إشكال مخرج حرف الضاد(2)/أحمد سالم ولد زياد
الاثنين, 02 سبتمبر 2013 09:27

altalt

وصلتني هذه الرسالة من صديقنا وحبيبنا المكي، "أبو عبد الله الجعفري":أخي حفظك الله أفدنا في كيفية النطق بـ (الضاد) حيث إنها تخرج من طرف اللسان مع ما يليه من اﻷضراس أو نقول :من إحدى حافتي اللسان مع ما يليه من اﻷضراس وبعض أهل اﻷداء يقول لولا اختلاف المخرج لكانت ( الضاد) ظاء خالصة وعلى هذه المقولة فإن الضاد التي نقرأ بها في المشرق ليست هي التي وصفها أهل اﻷداء أفيدوني مشكورين...."

كيف ننطقُ بالضاد الظائية؟ (أي، الضاد التي تُخرجُ من صوتِ الظاء وتشبه صوتها).

كالعادة، يندفع الهواء من الرئتين، فيعترضه ظهر اللسان عند أطراف الثنايا العليا، دون أن يعتمد اللسان على الأسنان اعتمادا كليا يمنع جريان الصوتِ، فيتولد من هذا الاحتكاك ظاءٌ خالصة أو صوتٌ قريبٌ منها..

وليستْ هذه الضاد أسعد حظا من سابقتها؛ والأدهى أن البعض يعتقد أنها الأفصح. معَ أنها لم تأت اتفاقا من مخرجها..

وأقدمُ بين يديك سيدي القارئ الكريم- أهم بحث وقع تحتَ يدي عن الضاد والظاء وتاريخهما، لعالم من علماء اللغة العربية الكبار.

(مشكلة الضاد العربية وتراث الضاد والظاء)

للأستاذ الدكتور رمضان عبد التوابرئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة عين شمس رحمه الله تعالى )

 

مستل من المجلد الحادي والعشرين من مجلة المجمع العلمي العراقي - مطبعة المجمع العلمي العراقي - 1391 هـ ـ 1971 م

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )

تخلط بعض الشعوب العربية بين صوتي الضاد والظاء خلطاً كبيرًا في النطق والكتابة ، كما هو الحال في بعض بلاد العراق وشمالي أفريقيا . وليسصوت الضاد الشائع في مصر وبلاد الشام بأسعد من صنوه في العراق وبلاد المغرب ؛ إذ أنه تطور في اتجاه آخر من صوت الضاد القديم ، وإن لم يختلط هنا بصوت الظاء ، كما حدث في تلك البلاد .

فالضاد التي ننطقها الآن في مصر ، عبارة عن صوت أسناني لثوي انفجاري ( شديد ) مجهور مفخم ، ينطق بأن تلتصق مقدمة اللسان باللثة والأسنان العليا التصاقا يمنع مرور الهواء الخارج من الرئتين ، كما ترتفع اللهاة والجزء الخلفي من سقف الحلق ( وهو المسمى بالطبق ) ليسد التجويف الأنفي ، في الوقت الذي تتذبذب فيه الأوتار الصوتية ، وترتفع مؤخرة اللسان قليلاً نحو الطبق ، ثم تزال هذه السدود فجأة ، فيندفع الهواء المحبوس إلى الخارج ، فنسمع صوت الضاد.

والضاد بهذا الشكل ، تعدّ المقابل المطبق ، أو بعبارة أخرى المقابل المفخم لصوت الدال . غير أننا إذا نظرنا إلى وصف القدماء لها ، من النحويين واللغويين وعلماء القراءات . عرفنا أن الضاد القديمة تختلف عن الضاد التي ننطقها الآن ، في أمرين جوهريين :

أولهما : أن الضاد القديمة ليس مخرجها الأسنان واللثة ،بل حافة اللسان أو جانبه .

وثانيهما : أنها لم تكن انفجارية شديدة ،بل كانت صوتاً احتكاكياً رخواً فقد عدّها الخليل بن أحمد في حيز الجيم والشين ، وهما من الأصوات الغارية ، التي تخرج من الغار وهو سقف الحنك الصلب ، فقال في كتاب العين ( 1/ 64 ) وهو يذكر أحياز الحروف ( ثم الجيم والشين والضاد في حيز واحد )كما يقول سيبويه في الكتاب (2 : 405 / 8 ) : ( ومن بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الضاد ) . ويوضح ذلك المبرد ، فيقول في كتاب المقتضب (1 / 193 ) : ( ومخرجها من الشدق ، فبعض الناس تجري له في الأيمن ، وبعضهم تجري له في الأيسر ) ، كما يقول ابن جني في سر صناعة الإعراب ( 1 / 52 ) : ( ومن أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد ، إلا أنك إن شئت تكلفتها من الجانب الأيمن ، وإن شئت من الجانب الأيسر ) .

يتضح من هذه النصوص الفرق بين الضاد القديمة والضاد التي ننطقها الآن :

الفرق الأول : أنها كانت جانبية ، وليست أسنانية لثوية .

أما الفرق الثاني : هو أنها لم تكن انفجارية ، بل احتكاكية أو رخوة ، فيتضح من قول سيبويه ( 1 : 406 / 3 ) في تقسيم الحروف : ( ومنها الرخوة وهي : الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والضاد والزاي والسين والظاء والثاء والذال والفاء ) . ومعنى الاحتكاك أو الرخاوة هنا أن الهواء يتسرب عند النطق بالصوت محتكاً بنقطة تضييق في مجراه ، بعكس الانفجار أو الشدة ؛ إذ يقوم عائق أو سد في مجرى الهواء عند مخرج الصوت ، ثم يزول هذا العائق فجأة فيخرج الهواء مندفعاً فيحدث الصوت .

وقد عرفنا من قبل أن الضاد التي ننطقها اليوم في مصر ، هي المقابل المطبق أو المفخم للدال ، فالدال صوت ينطق بنفس الطريقة التي ينطق بها صوت الضاد ، مع فارق واحد ، وهو أن مؤخرة اللسان ترتفع قليلاً في اتجاه الطبق عند نطق الضاد ، ولا يحدث مثل ذلك مع الدال . أما الضاد القديمة ، فلا يقابلها شئ من الأصوات ؛ إذ يقول سيبويه (2 : 406 / 23 ) : ( ولولا الإطباق . . لخرجت الضاد من الكلام ؛ لأنه ليس شئ من موضعها غيرها ) .

[/SIZE]

وعلى هذا فالضاد التي ننطقها اليوم ، ليست هي الضاد

القديمة التي كانت عند العرب القدماء ، وإنما هي تطور عنها

ولنسمع في هذه الضاد القديمة آراء بعض العلماء :

يقول المستشرق ( شاده ) "" عن سيبويه إنه ( عدّ من الرخوة حرفاً خرج منها بعده في كثير من اللهجات العربية وهو الضاد ، فإنها ليست الآن من الرخوة إلا من لفظ من قال : ضرب مثلاً بضاد جانبية المخرج ،

وأما في النطق المعتاد في مصر ، يعني بضاد مقدمة المخرج ، فقد لحقت فيه الشديدة )

ويقول المستشرق ( برجشتراسر ) "" : ( أما الضاد فهي الآن شديدة عند أكثر أهل المدن ، وهي رخوة ( عند القدماء ) كما هي الآن عند أكثر البدو ، ومع ذلك فليس لفظها البدوي الحاضر نفس لفظها العتيق ؛ لأن مخرج الضاد ( عند القدماء ) من حافة اللسان . ومن القدماء من يقول : من جانبه الأيسر ، ومنهم من يقول : من الأيمن ، ومنهم من يقول : من كليهما؛ فمخرجها قريب من مخرج اللام من بعض الوجوه .

والفرق بينهما هو : أن الضاد من الحروف المطبقة كالصاد وأنها من ذوات الدويّ ، واللام غير مطبقة صوتية محضة ؛ فالضاد العتيقة حرف غريب جداً غير موجود _ حسبما أعرف _ في لغة من اللغات إلا العربية ، ولذلك كانوا يكنون عن العرب بالناطقين بالضاد . ويغلب على ظني أن النطق العتيق للضاد لا يوجد الآن عند أحد من العرب ، غير أن للضاد نطقاً قريباً منه جداً عند أهل حضرموت ، وهو كاللام المطبقة . ويظهر أن الأندلسيين كانوا ينطقون الضاد مثل ذلك ؛ ولذلك استبدلها الأسبان بصوت IDفي الكلمات العربية المستعارة في لغتهم ، مثال ذلك أن كلمة ( القاضي ) صارت في الأسبانية : alcaideومما يدل أيضاً على أن الضاد كانت في نطقها قريبة من اللام أن الزمخشريّ ذكر في كتابه ( المفصل ) أن بعض العرب تقول : ( الطجع ) بدل : ( اضطجع ) . ونشأ نطق الضاد عند البدو من نطقها العتيق بتغيير مخرجها من حافة اللسان إلى طرفه .

ونطقها عند أهل المدن نشأ من هذا النطق البدوي ؛ بإعماد طرف اللسان على الفك الأعلى ، بدل تقريبه منه فقط ، فصار الحرف بذلك في نطقه شديداً ، بعد أن كان رخواً .

 

 

يتواصل.............ز

إشكال مخرج حرف الضاد(2)/أحمد سالم ولد زياد

السراج TV