altمع تزايد بروز ظاهرة الاعتكاف في المجتمع الموريتاني دخلت المرأة على الخط منافسة لأخيها الرجل في الخير، ومع دخول العشر، وبعيدا عن جو العيد، وما يلقيه من ظلال على الأجواء الرمضانية، اختار مئات من النساء لزوم المسجد، والاعتكاف فيه محييات بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مقتديات كما يقلن  بأمهات المؤمنين اللواتي اعتكفن العشر...

السراج الدعوي تجول في بعض مساجد نواكشوط التي اختارتها النساء للاعتكاف، لينقل للقارئ الكريم الصورة كاملة.

مشكل المسجد المناسب..alt

لا تتوفر كل المساجد على معتكفات مناسبة للنساء نظرا لخصوصية طبيعتهن، وحاجتهن إلى مكان مستقل في المسجد يستطعن فيه ممارسة حياتهن طيلة مدة الاعتكاف التي تشمل ولا بد أوقات للنوم والأكل والشرب، بالإضافة لأوقات العبادة، ما يستدعي كما يقلن مكانا مناسبا، فيه ستر وانفصال عن الرجال.

وضيق بعض المساجد، وتزايد المعتكفين الرجال فيها لا يساعد النساء على ارتيادها ما يجعلهن يتحولن عنها إلى غيرها.

فمسجد أسامة مثلا كان قبلة لبعض النساء يعتكفن فيه، إلا أن اكتظاظه هذا العام بالرجال منع النساء من ارتياده، فتحولت مرتادته عنه إلى غيره، فتوزعن على مساجد أخرى.

مساجد لا تتسع:بعض المعتكافت وهن مزدحمات في مسجد التوفيق

ورغم صعوبة انقاء المسجد المناسب للاعتكاف، فإن المهمة لا تنتهي هناك كما تقول بعض المعتكفات، فقد يوجد المسجد المتسع، لكن الأعداد المتزايدة للمعتكفات تحول دون استيعابه لكل وافدة...

يقول الحسن ولد حبيب الله إمام مسجد التوفيق إن مسجده بدأ الاعتكاف لليلة الأولى من العشر، وكان قد حدد ثلاثين امرأة كحد أقصى، إلا أنه فوجئ أن الحضور في الليلة الأولى زاد على العدد بأربع نسوة، ومع التكيف مع العدد، ازداد العدد وازداد حتى وصل إلى أكثر من خمسين امرأة ما دفع القائمات على الاعتكاف لرد العشرات من الراغبات الجدد في الاعتكاف، بسبب ضيق المكان بهن.

أعداد حسب الطاقة:بعض المعتكفات في مسجد التوفيق

تختلف الأعداد الموجودة في المساجد من مسجد إلى مسجد، فحين يكتظ مسجد الذكر بالمعتكفات ويزيد العدد فيه على طاقته، لا تزيد معتكفات مسجد أبي طلحة في الرابع والعشرين على نيف وثلاثين امرأة ما يساعد على اعتكاف مريح، غير مكتظ كما تقول المعتكفات، ويتقارب مسجدا قباء (بمقاطعة تيارت)، والتوفيق (بكرفور) في الأعداد حيث يزيد الأول على الأربعين والثاني على الخمسين، إلا أن انفصال المبنى الخاص بالنساء في مسجد قباء عن المسجد، ووجود براح منفصل أيضا ساعد المعتكفات على التوسع أكثر من مثيلاتهن في مسجد التوفيق.

أعمار مختلفة.. وحضور شبابي:

تتراوح أعمار معظم المعتكفات ما بين العشرين والخمسين، إلا بعض المساجد يحظى بحضور مسنات يحرصن على ارتياد المسجد، والاعتكاف طيلة العشر إحياء لسنة الاعتكاف، والتماسا لليلة القدر، ومزاحمة لأهل الخير في الخير، واقتداء بأمهات المؤمنين كما يقلن.

كما أن هناك بعض الشابات التي حرصن رغم صغر سنهن على حضور المعتكف، فأقنعن أهليهن بالاعتكاف حتى أذن لهن، ووضعنهن تحت وصاية المسنات المعتكفات الموثوق بهن، ومن بين الشابات المعتكفات طالبات جامعيات، وحاصلات على الثانوية العامة هذا العام، بل من بينهن من مازلن في الإعدادية.. إلا أن الرغبة في الخير، والحرص على الأجر والتماس ليلة القدر، وطلب الرحمة والمغفرة دفعهن إلى الاعتكاف.. وطمأنة أهليهن عليهن عن طريق الاتصال، أو عن طريق الزيارة.

أنصاف معتكفات:

ومع أن أغلب المعتكفات يقمن إما العشر وإما ثلاثا منها فإن هناك معتكفات لا يلتزمن بذلك، وإنما يأتين إلى المسجد بعدما يكملن أعمالهن المنزلة بالليل ويبقين فيه، حتى يصلين الضحى ثم ينصرفن راجعات، ويبررن هذا التصرف بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله.المعتكفات إقبال على الذكر والدعاء

رعايات جهات شتى:

تحظى المعتكفات بعناية خاصة من الجمعية النسوية لمكافحة الفقر والأمية، حيث تتولى هذه الجمعية رعايتهن في أكثر من مسجد، لكنها ليست الوحيدة؛ حيث هناك جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، وجمعية بسمة وأمل، العاملتان في نفس المجال، بل هناك مساجد تحرص بعض المعتكفات فيها من ذوات اليسار على توفير مستلزمات الاعتكاف فيها من جيوبهن، بل قد يصل الأمر بهن إلى توفير عاملات يساعد المعتكفات في الخدمة، حتى لا تتولى المعتكفة أي خدمة حتى ولو كانت إعداد الشاي، كما هو الأمر في مسجد قباء، حيث تقوم إحدى المعتكفات فيه على نفقة المعتكفات معها وخدمتهن طيلة العشر.

عقبة الأهل.. إقناع بطرق شتى:إحدى المعتكفات، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، ومع عمتها في المعتكف، وهي الوحيدة التي قبلت التصوير من بين صغيرات السن

تقول المعتكفات إنهن يعانين أحيانا منع أهليهن إياهن من الاعتكاف أو اعتراضهن عليه، إلا أنهن يذللن هذه العقبات كل بطريقته.

فمنهن من لا ترى أي وجه لهذا المنع إلا إذا كان من الزوج، ولا ترى للأهل الآخرين الحق في المنع من الاعتكاف ما دام في مكان معلوم مأمون، مع أعداد معتبرة من النساء في جو لا اختلاط فيه ولا خوف.

وتقول المعتكفات إن الأهل يتركن بناتهن يذهبن للمناسبات الاجتماعية والحفلات التي تمتد أحيانا إلى وقت متأخر من الليل، ولا يرين مانعا من ذلك، فلم يمنعن من الاعتكاف إلا إذا كان ذلك من وحي الشيطان؟بنت لمات وهي تشرح ضرورة الاعتكاف، وفوائده، ووهمية العوائق دونه

ومن بين المعتكفات من أقنعت أهلها بأنهم قد أذنوا لها في السفر للخارج من أجل الدراسة، وبالتالي لا مبرر للمنع من الاعتكاف في مسجد معلوم، يمكن الاطمئنان على المعتكفة فيه في أي لحظة، عكس ما عليه الأمر أثناء المقام في الخارج.

ومن بينهن مسنات انسللن من الوجبات، فطلبن ممن يستطيع الاعتكاف الخروج معها إليه، ومن لا يستطيع لمانع أن يقوم عنها بالعمل.

ومنهن من تولت عن أهلها الخدمة المنزلية طيلة العشرين الأولى من رمضان بغرض إعفائها منه في العشر الأواخر لتتفرغ للاعتكاف.

تنظيم ورقابة ذاتية:

تتولى المعتكفات في أغلب المساجد تنظيم أنفسهن والرقابة الذاتية عليها حتى يستطعن أداء العبادة، فيمنعن الأحاديث الجانبية كما يمنعن النوم في الأوقات غير المخصصة له، ومع ذلك فأغلبهن لا يخضعن لبرنامج موحد في الاعتكاف، باستثناء أوقات الصلوات الخمس والتراويح والتهجد، وما سوى ذلك فلكل الحرية في العمل الذي تقوم به من قراءة قرآن أو صلاة أو ذكر، في حين تنظم المعتكفات في مسجد التوفيق أنفسهن أكثر، ولا يتحن للمعتكفة تلك الحرية، بل لا بد أن يكون وقت النافلة موحدا، ووقت قراءة القرآن، ووقت الذكر، ووقت النوم والاستيقاظ كذلك، بينما في مسجد قباء يقع تفاوت في النوم وتأخر أحيانا وإن بأرقام قليلة عن انتظار الإشراق وصلاة الضحى.

أمن.. وبعوض:المتحدثة باسم معتكفات مسجد أبي طلحة بالرابع والعشرين

لا تشعر المعتكفات بأي خوف، ولا يبدين أي تخوش من مكروه؛ ويعللن ذلك بالجو الإيماني الرباني لرمضانالمعتكفات في مسجد قباء ذكر وصلاة ودعاء وتلاوة من ناحية، ولأنهن يشعرن بحراسة إخوانهن المعتكفين لهن من ناحية أخرى، ومع ذلك، فحرارة الجو في بعض المساجد، وانتشار البعوض فيها مشاكل تعانيها المعتكفات خاصة في أغلب المساجدalt باستثناء مسجد التوفيق، وإن بنسب متفاوتة، فمثلا في مسجد قباء رغم وجود مكيف ومروحات تبريد في مكان الاعتكاف إلا أنه مع كثرة العدد وانتشار البعوض لم يجد، فاضطر البعض إلى اصطحاب ناموسيات.

رسائل إغراء:

يجمع من التقاهن السراج الدعوي من معتكفات على ضرورة الاعتكاف وفائدته على المعتكفة، ويقلن إن الاعتكاف فرصة واحدة في العام كرمضان، ولأنه لا يتيسر لهن إلا فيه، وبالتالي يطلبن ممن يمنعون النساء من الاعتكاف ألا يفعلون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم المعتكفات في مسجد التوفيق إقبال على التلاوة والذكرنهى عن منع إماء الله مساجد الله، ولأنه خير ينبغي التشجيع عليه، ويطلبن من أخواتهن اللاتي لم يجربن الاعتكاف أن يجربنه، فسيجدن فرصة كبيرة لضبط النفس عن الأحاديث التي لا تفيد، وربطا لها بالله، وبأشغال الدار الآخرة.

وتقول "...بنت أمات" إن فقه البداوة الذي غلب على المجتمع لفترات طويلة ينبغي تجاوزه، فالاعتكاف أصبح متيسرا، والمساعدات عليه كثيرا، فلا ينبغي على مرأة أن تفرط فيه.

وتقول انطلاقا من تجربتها الذاتية في اعتكاف العشر أربع سنوات متتالية إن الاعتكاف يقدم من الخدمات التربوية ما لا يقدمه غيرهalt، ولو كان هناك عمل في الشعر أفضل منه لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يرشد لغير  الاعتكاف.