الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد |
السبت, 31 أغسطس 2013 13:36 |
صَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ الموافق 29/7/2013 كتاب "الردة عن الحرية" لكاتبه الشيخ الدكتور محمد أحمد الراشد، والكاتب لا يحتاج إلى تعريف، وقد عرفته كتبه التي طبقت الآفاق، فانطلقت تجتاح العوائق رقراقة، تحدد المسار، وتوضح المنهج، وتنفث عبير الوعي وتبشر ببوارق النصر... والكتاب ككاتبه لا يحتاج تقديما، فقد كفى الكاتب كل مقدم مؤنة تقديم الكتاب حين قال فيه: "الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي، وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013، ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة، ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم، ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى، وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب". وكنوع من الإهداء للكتاب "يقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية، مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة، وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين، وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني" والسراج الدعوي يقدم الكتاب لقرائه الكرام في شكل حلقات.. زيادة للإيمان، وتوعية بالواقع.. وزرعا للأمل والعزة الإيمانية في النفوس... قد ننتظر .. واثقين أن الرياح ستدفع شراعَنا ! وبعض هذه الثقة التفاؤلية أستمدها من المعاني العظمى الكامنة في مظاهرات ميدان رابعة العدوية التي بلغت عدة ملايين من الرافضين للانـقلاب العسكري، وملايين أخرى متوزعة في ساحات مدن أخرى بين الإسكندرية إلى أقصى جنوب الصعيد، وهي جماهير واعية ومنضبطة ملتزمة وتحت الإشراف الميداني المباشر لمرشد الإخوان وكل القيادة الإخوانية والسلفية، وبذلك تحققت حالة من السيطرة عالية المستوى جداً، والتفهم لفوائد شرط سلمية الاعتراض وافر جداً أيضاً، مع تعامل إيماني وأخلاقي وذوقي رفيع نادر المثال، والتداول الفكري المعرفي عريض وظاهر وتشارك في صنعه أرهاط عديدة من كبار المثقفين الإسلاميين وأساتذة الجامعات وعلماء الشريعة، والكل يصطف للصلاة الجامعة خمس مرات، ثم يكون التهجّد وقيام الليل، بحيث تطور هذا الاعتصام ليكون أبرع اعتصام سياسي شهدته الأمة الإسلامية في تاريخها الحديث والقديم، وأضخمه وأوعاه، والمشهد يمثل كتلة كبرى يندمج فيها الإيمان بالفقه ثم بفحوى السياسة الشرعية ثم بالمعرفيات والأخلاق، بحيث لم ير مثل ذلك زاهد من رجال التربية القرآنية، لا الفُضيل ولا الجنيد ولا الغزالي، وأيضا: لم ير مثل ذلك فيلسوف كان يحلم بالمثاليات، فها هنا حقيقة بشرية في ميدان رابعة وما هي بخيال، واجتمعت كل المعرفة وتركزت واستقرت في فِناء رابعة، ومن المستحيل على أي طاغية أن يفتت ويلغي هذه الكتلة التي تستند إلى بُنية أساسية عمرها خمس وثمانون سنة من تراكمات السعي الدعوي الشامل والتربية الإسلامية المنهجية، والقلوب متصلة بعشرات ملايين أخرى من الدعاة على نفس المنهج في أرجاء العالم تتضرع إلى الله أن ينصر الله دعاة مصر، هم بين الرباط في أقصى المغرب ومدينة مراوي في جنوب الفلبين شرقاً، وبين تترستان عند سـيـبـيـريا شمالاً وموزمبيق الإفريقية جنوباً، وحتى لو أن دكتاتور مصر الجديد استطاع بقوة السلاح إجلاء الكتلة عن ميدان رابعة وفرّقها: فإن توزعها العريض في أحياء المدن والقرى سيـتـيح مخاطبة القاع الشعبي العميق وتوعيته وقيادته في عمل تغييري توفرت له اليوم التجربة والفكر والإبداع التخطيطي والمساندة الإعلامية، ولا يمكن أبداً أن تتكرر مسلسلات الطغيان السابقة، فقد ألغتها حقائق الحرية التي فطن الناس إلى معناها بعد ذهول ونسيان، وكانت ثورة الخامس والعشرين من يناير منعطفاً تاريخياً في المسيرة السياسية للأمة كلها وليس لمصر فقط، وتوفرت اليوم الشجاعة والإيجابية وأنماط البذل وفداء الروح وفهم ركن النهي عن المنكر في التكوين الإيماني، والاقتحام والتوغّل واستـثمار الفوز الأول هو القناعة الشعبية السائدة الآن، وكانت السكْرة البائدة هي أثر من آثار الصدمة النفسية التي أحدثـتـها حروب الاستعمار والحرب العالمية الأولى، كما إنها نتيجة للخطة التجهيليةالتي عمل بها الطغاة الذين أتاح لهم الاستعمار احتكار الحياة السياسية وغسل مخ ثلاثة أجيال من خلال التعليم المدرسي المنحرف والإعلام المزور، ثم جعل الله تعالى مواعظ الدعوة تتراكم إلى درجة النجاح في إيقاف الهجمة التغريـبـية، فنشأ جيل الصحوة الذي نوى الاستدراك، وبقي دائباً في التربية والتطور حتى فهم الشعب الحقائق فثار، وخدمته المدنية العالمية التي أتاحت له الكومبيوتر والإنترنيت والإيميل والفيس بوك والتويتر والموبايل، وتَقاربَ الزمان والمكان من خلال المخترعات والطائرات والقنوات الفضائية، وصار العالم قرية واحدة، وارتقت ثقافة الطبقة الوسطى التي هي بين المسـتضعفين في الأسفل، والحكام الظلمة الأعلى، فقادت العملية السياسية، وتبدلت المعادلات الميدانية والاحتكارات واسـتـبداد المخابرات، ومازالت المسيرة تدأب نحو التكميل واستثمار المعطيات، والتقدير العقلاني المنطقي يقول بأن المرحلة القادمة هي مرحلة تعميق وترسيخ الحرية وحقوق الإنسان، ومن المستحيل أن يرجع الشعب إلى عهد الضيم والضهدة والاستضعاف والخنوع للطغيان، وكل القرائن تدعو إلى الجزم بأن عهد الملوك والمماليك هو تحت التصفية الجبرية القانونية الدستورية، وأن المستقبل لهذا الدين القيم، كما قالها سيد قطب رحمه الله، ولكنها رفسات المنـتهي نراها. ثم جزء آخر من الثقة نـسـتمده من موقف عقلاء الناس النبلاء الأشراف، أمثال المسـتـشار طارق البِشري، فإنه مع الشرعية، وينكر الانقلاب العسكري، وتكلّم بوضوح، وأمثاله كثرة، وسَفَلة القوم فقط من عبدة الدولار هم الذين يؤيدون الطغيان. ثم كل الثقة تحتل قلب المؤمن حين يقرأ آية (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) وقوله تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)، وليس أقل من مائة آية في القرآن الكريم تتحدث عما يقارب هذه المعاني، ثم الله عادل ورحيم بعباده، ولا يـستـوي عنده المؤمن والفاسق، كما في آية: (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً ؟ لا يستوون) وقد انقسم الشعب إلى سواد عريض من الصالحين وشرذمة من المجرمين والمصلحيين باعت الضمير والدين والمبدأ والذات والعرض وكل شيء بثمن بخس دراهم إماراتـية وريالات معدودة تفنى مهما كبر رقمها، والله تعالى أغير على دينه من أن يدع الشرذمة ترفل بالسلطة وتكون الأكثرية المؤمنة في محنة وضيق وسجون وقتل، ولكنه انتصار وقتي هو سبحانه قرره لحكمةٍ تخفى علينا، ثم يكون تمكين المؤمنين إذا ثـبـتوا، وعلينا أن نقرأ المشهد قراءة قَدَرية، وأن نعتقد أن من تمام فهمنا للدين ومن أقدس واجباتنا الإسلامية: عدم الاسـتـسلام إذا جثم قَدَر الشر، بل ننازعه بقَدَر خيري ونغلبه ونُجليه، وقدر الخير في هذه الحالة تمثله الحرية وأن تكون السلطة بالأيادي العفيفة الطاهرة حتى لو لم تحكم بالإسلام، ولكنها توجِد الظروف والبـيـئة المعينة على عمل دعاة الإسلام بحرية، وتمكينهم من التـبـليغ وتربية الشعب بالتدرج على القِيَم الإيمانية وتعليمه الإيجابية. |