منهج سيد قطب في التفسير/ مريم بنت حدمين
الجمعة, 19 يوليو 2013 04:03

altaltمقدمة:

"الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا" والصلاة والسلام على من أنزل الله عليه الذكر ليبينه للناس.

  وبعد .. فإن علم التفسير من أجل العلوم قدرا وأعظمها فائدة لتعلقه بكتاب الله عز وجل ، وقد اعتنى العلماء قديما وحديثا بالتفسير وألفوا فيه حتى كادت مكتبة التفسير تشكل الجزء الأكبر من المكتبة الإسلامية ولقد كان من أجل كتب التفسير الحديثة تفسير الشهيد سيد قطب ـ رحمه الله ـ المسمى "في ظلال القرآن" الذي ألفه في السجن في الفترة ما بين 1953 و1964.

  إنه وحي الوحي أو قبس من النور الإلهي يستلهم فيه صاحبه دلالات هادية من الذكر الحكيم يختزل فيه رحلة الكون نحو الوجود ومن ثم نحو الهداية وإنقاذ البشرية من التيه الذي تتخبط فيه ، وذلك بعيشه مع القرآن وحيا إلهيا عاشه بروحه وفكره وشعوره وكيانه ، عاشه يتملى أسراره ويلتحم به التحاما مباشرا بالرجوع إليه وحده والعيش في ظلاله "دون أن يحول بينه وبين هدايته قضايا كلامية ، أو بحوث فقهية ، أو مجادلات فلسفية ، أو تعصبات مدرسية ، أو رموز باطنية ، أو إيحاءات صوفية ، أو تفاصيل لغوية ونحوية وبلاغية وإعجازية. " فأودعه تجربته الحية في عالم الإيمان بأسلوب أدبي رفيع يأسر القلب ويجذبه ويرتقي بالمشاعر لتتناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة.

وهذا العرض يحاول بإيجاز أن يبرز ملامح التجديد في ظلال القرآن وكيف يمكن أن يساهم في وضع أصول التفسير من خلال قراءة سريعة في منهج المؤلف

 

 

 التعريف بسيد قطب:

ولد سيد قطب عام 1326هـ الموافق لسنة 1906م، في بيت صلاح وعلم ووعي سياسي، وكان للجو والبيئة اللذين ولد فيهما أثر عظيم على حياته، فقد دفع به أبوه إلى الكتاب ليحفظ القرآن الكريم، ونظرا للحالة المزرية التي كانت عليها الكتاتيب أخرجه منها ليلحقه بالمدرسة النظامية بالقرية، دون أن يهمل تحفيظه القرآن، فكان أن جمع بين حسنات التعليم النظامي الجاد والمثمر، وحفظ القرآن الكريم الذي أتم حفظه ولما يبلغ العاشرة من عمره. وبعد أن أتم دراسته الابتدائية بمدارس القرية، رحل إلى القاهرة ليلتحق بمدرسة ثانوية كانت تسمى "تجهيزية دار التعليم"، التي تخرج منها بعد مدة من الزمن، مما جعله مؤهلا لإتمام دراسته العليا بكلية دار العلوم، وقد كان من ألمع طلبتها نجابة ونبوغا وخلقا، وفي هذه المرحلة من عمره بدأت مواهبه الفنية عامة، والأدبية خاصة تتفتح، وبعد تخرجه من دار العلوم أصبح أستاذا بمدرسة ابتدائية بدمياط، ومارس في هذه الفترة كتابة الأدب بكل فنونه وأجناسه، من نقد، وقصة وشعر، وخاطرة، كما أن الصحف عرفته كصحفي مبدع.

وفي سنة 1948 ابتعث من طرف الحكومة المصرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة نظم ومناهج التربية الحديثة، ليعود بعد عامين رافضا الإسهام في جعل مصر حقلا من حقول التجارب التي تطبقها أمريكا على أبناء وأجيال الدول النامية. وقد كان سفر سيد قطب إلى أمريكا نقطة تحول كبير في حياته الفكرية، ذلك أنه وقف على معالم ومظاهر الفساد الأخلاقي في المجتمع الغربي، وتدني قيمة الإنسان أمام الآلة، بحيث أصبح عبدا لها. وفي سنة 1951 انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، ليصبح من أبرز مفكريها ودعاتها ومثلها في كثير من المحافل والمؤتمرات وقد تعرض مع رفاقه من الإخوان للاعتقال والتعذيب لمعارضتهم للاتفاقية المصرية البريطانية التي عقدها رجال الثورة مع الحكومة البريطانية فزج بهم في زنازين سجون "القلعة" و " السجن الحربي"، و"أبى زعبل" و " ليمان طرة"، ولكن سيد قطب ظل صابرا محتسبا، ولم يستطع الطغاة بوسائلهم الإرهابية أن ينالوا من عزيمته الصلبة أو أن يزعزعوا إيمانه الراسخ بعدل الله تعالى، فقاسى أشد العذاب بقلب مفعم بالصبر والإيمان والاحتساب. وقدحكم عليه في الثالث من يوليه 1955 من قبل محكمة الشعب بالسجن خمسة عشرعاما مع الأشغال الشاقة، وقد كان السجن مناسبة لإعادته النظر في كتاباته التي كتبها قبل أن يلتزم مع جماعة الإخوان المسلمين وفي سنة1963 وبمبادرة من رئيس الجمهورية العراقية عبد السلام عارف أفرج عن سيد قطب، ولكنه لم يلبث أن اعتقل من جديد، وذلك بتهمة الإعداد لانقلاب عسكري، وأذاقوه الأمرين طيلة عامين كاملين، ثم قدم لمحاكمة صورية قضت بإعدامه مع زمرة من إخوانه وتلامذته، ونفذ فيه رحمه الله حكم الإعدام فجر يوم 29 أغسطس 1966م.

وقد خلف سيد قطب تراثا أدبيا وفكريا ضخما، يشهد بما كان يتمتع به الرجل من موهبة أدبية أصيلة، وطاقة فكرية فذة، ورؤية إسلامية لواقع أمته المتدني، ووعي تام بمشكلات العصر السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية. ويمكننا أن نقسم كتاباته إلى ثلاث مراحل، هي جماع حياته، فهو قد بدأ حياته أديبا ناقدا، ثم مفكرا إسلاميا، ثم مفسرا للقرآن الكريم ويمكننا أن نحصر كتاباته حول تفسير القرآن الكريم في الكتب التالية:

‌أ.       التصوير الفني في القرآن 1945.

‌ب.  مشاهد القيامة في القرآن 1945.

‌ج.   خصائص التصور الإسلامي.

‌د.      في ظلال القرآن 1953-1964.

ويعتبر تفسير "في ظلال القرآن" الذي فسر فيه القرآن الكريم كله، بمنهج خاص ورؤية خاصة أهم ما تركه لنا سيد قطب رحمه الله ، وفي الوقت نفسه من أهم تفاسير القرآن الكريم الحديثة.

القواعد والضوابط التي اتبعها سيد في تفسير الظلال:

القرآن الكريم تلك الرسالة الخالدة التي نزلت على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهداية الناس وإرشادهم فكانت ـ بحق ـ ميدان سباق للعلماء خدمة لها وتفسيرا وبيانا لمكنوناتها غير أن كثيرا ممن فسروا هذه الرسالة إنما اعتنوا بها من حيث يتهيأ للمخاطب بها أن يفهم دلالات ألفاظها ويتسنى له معرفة معانيها وذلك بتفسير الألفاظ وبسط المعاني وتقريبها معتمدين منهجين أساسيين هما : التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي ، ولكن صاحبنا خرج على تلك التفاسير التقليدية متبعا نسقا جديدا في تفسيره "في ظلال القرآن" معتمدا على إيحاءات النص القرآني وتأثير في النفس بعيد عن الخوض في المباحث الفقهية واللغوية والنحوية .. التي يرى أن المفسرين والمؤولين عقدوا القرآن بالخوض فيها حيث يقول : " ... ودخلت المعاهد العلمية، فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير ، وسمعت تفسيره من الأساتذة ، ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل الذي كنت أجده في الطفولة والصبا... وا أسفاه لقد طُمست كل معالم الجمال فيه ، وخلا من اللذة والتشويق ... ترى هما قرآنان ؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق، وقرآن الشباب العسر المعقد الممزق ؟ أم إنّها جناية الطريقة المتبعة في التفسير . وعدت إلى القرآن أقرأه في المصحف لا في كتب التفسير . وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب.

ويمكننا أن نجمل أبرز ما اعتمده سيد قطب في طريقته في التفسير في الضوابط التالية:

الضابط الأول التعامل المباشر مع النص القرآني:

يقول سيد -رحمه الله- في مقدمة الطبعة الأولى من الظلال: "كل ما حاولته ألا أُغرِق نفسي في بحوث لغوية أو كلامية أو فقهية تحجب القرآن عن روحي ، وتحجب روحي عن القرآن" فقد جعل من القرآن مصدره الأول ولا يعود لغيره إلاّ لأجل الاحتجاج والتوثيق هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنّه قد تجنب الخوض في المباحث اللغوية والكلامية والفقهية لا لشيء إلاّ ليبقى اتصاله بالنص القرآني مستمرا وحتى لا يمنع ذلك كله من التلقي المباشر والصحيح لروح القرآن وأهدافه وتوجيهاتهويقول ـ أيضا ـ في مقدمة "خصائص التصور الإسلامي ومقوماته": "ومنهجنا فياستلهام القرآن الكريم، ألا نواجهه بمقررات سابقة إطلاقًا لا مقرراتعقلية ولا مفردات شعورية - من رواسب الثقافات التي لم نَسْتَقِهَا منالقرآن ذاته - نحاكم إليها نصوصه ، أو نستلهم معاني هذه النصوص وفق تلكالمقررات السابقة لقد جاء النص القرآني ــ ابتداء ــ لينشء المقرراتالصحيحة التي يريد الله أن تقوم عليها تصورات البشر ، وأن تقوم عليها حياتهم . وأقلّ ما يستحقه هذا التفضل من العلي الكبير، وهذه الرعاية من الله ذي الجلال ــ وهو الغني عن العالمين ــ أن يتلقوها وقد فرغوا لها قلوبهم وعقولهم من كل غبش دخيل ، ليقوم تصورهم الجديد نظيفا من كل رواسب الجاهليات ــ قديمها وحديثها على السواء ــ مستمدا من تعليم الله وحده، لا من ظنون البشر ، التي لا تغني من الحق شيئا ! ...هذا هو المنهج الصحيح في مواجهة القرآن الكريم".

تذوق الجانب الفني الأدبي في القرآن:

حيث اعتبر سيد رحمه الله أن للقرآن مكنونات أدبية مختزنة وجواهر جمالية مفتقدة لا بد من الكشف عنها لنعيد للقرآن وقعه وتأثيره كما كان واقعا مع العرب قديما عندما يسمعون هذا القرآن يتلى فيذعنون لبلاغته ويخضعون لإعجازه رغم كفرهم وعنادهم، وقد حاول سيد إبراز هذا الجانب ـ زاده في ذلك موهبته الأدبية وباعه النقدي الواسع ـ وبالأخص تأثير نظرية التصوير الفني أو كما يسميها البعض التجسيم أو التخييل الحسي قال في مقدمة كتابه "مشاهد القيامة في القرآن" :"... والقرآن : هذا الكتاب المعجز الجميل ، هو أنفس ما تحويه المكتبة العربية على الإطلاق، فلا أقلّ من أن يعاد عرضه ، وأن ترد إليه جدته ، وأن يستنقد من ركام التفسيرات اللغوية والنحوية والفقهية والتاريخية والأسطورية أيضاً ! وأن تبرز فيه الناحية الفنية ، وتستخلص خصائصه الأدبية ، وتنبه المشاعر إلى مكامن الجمال فيه . وذلك هو عملي الأساسي في "مكتبة القرآن" . وقد تناولت هذه المشاهد كما يصورها ظاهر اللفظ الواضح المشرق البسيط ، لم أحاول أن أعقّدها بالتأويلات البعيدة ، ولا أن أدخل عليها مباحث لغوية ودينية لا يقتضيها العرض الفني الجميل . و في اعتقادي أنّ العرب الأولين قد تلقوا الجمال الفني في القرآن هذا التلقي ، فتعمق في إحساسهم وهزّ نفوسهم قبل أن يعقِّده المفسرون والمؤولون".

ويبدو أثر هذا الواقع الأدبي الحديث واضحا في عناية سيد قطب بلغة النص القرآني، ودراسة أسلوبه وإبراز الجانب التعبيري والبلاغي للألفاظ والتراكيب اللغوية، فقد ركز على الصورة والمشاهد، ورسم الشخصيات، وتجسيد المواقف، والظلال والحركة والتكرار، والتناسق بين المدلولات والتعابير، والاهتمام الكبير بدراسة الإيقاع، وتحليل بنية الألفاظ التركيبية والدلالية، والكشف عن العلاقة الموجودة بينهما، وغيرها من الأدوات و الوسائل التعبيرية التي اكتشفها الأدباء والنقاد، وفلاسفة الجمال في العصر الحديث، و التركيز على هذه الجوانب الجمالية والأسلوبية في دراسة النص القرآني يعتبر من أبرز سمات النزعة الأدبية في تفسير « في ظلال القرآن"، فضلا عن أنه قد وسع من دائرة الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ، والذي كان يدور حول موضوعات ومحاور قد استهلكت، كدراسة التشبيه والاستعارة والكناية، والمجاز والمحسنات البديعية واللفظية والمعنوية والخروج بالنص القرآني إلى رحابة الدراسات الفنية والجمالية والأسلوبية الحديثة التي يتفاعل معها المسلم المعاصر، كما أنه يبرز كثيرا من الخصائص التركيبية والدلالية و الأسلوبية للخطاب القرآني، التي لم تتمكن الدراسات اللغوية أو البلاغية القديمة من إبرازها بالطريقة نفسها، وبالدقة والعمق الذي تستطيعه الدراسات الفنية والجمالية والأسلوبية الحديثة. لا يفقه القرآن إلا الذين يتحركون به:

يؤصل سيد بهذه القاعدة لمنهج حركي متفاعل مع الرسالة الإلهية حيث يعتبر أن القرآن نزل ليتمثل في حياة الأفراد والأمم لا مجرد نظريات وفلسفات يتناقلها العلماء يتناظرون فيها ويتجادلون ولا سبيل لفهم هذا الدين إلاّ للذين يعيشونه سلوكا وعملا، أما المتعامل معه كالمتعامل مع النظريات الإنسانية والفلسفات البشرية بمجرد البحث والتفسير والنظر والشرح ، المتعامل معه معاملة لا تتجاوز الجانب النظري فهؤلاء لن يفهموا حقيقة هذا الدين مهما حاولوا ومهما تعلموا وتمكنوا من جزئياته النظرية "إن الحركة هي قوام هذا الدين ، ومن ثم لا يفقهه إلا الذين يتحركون به ، ويجاهدون لتقريره في واقع الناس وتغليبه على الجاهلية بالحركة العملية، والتجارب تجزم بأن الذين لا يندمجون في الحركة بهذا الدين لا يفقهونه مهما تفرغوا لدراسته في الكتب دراسة باردة، وأن اللمحات الكاشفة في هذا الدين إنما تتجلى للمتحركين به حركة جهادية لتقريره في حياة الناس ، ولا تتجلى للمستغرقين في الكتب العاكفين على الأوراق "ولن تنكشف أسرار هذا القرآن قط للقاعدين الذين يعالجون نصوصه في ضوء مدلولاتها اللغوية والبيانية فحسب ، وهم قاعدون و"ستظل هنالك فجوة عميقة بيننا وبين القرآن ما لم نتمثل في حسنا ونستحضر في تصورنا أن هذا القرآن خوطبت به أمة حية ذات وجود حقيقي ; ووجهت به أحداث واقعية في حياة هذه الأمة ; ووجهت به حياة إنسانية حقيقية في هذه الأرض ; وأديرت به معركة ضخمة في داخل النفس البشرية وفي رقعة من الأرض كذلك معركة تموج بالتطورات والانفعالات والاستجابات وسيظل هنالك حاجز سميك بين قلوبنا وبين القرآن طالما نحن نتلوه أو نسمعه كأنه مجرد تراتيل تعبدية مهومة لا علاقة لها بواقعيات الحياة البشرية اليومية التي تواجه هذا الخلق المسمى بالإنسان والتي تواجه هذه الأمة المسماة بالمسلمين بينما هذه الآيات نزلت لتواجه نفوسا ووقائع وأحداثا حية ذات كينونة واقعية حية ; ووجهت بالفعل تلك النفوس والوقائع والأحداث توجيها واقعيا حيا نشأ عنه وجود ذو خصائص في حياة الإنسان بصفة عامة وفي حياة الأمة المسلمة بوجه خاص ومعجزة القرآن البارزة تكمن في أنه نزل لمواجهة واقع معين في حياة أمة معينة في فترة من فترات التاريخ محددة وخاض بهذه الأمة معركة كبرى حولت تاريخها وتاريخ البشرية كله معها ولكنه مع هذا يعايش ويواجه ويملك أن يوجه الحياة الحاضرة وكأنما هو يتنزل اللحظة لمواجهة الجماعة المسلمة في شؤونها الجارية وفي صراعها الراهن مع الجاهلية من حولها وفي معركتها كذلك في داخل النفس وفي عالم الضمير بنفس الحيوية ونفس الواقعية التي كانت له هناك يومذاك.

"القرآن الكريم ليس كتابا للتلاوة فقط ، ولا مجالا للأجر والثواب فقط، ولا سجلاً للثقافة أو الفقه أو اللغة أو التاريخ فقط ، ولكنه "الرائد الحي لقيادة أجيال الأمة ، وتربيتها وإعدادها لدور القيادة الراشدة... ومن تدبر القرآن بقلب يقظ خاشع فإنه يجده توجيهات حية تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم ، ولتنير الطريق إلى المستقبل".

مراعاة الوحدة الموضوعية للقرآن وللسّور:

المقصود بالوحدة الموضوعية وحدة موضوع السور وترابط آياتها واشتراكها في خدمة وتجلية ذات الموضوع وكذا اشتراك جميع السور في موضوع ومنهج وغاية واحدة من أوّل القرآن إلى آخره 49.

فقد كان يرى أن للقرآن موضوعا واحدا هو بيان منهج الحياة ومهمة واحدة هي تَمَثل هذا المنهج في حياة الأشخاص والأمم وهدفا واحدا هو هداية البشرية إلى ذات المنهج ... وكل ما ورد بين دفتي المصحف لا يخرج عن هذا الإطار قطّ .وقد بين ذلك كلّه في مقدمته التي استغرقت ثمان صفحات من الحجم الكبير.

غير أن الآيات والسور اختلفت في كيفية تناول هذا الموضوع فهي في كثير مما نزل بالمدينة تفصل تشريعات أصحاب هذا المنهج وتبين علاقتهم بمخالفيهم من الجماعات والأمم بينما هي فيما نزل بمكة إنما تتحدث عن أصل هذا المنهج والقاعدة التي ينبني عليها كما تتحدث عن تاريخه الطويل وعن شبه أعدائه عبر مختلف الأزمنة والعصور وتتحدث كذلك عن عاقبة أصحابه ومناوئيه إن في الدنيا أو الآخرة ، ولتجلية هذه الحقيقة من خلال مختلف السور كان يبتدئ تفسيره لكل سورة بمقدمة يعرف فيها بالسورة مبينا سبب نزولها إن كان لها سبب ومبينا الملابسات التي صاحبت نزولها ثم يذكر موضوعها الموحد أو محاورها التي تدور حولها يقول : "إنّ كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة ، وذات ملامح متميزة ، وذات منهج خاص ، وذات أسلوب معين ، متفرد، وذات مجال متخصص في علاج هذا الموضوع الواحد...إنها كلها تتجمع على الموضوع والغاية ، ثم تأخذ بعد ذلك سماتها المستقلة ، وطرائقها المتميزة ومجالها المتخصص في علاج هذا الموضوع وتحقيق هذه الغاية... إن الشأن في سور القرآن ــ من هذه الوجهة ــ كالشأن في نماذج البشر التي جعلها الله متميزة : كلهم إنسان ، وكلهم له خصائص الإنسانية ، وكلهم له التكوين العضوي والوظيفي الإنساني ... ولكنهم بعد ذلك نماذج منوعة أشد التنوع ، نماذج فيها الأشباه القريبة الملامح ، وفيها الأغيار التي لا تجمعها إلا الخصائص الإنسانية العامة!.

هكذا عدت أتصور سور القرآن ، وهكذا عدت أحسها ، وهكذا عدت أتعامل معها، بعد طول الصحبة ، وطول الألفة ، وطول التعامل مع كل منها ، وفق طباعه واتجاهاته،وملامحه وسماته  ويقول أيضا:" يلحظ من يعيش في ظلال القرآن أنّ لكل سورة من سوره شخصية مميزة ، شخصية لها روح يعيش معها القلب كما لو كان يعيش مع روح حي مميز الملامح والسمات والأنفاس ، ولها موضوع رئيسي.

أو عدة موضوعات رئيسية مشدودة إلى محور خاص . ولها جو خاص يظلل موضوعاتهاكلها ، ويجعل سياقها يتناول هذه الموضوعات من جوانب معينة ، تحقق التناسقبينها وفق هذا الجو .

ولها إيقاع موسيقي خاص ــ إذا تغير في ثنايا السياق فإنما يتغير لمناسبة موضوعية خاصة ..... و طابع عام في سورة القرآن جميعا.

 

 

 

الخاتمة:

بعد بحث متواضع حاولت من خلاله الغوص في فكر سيد قطب من خلال تفسيرهفي ظلال القرآن وبعض الدراسات التي كتبها في بعض الموضوعات ذات الصلة لاأدعي أنني أعطيت الموضوع حقه ولا وصلت إلى النتيجة التي قد يتوصل إليهالو أعطيت القوس باريها وما العرض الذي قدمته في هذه الورقات إلا خطوةولبنة إذا أضيفت إليها جهود أخرى ربما وصلنا إلى الهدف المنشود من وضعوصياغة قواعد لأصول التفسير من خلال تفسير سيد قطب "في ظلال القرآن".

منهج سيد قطب في التفسير/ مريم بنت حدمين

السراج TV