الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (الحلقة الثالثة)
الثلاثاء, 03 سبتمبر 2013 23:37

الشيخ محمد أحمد الراشدالشيخ محمد أحمد الراشدصَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ الموافق 29/7/2013 كتاب "الردة عن الحرية" لكاتبه الشيخ الدكتور محمد أحمد الراشد، والكاتب لا يحتاج إلى تعريف، وقد عرفته كتبه التي طبقت الآفاق، فانطلقت تجتاح العوائق رقراقة، تحدد المسار، وتوضح المنهج، وتنفث عبير الوعي وتبشر ببوارق النصر... والكتاب ككاتبه لا يحتاج تقديما، فقد كفى الكاتب كل مقدم مؤنة تقديم الكتاب حين قال فيه:  "الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي، وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013، ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة، ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم، ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى، وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب".

وكنوع من الإهداء للكتاب "يقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية، مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة، وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين، وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني"

 

والسراج الدعوي يقدم الكتاب لقرائه الكرام في شكل حلقات.. زيادة للإيمان، وتوعية بالواقع.. وزرعا للأمل والعزة الإيمانية في النفوس...

وأنا لا أزعم حتمية الفشل الفوري لانقلاب الجنرال السـيـسي، فربما ينجح بكثرة القتل والسجن والإرهاب من تفريق جموع ميدان رابعة العدوية ويكمم الأفواه، ولكنه لا يستطيع إدامة انتصاره مدة طويلة كما فعل عبد الناصر والأسد وطغاة آخرون، لاختلاف الظرف، ولأن الشعب حصل على جُرعة من الوعي كبيرة من خلال ثورة 25 يناير وثورات الربيع العربي، ولوجود جمهرة قيادية إسلامية عظيمة الحجم تقود الشعب في محاولة التحرر، وآليات الإعلام العالمي خارج مصر تـنقل المشهد ساعة بساعة، وأميركا هي التي تـسـيطر على الموقف داخل مصر لا الجيش، وإنما الجيش آلة مشتراة، والسفيرة الأميركية “باترسون” هي ملكة مصر الحقيقية والرئيسة النافذة الأمر، لا الجنرال السـيـسي الذي هو مجرد عميل ودُمية بيد السفيرة، وأميركا عدو عاقل، فلعلها تُدرك أن استمرار وتيرة الظلم في مصر ليس في صالحها، وتفهم من ضخامة التحرك الإسلامي المعارض ما لا يفهمه السـيـسي، فتأمر بالاستدراك وحلول وسطى هي خير لها من العصف الكامل بمصالحها وأهون من تنامي روح العداء لأميركا، ودوائر القرار الغربي تدرك ما ندركه نحن من “متوالية الطغيان والحرية” في ظواهر حركة الحياة، مما لا يدركه السـيـسي، لغبائه وضحالة مستواه العقلي والتأملي والمعرفي، وفحوى هذه المتوالية أن الطغيان إذا اشـتد جداً: تحركت أشواق الحرية في دواخل الناس فتكون ثورة تنهي الطغيان، حتى إذا رفل الناس بالخيرات والحرية مدة طويلة ضعفت احتياطاتهم، فيـسـتـيـقظ طاغية جديد يـسـتـثـمر غفلة الناس ونسيانهم لذكريات الطغاة، فيتكرر السوء، حتى إذا طال زمنه وزاد البغي: انتفض الناس وثاروا، ثم من بعد مدة يغفلون، وهكذا تـسـتمر هذه المتوالية، لكن مدة الحرية تكون أطول في كل مرة، بتأثير الوعي النامي، حتى يصل الأمر بعد تكررات عديدة إلى استقرار عهد الحرية وانقطاع الظلم، وهذا هو الذي حدث في أوروبا وأصقاع كثيرة، ونظنه هو الذي سيحدث بمصر، ولكن التطور المدني والمخترعات الحديثة والرقميات تـشـتغل لصالح أرهاط الحرية لا لصالح الطغاة، ومُدد الطغيان ستكون أقصر بشكل واضح، وعملنا لو تغلّب السـيـسي على مؤمني رابعة ينبغي أن يكون مع القاع الشعبي في الأسفل، نربيه ونوقظه ونمده بالوعي، حتى الدعاة في أرجاء العالم يمكنهم أن يشاركوا في هذه التربية والتوعية داخل مصر، من خلال الإنـترنـيت والموبايل وأنواع الإسناد التي تصبّ بمصر، وفي هذا تفصيل يتولاه فقه التطوير والتخطيط، وإن معركة الإسلام الكبرى في الأمة الإسلامية ضد الجاهلية والهيمنة الأميركية أصبح محورها مصر، ومنها سـيـنطلق النصر ويمتد، وميدانها هو الميدان.

·ثم القراءة القَدَرية لتطور الأمور في قضية فلسطين وشواهد تشهد باحتمال صحة نبوءة التلمود اليهودي بزوال إسرائيل سنة 2022 للميلاد: توجب أن تكون غزة في خلال هذه السنوات بأيدي المجاهدين من أبطال حماس، لتقود انطلاقة التحرير الكبرى الحاسمة بحول الله، واسـتمرار حكم السـيـسي العسكري يضادد ذلك، لأنه سيعمل على إحياء خطة مبارك الأميركية في حصار غزة أو الهجوم عليها، ولذلك فإن الأقدار سيوجهها الله نحو فشل الحكم العسكري وحصول الحرية ثانية بقيادة الإسلاميـين.

كيف ؟ وبأي طريقة سيكون فشل الانقلاب؟

لا أدري، وإنما أنا موقن بأن ذلك سيحدث بحول الله، وهي حكمة الله وحدها ستدفع الأقدار إلى أن تعمل لحصول هذه النـتـيجة طالما أننا على الإيمان والثبات والبذل. الشرط الوحيد المطلوب منا أن نبقى في الساحة ننازع الطغيان حتى ولو اعتقلوا قادتنا والناشطين منا، فالمفروض أن نواصل المسيرة السـياسـية الاعتراضية التي هي باب من أبوب الجهاد والنهي عن المنكر، وكلما سجنوا قادة: نبغ جيل جديد قيادي من الصف الثاني فيـتصدر ويواصل الموقف الصلب ويـسـتعين بالله أولاً، ثم بالطاقات الإسلامية الكثيرة في أرجاء الأمة الإسلامية بل والعالم كله، وبطاقات الأحرار من غير المسلمين، من خلال تـنـسـيقات وخطط تتولاها قيادات الإسلام في كل قطر لتصبّ في وادي النيل، والجهود الإعلامية في هذا الصدد مهمة جداً، والكتابات، والآداب، والشعر، والإنتاج الفني، والتحليلات السياسية، والمال، وضغوط التويـتـر والفيس بوك والإيميل ورسائل الموبايل، وتحريك جمعيات حقوق الإنسان، والأحزاب الخضراء، والمحاكم الدولية، ومراكز البحوث السـياسـية، وكبار الكتاب والمفكرين والفلاسفة، والبرلمانـيـن، ورموز التحرر في كل شعب، ويكون كل ذلك في كل العالم.

·وآية (وتلك الأيام نداولها بين الناس) تـشـهد لفحوى متوالية الطغيان والحرية التي ذكرناها، واسـتعراض تواريخ الأمم فيه شواهد كثـيرة أيضاً، والإنسانُ في هذا المجال مخيّر لا مُسـيّـر، وفي الحالتـين هو بقدر الله يتحرك، أي أن الخيار بيدنا، إن نَـشأ نخنع، فيَكرهنا الله ويعاقبنا بطول جثمة الظلم، أو إن نَـشأ نـنـتفض ونطالب بالحرية ونجهر في الميادين برفض الطاغية، فنكون أقرب إلى احتمال نزول رحمة الله وتأيـيد الملائكة لنا وتزلزُل الحكم الاسـتـبدادي، وهذا الموقف مطلوب من كل مسلم ومن كل حر من أبناء الشعب وإن كان نصرانياً أو بوذياً، وليس هو واجب دعاة الإسلام فقط، بل الدعاة هم القادة، والدخول في الحشد المعارض هو واجب كل فرد، ويكون أداؤه لهذا الواجب بنفسٍ سمحة، ومن أصوب ما قرأت في التويـتر أن البعض صار يقول: مع أني أختلف مع مبادئ الإخوان إلا أني ضد الانقلاب أيضاً،  وهو لا يدري ما هو خلافه مع الإخوان، ولو تأمل لأدرك أنه لا يـسـتطيع أن يزعم تعيـيـن شيء يختلف مبدؤه عن مبادئ الإخوان، فإن الإخوان يدعون إلى كل الإسلام، وإلى العدل والتـنمية والتعاون وأجمل الأخلاق وصلة الرحم ونصرة المظلوم وإغاثة اللهفان، وإلى كل مصلحة تعارف عليها البَـشر أنها من صفات النـبل والمروءة، فمع أي خصلة من هذه الخصال الخيرية هو يختلف ؟ لا شيء، ولكن الشيطان يحاول تخذيل عباد الله عن العمل الصالح التعاوني، ولم يـشـتـرط الإخوان على كل أحد أن يدخل صفوفهم ليتعاونوا معه، بل هم مفتوحون إزاء مبادرات كل نـبـيل يريد منفعة الناس والحفاظ على القِيَم والإخلاص للبلد، ولم يزعموا أنهم هم المسلمون فقط، بل شعارهم المشهور أنهم (دعاة لا قضاة)، وأنهم جزء من الأمة الإسلامية، ولكنه جزء امتاز بتداول العلم وممارسة التـربـية وتـنظيم الأعضاء وتخطيط العمل، فأصبح مؤهلاً بذلك لقيادة بقية المسلمين، وهذه نـتـيجة طبـيعية لحيازة تلك المزايا، فصاحب العلم في عرف كل الأمم يقود مَن لم يتعلم، والمنـتـظم أكفأ من السائب، والملتزم بتخطيطٍ أفضل من أصحاب الارتجال، فأين الغرابة، ولماذا يـسـتـنـكف مؤمن جاد يريد نهضة الأمة وزوال الطغيان من أن يقوده الإخوان ؟ لا شيء في الحقيقة، وإنما هي شـبهات يُلقيها الشيطان ليصد البعض عن تحصيل أجر المعاونة في رفع الظلم.

أما وجود احتمال قتل لو سلك المؤمن درب المطالبة بالحرية: فهذا لا يتقصده الإخوان، وهم أبرياء في قيادتهم من التهوّر والاستعجال والمغامرة، ولكنها هكذا هي الطواغيت، تقتل عشاق الحرية، وهي المسؤولة عن هذا الإثم لا الإخوان، ولكن شعوب العالم كلها قد تعارفت على دفع ضريـبة دم إذا أرادت الحرية، وكل أُمة ناهضة متقدمة الحال نراها اليوم في قوة ومكانة عزيزة: سبق لها أن دفعت هذه الضريـبة وبـسخاء، والأمم الضعيفة الآن هي التي خنعت واسـتـثقلت دفع تلك الضريبة، فلبـث فيها الطغيان، فضمر الإنـتاج وانعدمت التـنمية وتاهت فضعفت، والمفروض أن يكون كل فرد من الشعب باذلاً لنفسه في ميدان منازعة الطواغيت، لا بدافع الإسلام فقط، بل بالدافع الإنساني العام أيضاً، والذين يخنعون هم أنانيون في الحقيقة، لأنه يرى نفسه في رفاهية ولا يحاول تخليص الملايـين من الفقراء والمسـتضعفين، وهؤلاءالمواطنون في دول الخليج اعتدنا أن نسمع منهم في التويـتـر قولهم: نحن بخير، وآل نهيان عمرونا بالفضل، وآل سعود، وآل الصباح، فلا تتدخلوا في أمرنا. فنقول لهم: هذه أنانية وبقية جاهلية، فإن كنتَ في رفاهية: فما بال عشرات الملايـين من الفقراء بمصر وغيرها، ولماذا لا تعمل على الارتقاء بحالهم وتوفير الحرية لهم إن كنت مؤمناً حقاً، والمسلم أخو المسلم ؟ ولماذا لا تنكر على حكومتك إرسالها البلايين الكثيرة لعصابات الضباط الذين بدلوا واجب جيوشهم من تحرير فلسطين إلى حماية العروش ؟

 

 

يتواصل................

الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (الحلقة الثالثة)

السراج TV