كلمة عن الشيعة والتشيع (ح1) إبراهيم ولد اعمر كل
الأربعاء, 26 يونيو 2013 18:36

alt

منذ أن شبت نار الفتنة العظيمة التي وقعت بعد مقتل عثمان وانقسام الأمة على الإمام علي رضي الله عنهما .. والأمة ينحرها التفرق و الانقسام وتفلها الأهواء الماحقة .. ومع تطاول الزمن وبعد العهد خفتت أصوات كثيرة وامحت ـ أو كادت ـ مذاهب عديدة  ساهمت ـ بقوة ـ  في تعميق هوة الشقاق ، فبقي الطرفان البارزان اللذان يمثلان الركيزتين اللتين يقوم عليهما بناء الأمة المسلمة وهما: السنة والشيعة.

وحسب اعتراف الشيعة فهم يمثلون الآن نحو: 16% من مجموع الأمة ، فهم أقل .. ولكنهم يحثون الخطى في سير دائب معتمدين كل الوسائل المادية والنفسية .. الخ للقضاء على التسنن وأهله ونشر التشيع على الرغم من كل العهود والمواثيق التي يلتزم بها الطرفان في مؤتمرات التقريب التي تعقد هنا وهناك والتي تقضى بكف كل منهما عن دعوة الآخر لمذهبه واحترامه له.

واليوم لم يعد الخلاف ـ كما كان ـ خلافا في شأن "الإمامة" و"الموقف من الصحابة" و"مكانة أهل البيت" ..الخ ، بل بات مع هذه تغذيه السياسة ومطامع النفوذ "والمصالح الاستراتيجية" للدول و"القوميات" التي ترفع شعار الطرفين وتتبنى ـ بحق أو بغير حق ـ مبادئهما.

بدأ ذلك مع انطلاق ثورة الخميني "الشيعية" وهو الآن على أوجه نتيجة لأحداث العراق والشام وتطوراتها .. وقد كان النزاع فيما مضى "كلاميا" أي يتجسد في المناظرات الهادئة حينا والحادة أحيانا ، وفي السنوات الأخيرة أصبح "السيف" و"السنان" عنواني الخلاف ، فأزهقت الأرواح وهدمت المساجد و"الحسينيات" ونسفت القبور و"المراقد".

كل هذه الأحداث تجعل المسلم السني (من غير أهل الاختصاص) يطرح سؤالا يلح في طلب الإجابة عنه: من هم الشيعة؟ ما هي مبادئهم؟ من هم الإمامية؟ ومن هم النصيرية؟؟؟

وسأحاول استجابة لهذا السؤال أن أعيد فتح "كتب الفرق" لأخرج منها حقيقة الشيعة وأصولهم وبعض ملامح تاريخهم واسأل الله أن يسدد القلم ويفوق للصواب ويجازي بجزيل الثواب.

مفهوم: "الشيعة" ، "التشيع" ، "الرافضة":

الشيعة في لغة العرب تطلق على الفرقة من الناس ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً} وشيعة الرجل: أنصاره ومحبوه (القاموس مادة: شيع) قال الفيروز آبادي: وغلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا وأهل بيته حتى صار اسما لهم خاصة" و"التشيع" مصدر تشيع أي ادعى دعوى الشيعة ، وأما الشيعة في الاصطلاح: فقد عرفهم الإمام ابن حزم في كتابه الشهير: الفصل في الملل والأهواء والنحل بأنهم: "من قال بأفضلية علي رضي الله عنه على سائر الصحابة رضوان الله عليهم وأحقيته بالإمامة ومن ثم ولده من بعده" [2/88] ، وقال الشهرستاني في الملل والنحل: وهم الذين شايعوا عليا رضي الله عنه على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصا أو وصية إما جليا وإما خفيا واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده [1/146] وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبها ، بل هي قضية أصولية وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله ، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله" [1/146] ويسمون: "الرافضة" و "الروافض" ومعنى الرفض في لغة العرب الترك قال الفيروز آبادي: الروافض كل جند تركوا قائدهم ، والرافضة الفرقة منهم ، وفرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين [أبي بكر وعمر] فأبى وقال: كانا وزيري جدي [صلى الله عليه وسلم] فتركوه ورفضوه وارفضوا عنه (القاموس) .

وهذا المعنى الأخير هو المراد بإطلاق اللفظ على الشيعة في رأي أغلب المحققين يقول الأشعري: وكان زيد يفضل عليا على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولى أبا بكر وعمر ويرى الخروج على أئمة الجور ، فلما ظهر بالكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر ، فأنكر ذلك على من سمعه منهم فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم: "رفضتموني" فيقال إنهم سموا رافضة لقول زيد رفضتموني (مقالات الإسلاميين) وسمي من لم يفرضه من الشيعة "زيديا" لانتسابهم إليه ، وبهذا يقول الشهرستاني وابن تيمية وغيرهما .. والشيعة لا يرضون بهذا الاسم بل يغضبون منه ويعتبرونه نبزا بالألقاب وهم إحدى الطوائف التي انقسم إليها أهل الملة (السنة ، الشيعة ، الخوارج ، المعتزلة ، المرجئة) وانقسمت الأربعة الأخيرة إلى عشرات الطوائف المتباينة أصولا وفروعا.

وإن كثيرا من تلك الفرق انقرض ولم يبق له ذكر .. فما نقرأه اليوم في كتب الفرق من أسماء الطوائف وأخبارهم لم يبق منه إلا القليل ، والشيعة في ذلك كغيرهم ، فالكيسانية ، والغربابية والجارودية ..الخ كلها فرق امحت ولم يبق لها من الأعلام إلا ما حفظته صحف التاريخ من الزيغ والانحراف عن جادة العقل والنقل والتحلل من عباءة الفطرة السليمة.

الأصول التي يجمع عليها الشيعة

والحد الجامع بين الشيعة باختلاف طوائفهم وانتماءاتهم يتلخص في المبادئ التالية:

-   "وجوب التعيين والتنصيص" (الملل والنحل 1/146) والمراد أنهم مجمعون على القول بأولوية الإمام علي كرم الله وجهه بالخلافة وهم بذلك يجمعون على اتهام الصحابة كافة بالتمالئ على علي وانتزاع حقه والخيانة لوصية النبي صلى الله عليه وسلم "المزعومة" له بالأمر من بعده .. ويتفاوتون في الشدة واللين في هذا ، فمنهم من لا يشتد على الصحابة ولا يكفرهم في ذلك ويرى أن إمامة أبي بكر مع وجود علي رضي الله عنهما صحيحة لجواز إمامة المفضول  مع وجود من هو أفضل [وهذا رأي الزيدية].alt

-   "ثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر و الصغائر" [الملل والنحل1/46] وهم بهذا المبدأ متفقون على اعتبار أهل البيت حجة مرجعية في الدين لأنهم معصومون من الخطأ والزلل وأقوالهم أصل كالكتاب والسنة ، بل إن السنة عندهم تطلق على (قول المعصوم مطلقا)

-   "القول بالتولى والتبرى قولا وفعلا وعقدا إلا في حال التقية" [نفس المصدر] والمعنى عندهم قريب من معنى الولاء والبراء عندنا ، غير أن مرادهم: الولاء لأهل البيت ومحبتهم ومخالفة أعدائهم ، ويبنون على هذا الأصل ما يظهرون من التعلق العاطفي بأهل البيت والغلو في التبرك بهم وبناء "المشاهد" و"المراقد" على قبورهم ومواضعهم وإن لم تتحقق كما هو حاصل في "مزار شريف" بأفغانستان ، فالمشهد الموجود هناك سبب بنائه أن رجلا "صالحا" رأى أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه في المنام وقد حمل جثمانه من الكوفة على ناقة بيضاء نقلته إلى ذلك المكان فأصبح المحل ـ بهذه البساطة ـ مزارا تهوى إليه الأفئدة وتجبى منه البركات ، كما يؤسسون على هذا الأصل ما يعلنون من إدانة الظلم الذي وقع على أهل البيت و"تأبيد حالة العزاء" (حسب تعبير محمد المختار الشنقيطي) فيما نزل بآل البيت من المصائب وأعظم ذلك: مقتل الحسين رضي الله عنه مع عشرات من صفوة الناس ذرية علي والزهراء عليهما السلام ، وهي ـ بدون ريب ـ أم المصائب والكوارث التي نزلت بالمسلمين واهتز لها الوجدان الإسلامي .. ولا يختلف أهل السنة مع الشيعة في هذه إلا في "تأبيد" الشيعة لأجواء تلك الحادثة وتخليد ذكراها الأليمة كل عاشوراء ، بينما كان أهل السنة من فاعليها متبرئين ولمرتكبيها مبغضين .. وقد أفضوا إلى ما عملوا وعند الله تجتمع الخصوم ، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت...

يتواصل بحول الله 

كلمة عن الشيعة والتشيع (ح1) إبراهيم ولد اعمر كل

السراج TV