الشخصية الفذة في موريتانيا المرحوم بداه بن البوصيري/ بقلم محمد يسلم ولد محفوظ
الأحد, 16 يونيو 2013 16:52

altهذا العلم يعتبر من أفذاذ علماء السلف الذين جمعوا بين العلم وسلامة المنهج ووضوح الفكرة مع القوة في الحق والربانية في التعليم لذلك استطاع أن يرسم المنهج وأن يقود مسيرة الإصلاح الذي كان عصيا في هذه البلاد بسبب التعصب المذهبي  والتخلف من جهة، والانفتاح على الحركات العالمية الهدامة، وتمكن المستعمر من توجيه سياسات الدولة الناشئة العاجزة من جهة أخرى؛ كل ذلك يجعل مسيرة الشيخ الإصلاحية وعرة وشاقة ومع ذلك وُفِّق وسُدِّد بتوفيق الله وتسديده؛ له لذلك عمل الشيخ على جبهات مختلفة:

 الجبهة الأولى: الجبهة الدينية

الجبهة الثانية: الجبهة الفكرية

الجبهة الثالثة: الجبهة السياسة

الجبهة الرابعة: الجبهة الدعوية.

بالإضافة إلى مدرسته التربوية.

 

 

أولا: المجال الديني:

أما الجبهة الأولى فهي جبهة عصية على الاختراق فقد قارع الشيخ الفقهاء المتعصبين من جهة والغلاة المتشددين من جهة أخرى؛ برسمه المنهج المعتدل في التعاطي مع الفقه وربطه بالدليل وبيان أن ذلك هو المذهب خلافا لما يزعم البعض وقد ألف في هذا المجال ما أقنع الخصوم، وتشكلت حوله مدرسة وسطية تأخذ بالأصل والفرع وتبتعد عن الغلو والتقصير من بينها أسنى المسالك في أن من عمل بالراجح ما خرج عن مذهب الإمام مالك نقل فيه أقوال المحققين من المذهب المالكي ممن نصروا الدليل واعتمدوا الأقوال الراجحة وقد كانت تآليفه مواكبة للنوازل المستجدة مثل صلاة الجمعة في القرى والصلاة في الطائرة...

وقد كانت حلقاته في التفسير وخطبه على المنابر عبر إذاعة موريتانيا مدرسة تخرج منها العديد من الطلاب.

 

 

ثانيا: المجال السياسي:alt

لقد كان الشيخ سياسيا محنكا لم يكن منعزلا عن المشهد السياسي  فقد واكب سياسة الدولة منذ نشوئها ولكنها سياسة العالم الرباني الذي يسدد السياسة بالتوجيه الشرعي بعيدا عن الجري وراء المنحرفين واللاهثين وراء الدنيا ولا المنعزلين التاركين الساحة للمفسدين بل اشتهرت قولته (دين بلا سياسة لا يستقيم وسياسة بلا دين عار الدنيا ونار الجحيم) وقد رسم الشيخ في هذا المجال خطا واضحا حيث اشترط على الرئيس المختار بن داداه عدم التعرض له فيما يقول على المنبر من مواقف قد تخالف الدولة وسياستها فكان شرطا يجدده مع الرؤساء المتعاقبين وقد كان لهذا الشرط مغزاه فهو ينبئ عن حنكة سياسية متميزة جعلت الحكام المتغيري المواقف في ورطة حيث لا يمكن عزل الإمام لمكانته مع أن مواقفه صعبة على سياسة الحكام المحكومين بالسياسات المنحرفة.

وقد حاول بعض المتنفذين في الدولة ثني الشيخ عن مواقفه الشجاعة  بقطع البث أحيانا واستدعائه للرآسة أحيانا أخرى لكنه كان حازما وقويا وصارما في مواقفه ونذكر في هذا المجال موقفه في حرب الصحراء حيث اعتبر أن الحرب مخالفة للشرع كما موقفه مع مجزرة حماه السورية حين كانت علاقة النظام الموريتاني مع النظام السوري قوية إلى غير ذلك من مواقفه...

 

 

ثالثا المجال الفكري:

 فقد حارب الأفكار الهدامة التي اجتاحت موريتانيا إبان الستينات والسبعينات قبل دخول طلائع الصحوة الميدان حيث بدأ صراع الأفكار يحتدم وبدأ الفكر ينتشر ويظهر على الدعوات الأخرى التي ما فتئت تصارع من أجل السيطرة على الساحة الفكرية لكن موقف الشيخ من على منبره المتميز ومدرسته المسجدية التي كانت شعاعا للفكر السليم حدثني أنه لما قرأ كتب الإخوان وجدها متحدة مع ما كان عنده وما  كان يدعو إليه قبل أن يعرف الإخوان.

 

 

رابعا: المجال الدعوي:

لقد تبنى الشيخ الدعوة الوسطية التي لا تجامل في الحق وتبتعد عن القهر والعنف فقد قاد مسيرة الدعوة المباركة واحتضن أبناءها ودافع عنهم دفاعا مستميتا وربى تلامذته عليها حتى تخرج على يديه جيل من قادة الحركة الإسلامية رغم مضايقة الحكام المتعاقبين ومن ورائهم الغرب الحاقد على دعوة الحق الباذل كل الجهد في صد الناس عن دينهم وبشتى الوسائل وقد قاد الشيخ مسيرة إلى القصر الرئاسي احتجاجا منشور تنصيري وجد قرب مسجده بلكصر وقد استقبله الرئيس المختار بن داداه ووعد بالوقوف ضد ذلك التصرف وكان إذ ذاك برفقته العلامة والداعية الغيور على الدعوة محمد أحمد الغلاوي وفي التسعينات ذهب معي إلى وزير الداخلية في إطار شكوى قدمناها ضد وجود هيئة تنصيرية قبالة المسجد السعودي وحفلات مزعجة تقام في المطعم القريب من المسجد والتزم الوزير بمتابعة الملف وإزالة الضرر وفعلا رحلت الهيئة وتوقفت الحفلات ولا شك أن هيبة الشيخ وقوته في الحق ذللت الصعاب أمام المهمة رغم قوة من وراءها.

هذان نموذجان فقط من تدخله السريع في كل ما من شأنه أن يمس من الدعوة وينقص من الدين وإن أزعج ذلك الحكام والمخالفين ونذكر من مواقفه أيضا موقفه من اعتقالات 94 وقبلها اعتقال الشيخ محمد ولد سيد يحي.

 

 

مدرسته التربوية:

تربى الشيخ في بيئة تهتم بالتزكية كثيرا وقد نال الشيخ من هذا الجانب مبتغاه منها حيث تصدر في هذا المجال على الطريقة التقليد ية لكن الشيخ ما لبث أن غير من منهجه في التربية حيث جعل كتاب الله تعلى وسنة رسوله نصب عينه ومائدة يربي عليها رواده وطلابه حتى خرَّج جيلا متربيا على مائدة القرآن مع الأخذ في الاعتبار اجتهاد أرباب السلوك الموافقة لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد استطاع الشيخ الوصول إلى قلوب الناس بسمته ودله وعبادته المنقطعة النظير.

وبعد؛

فهذا غيض من فيض، وما زال الإمام بداه يستحق الكثير من الكتابة عن منهجه وسلوكه، ودعوته وتربيته، ومختلف جوانب شخصيته، بل ويستحق مجال استيعابه للناس وقدرته على حيازة ثقة الجميع، وأبوتهم.. ما زال كل ذلك ميدانا خصبا للباحثين....

فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وعوض بلدنا بفضله خيرا منه.

   

 

الشخصية الفذة في موريتانيا المرحوم بداه بن البوصيري/ بقلم محمد يسلم ولد محفوظ

السراج TV