجالس العلم والتربية والخير. السراج: ما هي أبرز المحفزات والمعوقات للمرأة في المسار الدعوي حينها؟ أم المؤمنين: الحفزات هي ذاتها المحفزات التي تظل موجودة بالنسبة لأي مسلم أو مسلمة، وهي إرادة الله والدار الآخرة، هي إحساس الإنسان بأن الله إنما خلقه ليعبده، وأنه كادح إلى الله كدحا، "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"، وأنه عند نهاية هذا الكدح سيسعد أو يشقى، فإحساس الإنسان بهذا وسعيه للأجر الأخروي، وسعادته بخدمة الدين، وإحساسه بالكينونة مع الصادقين، هو أكبر محفز للعمل للدين، والسعي للتمكين للإسلام في الأرض، بدءا بتزكية النفس وانتهاء بإقامة الدين. فهذا أكبر محفز للداعية يجعله يبذل ما لا يستطيع، في سبيل هذه الدعوة، خصوصا في تلك الفترة، وبشكل أخص مع الأخوات، حيث أعرف عن بعضهن أنهن كن يبذلن ما لا يستطعن من أجل هذا الدين، ويبذلنه بحب وتفان وإخلاص واطمئنان وشقوق وشغف كبير لكافة أعمال الدعوة، للدرس، لوقت سماع القرآن، فقد كنا نتلقى تلك الدروس بشغف كبير وارتياح كبير، وتلهف كبير، حتى اطمأنت قلوبنا بهذه الدعوة، وشعرنا فيها بالسعادة، نسأل الله أن يختم بالسعادة، وأن يحيينا عليها وأن يميتنا عليها. السراج: وماذا عن العقبات؟ أم المؤمنين: كانت العقبات كثيرة طبعا، نظرا لنظرة المجتمع للمرأة الملتزمة، بل للمرأة المتعلة، ولو لم تكن ملتزمة، ونظرته أيضا للمرأة التي تتكلم عن الدين، فما للمرأة وللدين؟ وكيف يسمع كلام المرأة في الدين؟، وكان التأثير على نظرة المجتمع هذه النظرة صعبا جدا، نظرا لصعوبة الوضع بالنسبة للمرأة الملتزمة. فوسائل النقل مختلطة، ووسائل التعليم مختلطة، والزي الإسلامي غير موجود إطلاقا، والحديث عن الإسلام، الحديث عن الدين بالنسبة للمرأة حديث لغو، لأن هذا عمل العلماء، وعمل الناس المحترمة، وليس عمل النساء إطلاقا. فكل هذه كانت عقبات كبيرة. أذكر مرة أننا طردنا من المسجد، وقد جئنا بتخف كبير، محاولات أن نصلي الجماعة في مكان قريب من المسجد، فقام أحدهم وأخذ عصى غليظة، وطردنا من المسجد، واستنكر اقتراب النساء من المسجد، وقال إن ذلك حرام، ولا يجوز. بل إن الأساتذة الذين كانوا يدرسوننا ويعلموننا الدين والخير، كانوا يتلقون ضغطا كبيرا من المجتمع، واستهجانا لأفعالهم، بل حتى من المتدينين الذين يقولون: إذا كنت أستاذا ملتزما فكيف تدرس النساء وتجلس مع النساء، وتتحدث أمام النساء وإلى النساء، ويتحدثن إليك ويسألنك....؟. فقد كان الوقت ضاغطا جدا، وصعبا جدا، وكان إخواننا الذين يدرسوننا ويقتنعون بذلك، يلاقون ضغوطا كبيرا جراء ذلك. ورحم الله العالم الكبير الناجي ولد محمود فقد أبلى في هذا الميدان بلاء حسنا، في وقت صعب، في عمله وشعره وأنظامه، ونفض الغبار عن تلك الضجة المصطنعة حول تعليم المرأة، وقد فتح هو نفسه مدرسة لتعليم المرأة في كرو، ليدلل على ما يقول، رغم ما تعرض له من نقد من الفقهاء، عبر عنه فيما يساجلهم به من شعر وأدب. ومن ذلك قوله: يا أيها العظماء من فقهائنا لا تصبحوا إحدى مصائبنا العظام أنتم مصادر نورنا لا تصبحوا -لا قدر المولى- مصادر للظلام قوموا بواجب دعوة لا تصبحوا أحياء موتى لا حياة ولا كلام قوموا به في الدور في الساحا ت في الواحات أو حيث الخيام قوموا به أو قدموا من غيركم في حال عجز قادرين على القيام إنا نسبح للإمام -وحكمنا التـ ـتسبيح، سهوا- أما حيث نام قمنا نكمل.... و"قمنا نكمل" هنا واضحة.. فهو ينبه العلماء إلى خطورة الوضع، وضرورة القيام بالواجب، ومراعاة الظرف... ونصائحه للمرأة كثيرة، وقيامه بتثقيفها وتوعيتها واضح في جهوده، يقول: إلى أخواتي والبنات أقدم وصية نصح عن وداد تترجم تعلمن دين الله هل يستوي الذي تعلم دينا والذي ليس يعلم تعلمن بعد الدين أخلاق أهله فما الدين للأخلاق إلا متمم حتى إنه ينعى على المرأة تصورها للمرأة، وأنها تلك المرأة السمينة التي تعد للزواج، وقد كان تقدميا جدا في هذا المجال، حتى إنه يهنئ المرأة في عيدها. يقول: في عيدك الميمون أهديك السلام وأقول عاد بكل خير كل عام هبي فتاة تعلمي وتأدبي قومي اعلمي فالعلم منجاة الأنام إلى آخره... فقد كان من العلماء الذين بذلوا كثيرا في إحضار المرأة في الصوت العالم أو المتعلم وقتها، وقد كان لبعض العلماء دور في ذلك لكنه كان أقل وأبهت من دوره رحمة الله علينا وعليه وعليهم أجمعين.
يتواصل....................... |