الشيخ الددو: وضوء خطري ولد بونبة هو مقتضى المذهب المالكي في الفرائض والسنن والمندوبات |
الثلاثاء, 13 أغسطس 2013 14:43 |
تعليق فضيلة الشيخ العلامة محمد الحسن وِلْد الدَّدَوْ على مقطع الفيديو الذي يُصوِّرُ فيه شيخٌ موريتانيٌّ وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم استملاه وعلَّق عليه : عادل بن أحمد باناعمة* بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته إلى يوم الدين . الوصف الذي اشتَهَر في المقطع الذي يتعاطاه الناس لصفة وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضَّأهُ الشيخ خَطْرِي وِلْد بُوَيْبّه([1]) هو مقتضى المذهب المالكيّ في الفرائض والسنن والمندوبات في الوضوء. وأصله الحديث الذي أخرجه مالكٌ في الموطأ عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، أن رجلاً قال لعبدِ الله بن زيدِ بن عاصمٍ -وهو جد عمرو بن يحيى-: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد: نعم، فدعاه بوضوء، فأفرغ على يده اليمنى، فَغَسَل يده مرتين، ثم مَضْمَض واستنشق ثلاثاً، ثم غَسَلَ وجهه ثلاثاً، ثم غَسَل يديه إلى المرفقين مرتين، ثم مَسَحَ برأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردَّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه. [الموطأ، باب العمل في الوضوء]([2]) وعامَّةُ ما فعله الشيخُ هو داخلٌ في وَصْفِ وضوءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا فصل الماء لمسح الأذنينِ فلم يرد فيه شيءٌ مرفوعٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الأذنان من الرأس)([3])، ولم يرد مسح الأذنين منفصلاً عن الرأس لا في حديث عثمان بن عفان([4])، ولا في حديث عمرو بن أبي الحسن([5])، ولا في غيرهما من الأحاديث التي فصّلتْ وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم . أما ما سوى ذلك كالاجتهاد في الغَسْلِ، وتتبُّعِ غُضُونِ الوجه وأسِرَّتِهِ([6])، وتتبُّعِ شقوقِ الرجلين وفرْكِها، وأطرافِ أصابعِ اليدين، فهو داخلٌ في الأمر في قوله: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسِكم وأرجلَكم إلى الكعبين) [المائدة: 6]. وهو داخل كذلك في عموم الأحاديث الكثيرة التي تأمر بإسباغ الوضوء وتَذْكُرُ فضيلته. وكذلك ما ذَكَرَهُ في مسح المرأة لرأسها فإن الباء التي في سورة المائدة في قوله تعالى: (وامسحوا برؤوسكم) محمِلُها عند المالكية وكثيرٍ من الفقهاء على الإلصاقِ، ولذلك ففي المذهب المالكي أنّه يمسح المسترخيَ ولو طال، وإذا كان الشعر مضفوراً فيُمسح أعلاه وأسفله. وليس المقصود تتبعُ كل شعرةٍ وحدها، بل المقصودُ أنّ الشعر إذا كان ضفائرَ أو كان ملفوفاً فيُمسح أعلاه وأسفلُهُ احتياطاً؛ لأن الله قال: (وامسحوا برؤوسكم) والباء قد أشار سيبويه إلى أن الأصل في معانيها الإلصاق([7])، والإلصاق يشملُ أعلاه وأسفله. وجمهور العلماء يحملون الباء هنا على التبعيض وعلى هذا لا يوجبون مسح جميع الرأس. وهذا الأمر الخلاف فيه سهلٌ، وليس كبيراً. ولذلك وَصْفُ وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه أنّه (أقبل بيديه وأدبر). والواو هنا إن كانت لا تقتضي ترتيباً فيكون المعنى أنّه صلى الله عليه وسلم أدبر بهما أولاً ثم أقبل ثانياً. وإذا كان المقصود الترتيب كما هو الأصل في ورودِ الحديث فيكون قد بدأ من وسط رأسه فأقبل بهما إلى نهاية منابت الشعر ثم أدبر حتى عمَّمَ، ثم أقبل أيضاً حتى وصل إلى مبدأ مسحِهِ. ومن العلماء من يرى أن مسح الرأس ثلاث مسَحات وليس هذا في المذهب المالكي، لكن المهمَّ فيه أنه أخْذٌ بالباء على أنها للإلصاق. وأما غَسْلُ الكفّ اليمنى وحدها ثم اليسرى، فهو داخلٌ في عموم قول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّ التيامن في طُهُوره، ونعله، وفي ترجُّلِه". [أحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين] وأما إدخالُ الأصابعِ في الفم عند المضمضة فهو داخلٌ في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (لولا أن أشقَّ على المؤمنين لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) [مسلم]. والإنسان إذا كان عنده سواكٌ استاك به قبل بدء وضوئه، وإن لم يكن استاك بأصبعه مع المضمضة([8]) . وأما مسح الرقبةِ فقد ورد عن عبدالله بن عمر([9]) وأبي هريرة([10]) رضي الله عنهم أجمعين وكانا من أحرص الناس على تتبُّعِ وضوء النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهيئتهِ، وقد ورد في الحديث: (من استطاع منكم أن يُطيل غرّته فليفعل). وحمل ذلك بعض العلماء على مسح الرقبة، والرفعِ في غسل الرجلين إلى الساقين، والرَّفعِ في غَسْل اليدين إلى العضدين. وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه فعل ذلك، وعن ابن عمر. وقيل هذه الجملة مُدْرَجةٌ في الحديث وليست مرفوعةً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن عموماً ثبتَ الأصلُ بفعل عَدْلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانا من أشدّ الناس حرصاً على تتبُّعِ سنتِهِ العملية الفعلية. وليس هذا من المذهب المالكي، فالمذهب المالكي ليس فيه مسح الرقبة ولا الرفعُ([11]). وأما ما يتعلق بنسيان الاستنشاقِ فإن على المتوضّئ إذا ذكره أن يبادر إليه ويرجع. لكنَّ الاستنشاقَ فيه خلافٌ: هل هو واجبٌ أو سنة؛ لأن الله قال: (فاغسلوا وجوهكم)، ولم يذكر المضمضة ولا الاستنشاق، فقيل: يدخلان في الوجه؛ لأن المقصود بالوجه ما يواجِهُ الإنسانَ عند رؤيته لإنسانٍ، وقيل: يفرّق بينهما فالمضمضة هي غَسْلٌ لداخل الفم وداخل الفم يُغلق بالشفتين، والاستنشاق غَسْلٌ لداخل الأنف وداخل الأنف لا يُغْلقُ. فقيل: إذن الأنف من الوجه لأنه يُرى دائماً ولا يُسدّ، وداخل الفم ليس من الوجه لأنه يُسد دونه بالشفتين. وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الأمر بالاستنشاق في قوله: (فليجعل في أنفه ماء ثم ليَنْتَثِر) [مسلم]، وفي قوله: (فليجعل في منخريه الماء)، ولم يرد نظير ذلك في المضمضة وإنما جاءت بالوصف العمليّ، فلذلك يُحمل هذا على أن الاستنشاق آكدُ من المضمضة. فيرجع إليه الإنسان سواءٌ قلنا بوجوبه أو سنيّته، أو قلنا بوجوبه في الغُسْل دون الوضوء، وكل هذه أقوالٌ لأهل العلم مبدؤها هو الخلاف في هذه الأحاديث، وفي الوصفِ، والربط بين الآية والأحاديث. وإذا لم يرجع إليه أو تركه بالكلية فوضوءه صحيح على المذهب لأن الله لم يذكره، والذي ذكره الله هو أركان الوضوء. وأما كثرة البسملة والتهليل أثناء الوضوء فهذا من دأبِهِ هو، فالشيخ خطري رجلٌ كثير الذكر وهِجِّيراه التهليل والبسملة والحمدلة، وحتى إذا كان يتحدث معك مسلِّماً أو سائلاً أو مجيباً فإنه يقطِّعُ كلامه بالتسبيح والتحميد والبسملة. ولا أعرفُ شيئاً في النَّدْبِ إلى الذكرِ وقت الوضوء خصوصاً، ولكنْ قد يُتَعلَّقُ بعمومات النصوصِ في الذكرِ كحديث عائشةَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه. [الشيخان]. وأما رفع اليدين بعد الوضوء فداخل في عموم النصوص النادبة إلى رفع اليدين عند الدعاء، وهو مندوب عند الحنابلة، ولكنْ إذا رفعهما يدعو بما ورد، وأما دعاء (اللهم اغفر لي ذنبي ... الخ) فليس محله بعد الوضوء على الصحيح([12]). وكذلك قراءة سورة القدرِ بعد الوضوء لم يصحَّ فيها شيء([13]). وبالنسبة لتسلسل الإسناد بالوضوء العمليّ فلستُ أعرفُهُ، وأنا ليس لديّ إسناد متصلٌ بهيئة الوضوء، ولكن لا يبعدُ أن يوجد؛ لأنَّ كلَّ الناسِ يأخذون الوضوء عن معلميهم، وهم أخذوا عن معلميهم، وينتهي إلى الذين وصفوا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعثمان بن عفان روى عنه حمران مولاه أنه كان يعلم الناس الوضوء على المقاعد على باب المسجد، ويقول: من توضأ نحو وضوئي هذا ... الخ وهو أشمل شيء في الوضوء. وكذلك حديث عمرو بن أبي الحسن الذي ذكرناه في الموطأ وغيره، وكذلك حديث علي بن أبي طالبٍ في وصف وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم. فيمكن أن يتصل الإسناد؛ لأنّ هذه الأحاديث ما كان منها في الصحيحين أو في الموطأ لا يبعد أن يكون بعض الرواة الملازمين قد رأوا شيوخهم يتوضؤون([14]). وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تمّ تسجيل هذا الكلام لسماحة الشيخ الدَّدو بمنزلِهِ بجُدة بتاريخ 26/9/1434هـ، وقد تمّ تفريغُهُ، والتعليقُ عليه، ثم اطّلع سماحته على هذا التفريغ لكلامه وما عليه من تعليقاتٍ وأقرَّه بتاريخ 5/10/1434هـ . والحمدلله رب العالمين. تعليقات وهوامش: ([1]) هذا الشيخُ هو من أبناء عمومة شيخنا العلامة محمد الحسن، وهو من تلاميذ العالم العابد المرابط الحاج بن فحفو، من أهل العلم والفضل، وله جهود دعوية تعليمية كبيرة في أوروبا. ([2]) الحديث رواه البخاريّ بسنده قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا وهيب، عن عمرو عن أبيه، قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدالله بن زيد عن وضوء النبيّ صلى الله عليه وسلم .. الحديث. وعليه فالرجل المبهم في رواية الموطأ هو عمرو بن أبي حسن. ([3]) رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس، عن عبدالله بن زيد، وأبي أمامة، وأبي هريرة. وذهب الدارقطني إلى أنّه موقوف لا مرفوع. قال الطحاوي في شرح معاني الآثار[1/33]: "وقد تواترتِ الآثار بذلك". وقد طوّل الألبانيّ في تخريجه وتتبع طرقه في الصحيحة وانتهى إلى تصحيحه. ([4]) هذا الحديث رواه مسلمٌ في صحيحه في باب: صفة الوضوء وكماله، عن حُمران، مولى عثمان رضي الله عنه. وفيه أنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوَضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليُسرى مثل ذلك. ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدِّثُ فيهما نفسه غُفِر له ما تقدم من ذنبه) قال ابن شهاب: " وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغُ ما يتوضأ به أحد للصلاة". ([5]) هو حديث المازنيّ المخرج في الموطأ، والمذكور في أول الكلام. ([6]) الغُضون: مَكاسِرُ الجلد في الجبين، واحدُها غَضْنٌ وغَضَنٌ، وكلُّ تثنٍّ في ثوبٍ أو جلدٍ غَضْنٌ. وأسرَّةُ الوجه والجبهةِ: الخطوط التي فيهما من التكسُّر، وجمعها: أسارير، وهو جمعُ الجمْعِ [لسان العرب، تاج العروس] ([7]) قال سيبويه : "وباء الجر إنما هي للإلزاق والاختلاط" [الكتاب 4/217] ([8]) روى أحمد في مسنده من حديث علي رضي الله عنه في صفة الوضوء وفيه: أنه دعا بكوز من ماء فغسل وجهه وكفيه ثلاثا وتمضمض ثلاثا، فأدخل بعض أصابعه في فيه، واستنشق ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ومسح رأسه واحدة... وذكر باقي الحديث وقال : ( هكذا كان وضوء نبي الله صلى الله عليه وسلم). [ضعفه الأرناؤوط وأحمد شاكر] ومع ضعف الحديث فقد أخذ بمعناه كثير من أهل العلم، جاء في المغني لابن قدامة: وإن استاك بأصبعه أو خرقة، فقد قيل: لا يصيب السنة؛ لأن الشرع لم يرد به، ولا يحصل الإنقاء به حصوله بالعود، والصحيح أنه يصيب بقدر ما يحصل من الإنقاء، ولا يترك القليل من السنَّة للعجز عن كثيرها. والله أعلم. [1/72] . وهو مذهب المالكية والأحناف. ([9]) روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ مسح عنقه، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ ومسح عنقه، لم يغل بالأغلال يوم القيامة)). والحديث فيه محمد بن أحمد بن محمد (أبوبكر المفيد) ومحمد بن عمرو الأنصاري، وعمرو بن محمد بن الحسن الأعسم، وكلهم ضعيف، وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 2/167 . ولكن قال الشوكاني في النَّيْلِ بعد استعراض جملة من الروايات والأحاديث في مسح الرقبة: "وبجميع هذا تعلم أن قول النووي مسح الرقبة بدعة، وأن حديثه موضوع مجازفة" [نيل الأوطار 1/207] ([10]) عن نعيم بن عبد الله المجمر، قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق "، ثم قال: " هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله» [مسلم] وعن أبي حازم، قال: كنتُ خلف أبي هريرة، وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن، حيث يبلغ الوضوء» [مسلم] قال ابن تيمية: "وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضدين في الوضوء ويقول: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل وروي عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول هو موضع الغل. [مجموع الفتاوى 1/279]. ([11]) مسح الرقبة هو مذهب الأحناف، وقولٌ للشافعية، ورواية عن أحمد. والجمهور يرون أنه لايستحبّ. نقل صاحبُ البناية عن صاحب التحفة : " اختلف المشايخ في مسح الرقبة قال أبو بكر الأعمش إنه سنة، وقال أبو بكر الإسكاف إنه أدب". وقال ابن تيمية : " ولهذا نظائر كثيرة: مثل ما كان ابن عمر يدخل الماء في عينيه في الوضوء ويأخذ لأذنيه ماء جديدا وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضدين في الوضوء ويقول: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل، وروي عنه أنه كان يمسح عنقه ويقول هو موضع الغل، فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتّباعا لهما (يقصد ابن عمر وأبا هريرة) فقد خالفهم في ذلك آخرون وقالوا: سائر الصحابة لم يكونوا يتوضئون هكذا. والوضوء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء جديد للأذنين ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين ولا مسح العنق" [مجموع الفتاوى 1/279] وقال ابن حجر في التلخيص الحبير [1/286] تعليقاً على حديث (مسح الرقبة أمان من الغل): "هذا الحديث أورده أبومحمد الجويني وقال: لم يرتض أئمة الحديث إسناده فحصل التردد في أن هذا الفعل هو سنة أو أدب وتعقبه الإمام بما حاصله أنه لم يجر للأصحاب تردد في حكم مع تضعيف الحديث الذي يدل عليه. وقال القاضي أبو الطيب: لم ترد فيه سنة ثابتة. وقال القاضي حسين: لم ترد فيه سنة، وقال الفوراني لم يرد فيه خبر، وأورده الغزالي في الوسيط وتعقبه ابن الصلاح فقال: هذا الحديث غير معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من قول بعض السلف، وقال النووي في شرح المهذب: هذا حديث موضوعٌ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وزاد في موضع آخر لم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وليس هو سنة بل بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهور الأصحاب، وإنما قاله ابن القاص وطائفة يسيرة. وتعقَّبَهُ ابنُ الرفعة بأنَّ البغويَّ من أئمة الحديث وقد قال باستحبابه ولا مأخذ لاستحبابه إلا خبر أو أثر؛ لأن هذا لا مجال للقياس فيه. انتهى كلامه. ولعلَّ مستند البغوي في استحباب مسح القفا ما رواه أحمد وأبو داود من حديث طلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ عن أبيه عن جده: أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القَذَالَ وما يليه من مقدَّمِ العنقِ, وإسناده ضعيف كما تقدم، وكلام بعض السلف الذي ذكره ابن الصلاح يحتمل أن يريد به ما رواه أبو عبيد في كتاب الطّهور عن عبد الرحمن بن مهدي عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن موسى بن طلحة قال: (من مسح قفاه مع رأسه وُقِي الغل يوم القيامة). قلت: فيحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفاً فله حُكْمُ الرَّفْعِ؛ لأن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو على هذا مرسل. وقال الشوكاني في السيل الجرار: " لم يثبت في ذلك شيء يوصف بالصحة أو الحسن وقد ذكر ابن حجر في التلخيص أحاديث وهي وإن لم تبلغ درجة الاحتجاج بها فقد أفادت أن لذلك أصلاً، لا كما قال النووي: إن مسح الرقبة بدعة وإن حديثه موضوع، وقال ابن القيم في الهَدْيِ: لم يصح عنه في مسح العنق حديث ألبتة انتهى". ([12]) روى النسائي في سننه الكبرى عن المعتمر بن سليمان قال: سمعت عباداً يعني بن عباد بن علقمة يقول: سمعت أبا مجلز يقول: قال أبو موسى: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأ فسمعته يدعو يقول:( اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي)، قال: فقلت: يا نبي الله لقد سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال: (وهل تَرَكْنَ من شيء؟) ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه أيضاً. صححه النووي في الأذكار، وضعفه الألباني في تمام المنة. ([13]) روى الديلمي في " مسند الفردوس " من طريق أبي عبيدة عن الحسن عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ في إثر وضوئه ((إنا أنزلناه في ليلة القدر)) مرة واحدة كان من الصديقين، ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء، ومن قرأها ثلاثا حشره الله محشر الأنبياء). .قال الألباني في الضعيفة برقم 1449: " لوائح الوضع عليه ظاهرة". وقال ابن حجر في شأن قراءة القدر بعد الوضوء: "لم يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا من قوله، ولا من فعله". ([14]) لم ينصّ الشيخ خطري في المقطع على أنّ وضوءه هذا مسندٌ، وإنما ذكره المعلِّقُ، ولعل الشيخ إنما ذكر لهم فقط أنه تلقاه عن شيوخه، وهم عن شيوخهم، ولم يقصدْ أنّه حديثٌ مسلسلٌ بحسب عرفِ المحدثين. والله أعلم. وعلى هذا الرابط تجدون الفيديو الذي يظهر فيه الشيخ الذي يتوضأ |