المعتكفون أعداد متزايدة..ومساجد مكتظة
الثلاثاء, 06 أغسطس 2013 07:53

المعتكفون في مسجد التوفيقالمعتكفون في مسجد التوفيقشاع في الآونة الأخيرة ظاهرة الاعتكاف بين الشباب وفي مختلف مساجد نواكشوط...

ورغم أن ظاهرة الاعتكاف معروفة شرعا، ومشهورة في أغلب المتون الفقهية المدرسة في البلاد إلا أنها لم تك تحظى بمثل هذا الاهتمام، ولا تشيع مثل هذا الشيوع...

الواقع:

تحتوي أغلب المساجد التي زارها السراج الدعوي على عشرات من المعتكفين، تتفاوت أعمارهم، وثفافاتهم واهتماماتهم.. إلا أن المسجد، وحب الخير، والقناعة بجدوى الاعتكاف التربوية، وأثره الإيماني، وعجز غير المسجد عن توفير مثل تلك  الآثار يبقى الموحد الأبرز بين أولئك.altalt

تختلف أنظمة المساجد، فمنها من يقوم جيرانه على رعايته، وتوفير الخدمات للمعتكفين فيه، ومنها من تتولى بعض الجمعيات توفير لوازم الاعتكاف لأهله.

فحين تقوم جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم على خدمة المعتكفين في مساجد أسامة، والإمام بداه بن البصيري، والرحمة، وتقوم جمعية بسمة وأمل على مساجد التوفيق وقباء، وتقوم الجمعية النسوية على المعتكفات في بعض المساجد، يقوم بعض الصائمين على أنفسهم في مسجد أبي طلحة اختيارا منهم لذلك على ما تقدمه الجمعيات...

ورغم ذلك فهناك جهود الأفراد المجهولين الذين يتصدقون سرا على المعتكفين، وينفقون أموالهم عليهم ليعتكفوا في أهنأ طريقة وأغد عيش.

أما في جانب الخدمات فمسجد الرحمة بالرياض تقوم عليه مجموعة من النساء من جارات المسجد يتفانين حسب المعتكفين في خدمة المعتكفين، وتوفير الخدمات الضرورية لهم، ويقلن إنهن لا يقمن بذلك ابتغاء شكر، ولا رغبة في تعويض، وإنما ابتغاء وجه الله تعالى، وردا للجميل، لإمام المسجد وجماعته الذين عودوهن على تقديم الدروس لهن، وتعليمهن، وإرشادهن وإرشاد أبنائهن...

تقول إحدى المتطوعات المسنات: "لقد أفنينا أعمارنا في خدمة أبنائنا وأزواجنا، فلم نحصل على كبير شيء، حتى جاء الله بأهل هذا المسجد، فبدءوا يعلموننا الدين ويمحون عنا الأمية، ويساعدوننا في إصلاح ذات البين، رغم أن لهم مشاغلهم الخاصة، وواجباتهم الأسرية والعملية والاجتماعية، فكيف لا نكافئهم ونرد لهم الجميل..؟ غاية اللؤم ألا نرد لهم الجميل...!!"

تعاون على الخدمة والحراسة:

على عكس مسجد الرحمة في الرياض لا يجد مسجد "إبراهيم الخليل" في الفلوجة متطوعين لخدمة المعتكفين فيه، ما جعل المعتكفين يتناوبون على الخدمات المسجدية أثناء الاعتكاف، في حين تساعدهم جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم، بتوفير الوجبات الأساسية...altalt

ولا يمنع الجو الإيماني الرمضاني بعض المساجد من بعض المعاناة، فمسجد "إبراهيم الخليل" يعاني المعتكفون فيه من البعوض المؤذي، بحيث لا يستطيعون إطفاء الأضواء طيلة الليل، كما يعانون من حر الصيف فلا يستطيعون سد أبواب المسجد ليلا ما يدفعهم للتناوب على حراسة المسجد حتى الصباح...

الأعمار:

تتراوح أعمار المعتكفين ما بين الخامسة والعشرين والستين، فلم نلحظ كثرة في المعتكفين المسنين، والمشايخ الكبار كما لم نلحظ بينهم كثرة في الشباب صغيري السن جدا.. وإن كان لهم وجود معتبر خاصة إذا ما قورن العدد الموجوج منهم بالعدد الموجود من الشيوخ، إلا أن ذلك لا يعني انعدام النوعين فهناك مساجد يكثر فيها الأطفال والشباب ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة، كمسجد قباء في تيارت الذي حرص بعض من المعتكفين فيه على اصطحاب أبنائهم وأحفادهم أثناء الاعتكاف، وكمسجد أبي طلحة في الرابع والعشرين الذي احتضن شيخا في العقد السابع من عمره يعتكف لأول مرة، بسبب المشاغل كما يقول، وكمسجد أسامة الذي احتضن ثلاثة مشايخ.شباب صغار معتكفون في مسجد أسامة، وهم يدعون الله قرب قبتهمشباب صغار معتكفون في مسجد أسامة، وهم يدعون الله قرب قبتهم

مهندسون، وأطباء وطلاب جامعات:

يشيع في بعض المساجد كون المعتكفين من غير أصحاب التخصصات الشرعية كالمهندسين والأطباء، والرياضيين، ففي مسجد "إبراهيم الخليل" بالفلوجة، عدة طلبة يدرسون في عدة دول خارجية بتخصصات رياضية وعلمية مختلفة وبمستويات لا تقل عن الماستر والدكتوراه، وفي مسجد قباء بتيارت ظهور كذلك لأصحاب هؤلاء التخصصات، تماما كما في مسجد التوفيق، وإن كان الأخير أحظى من غيره بالتجار كما يقول إمامه الحسن بن حبيب الله.

ويرى محمد ولد وداعة إمام مسجد قباء أن اهتمام المهندسين وأصحاب التخصصات العلمية بالاعتكاف أكثر من مماثليهم في التخصصات الشرعية والأدبية، يرجع إلى شعور العلميين بالحاجة إلى ترقيق القلب، والإكثار من الأعمال الصالحة، ويقول إن مسجده يؤمه عدد منهم منذ سنوات، وبشكل منتظم.

في حين يرى الوزير السابق الدكتور الحسن ولد أعمر جودة الأمر راجعا بالأساس إلى فارق مادي، يجعل المهندس والطبيب وغيرهم من عمليين قد وفر نوعا من الاستقرار الاقتصادي كاف لأن يخرج من جيبه نفقات الاعتكاف، ويترك ما يكفي الأهل حتى يعود، في حين قد لا يكون صاحب الدراسات الشرعية من نفس السن قد حصل على مثل ذلك.

أعداد كبيرة...

تتفاوت المساجد حسب طاقتها الاستيعابية في ما تستطيع استيعابه من المعتكفين، وفيما توفره فعليا من وسائل لذلك.بعض المعتكفين في مسجد الرحمة بعض المعتكفين في مسجد الرحمة

ومن الناحية العددية يأخذ مسجد أسامة الصدراة حيث يزيد المعتكفون عليه على مائة معتكف، بينهم حوالي أجانب...

فيما يحتل مسجد التوفيق المرتبة الثانيقباب تملأ مسجد قباءقباب تملأ مسجد قباءة بأكثر من ثمانين معتكفا، وعلى عرش المرتبة الثالثة يتربع مسجد الإمام بداه ولد البصيري بالمشروع، وهو يحوي حوالي خمسين معتكفا، وغير بعيد عن ذلك العدد يأتي مسجد قباء، ثم تتقارب المساجد الأخرى كمسجد الرحمة، ومسجد إبراهيم الخليل، ومسجد أبي طلحة في أعدادها حيث لا يتجاوز المعتكفون فيها عتبة الأربعين لكل مسجد ...

ورغم تفاوت العدد إلا أن أغلب المساجد تكتظ بالمعتكفين، وتمتلأ بالقباب المضروبة، والحواجز المنصوبة للتمييز بين ميداني المصلين والمعتكفين.

تزايد مستمر:

يجمع أئمة المساجد والمشرفون على المعتكفات في نواكشوط على الزيادة المطردة لأعداد المعتكفين، والاستفادة الكبيرة التي يستفيدونها من الاعتكاف، فأحد الأئمة يقول إن أحد التجار المعتكفين في مسجده أكمل ثلاثة أيام، لكنه عندما رجع للسوق، لاحظ الفرق الشاسع بين الجوين، فأعاد الكرة مرة ثانية، وبدأ الاعتكاف من جديد.

ويقول إمام آخر إن أحد المعتكفين في العام الماضي كان معروفا بالشوشرة والتشويش، جاء هذا العام للاعتكاف فكان من أحسن الناس انضباطا، وأحرصهم على صرف وقته فيما جاء من أجله.

ولا يخفى الاكتظاظ الكبير التي تعاني منه أغلب المساجد نظرا لوفرة الناس فيها، كمسجد التوفيق، ومسجد أسامة، ومسجد قباء، ومسجد الإمام بداه بن البصيري يعتبر عاملا مؤكدا على كثرة الأعداد، كما يشهد أئمة هذه المساجد والمعتكفون فيها على هذا التزايد.

اعتكاف واحد.. وأفهام شتى:

من المعتكفين من يرفض التعاطي مع الإعلاميين، ويرى فيه قطعا غير ضروري للاعتكاف، ولا يقبل بالحديث إلى الإعلام، وأغلبهم لا يحب الحديث عن نفسه، ولا عن برنامجه الشخصي أثناء الاعتكاف.

ومنهم من يفهم الاعتكاف بنوع من التحجر والتقييد حتى في المكان، فلا يحب أن يخرج من "قبته" إلا للصلاة ثم يعود، ولا يترخص في الخروج لباحة المسجد مهما اشتدت حرارة المسجد، وكثر البعوض فيه، ومنهم من لا يرى ذلك ضروريا، ويترخص لنفسه في كثير من الأعمال كالاتصال الهاتفي، والسؤال عن أخبار العالم الخارجي، والحديث الأخوي مع المعتكفين...

 

شهادة:

ويقول أحد المعتكفين إنه زار نواكشوط لأول مرة سنة 1986، ولم يكن حينها الاعتكاف شائعا ولا معروفا، بل قلما تجد معتكفين نظرا للثقافة البدوية، ولكون الاعتكاف "مما استبد ببلاد نائية"، ولولا بداه ولد البصيري يقول المعتكف لما عرف الناس الاعتكاف ولا ألفوه، ولكن بداه ولد البصيري باعتكافه الدائم شخصيا، ودعوته الناس له، أحيى سنة الاعتكاف في هذا البلد.

 

معتكفون ببرامج مختلفة:

رغم أن المقام في المسجد يلزم المعتكفين فيه ببعض الأخلاق والقيم، ورغم أن جو العبادة هو السائد، إلا أن المعتكفين (في أغلب المساجد، باستثناء مسجد التوفيق الذي يخضع المعتكفون فيه لنظام صارم، منضبط ومحدد) لا يجمعهم بعد الصلوات الخمس سوى التراويح والتهجد، أما ما سوى ذلك، فلكل برنامجه الخاص في قراءة القرآن، والصلاة والتسبيح والدعاء، بل والنوم أحيانا، حيث يفضل بعضهم عدم النوم في الليل إطلاقا، في حين يختار بعض آخر الجمع بين بعض من نوم الليل وبعض من نوم النهار....

معتكفون رغم المشاغل:

يبرر بعض المعتكفين اعتكافهم في العشر رغم مشاغلهم بأنه رسالة يرسلونها إلى أنفسهم أولا بأنهم ميتون ولا محالة سيستغني عنهم الأهل، ويتركون في فلاة من الأرض لا ماء فيه ولا مرعى، وما دام الإنسان سيكون كذلك، فعليه أن ينتهز فرصة الاعتكاف ليقدم فيها ما استطاع من خير، ويصادف فيها ليلة القدر، ويمتثل فيها سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف، ويعود فيها نفسه على الاستعداد للموت، والعمل للدار الآخرة...

اعتكافات و"عكوفات":

يتوزع المعتكفون على الزمان توزعا متباينا، فأغلبهم يعتكف أكثر من ثلاثة أيام، وأقل من عشر، وفي المرحلة الثانية معتكفو العشر، وفي التي تليها معتكفو يوم وليلة، ومن يصطلح عليهم البعض بأصحاب "العكوفات" هم الأكثر عددا والأقل لبثا، إذ يتراوح اعتكافهم ما بين ليلة تامة، وساعات من ليل، ويرى الحسن ولد حبيب الله إمام مسجد التوفيق ضرورة فتح أحكام الاعتكاف لتشمل هؤلاء، والنظر إليهم بعين مقاصدية لا حرفية، لأنهم -يقول الحسن- قد أقعدتهم المشاغل عن كثير من الاعتكاف، فلا ينبغي أن نحرمهم الباقي.. إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله.

جو أخوي.. وتدريب عملي:

يقول الوزير السابق الحسن ولد أعمر جودة إن الاعتكاف في المسجد يعطي للإنسان فرصة التعايش الأخوي مع إخوانه، ويعوده على الأخلاق المنشودة في رمضان من تسامح، وعفة لسان، وبذل معروف، وإحسان إلى جار.. لأن المعتكف يكون مع المعتكفين في أسرة واحدة هي أشد تحاببا وتوقيرا واحتراما لبعضها البعض من الأسرة المنزلية...

 

المعتكفون أعداد متزايدة..ومساجد مكتظة

السراج TV