الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (الحلقة الرابعة)
الخميس, 05 سبتمبر 2013 16:43

الأستاذ الشيخ محمد أحمد الراشدالأستاذ الشيخ محمد أحمد الراشد

صَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ الموافق 29/7/2013 كتاب "الردة عن الحرية" لكاتبه الشيخ الدكتور محمد أحمد الراشد، والكاتب لا يحتاج إلى تعريف، وقد عرفته كتبه التي طبقت الآفاق، فانطلقت تجتاح العوائق رقراقة، تحدد المسار، وتوضح المنهج، وتنفث عبير الوعي وتبشر ببوارق النصر... والكتاب ككاتبه لا يحتاج تقديما، فقد كفى الكاتب كل مقدم مؤنة تقديم الكتاب حين قال فيه:  "الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي، وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013، ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة، ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم، ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى، وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب".

وكنوع من الإهداء للكتاب "يقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية، مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة، وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين، وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني"

والسراج الدعوي يقدم الكتاب لقرائه الكرام في شكل حلقات.. زيادة للإيمان، وتوعية بالواقع.. وزرعا للأمل والعزة الإيمانية في النفوس...

أقول: ومما يضاعف وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم: أن الأمر خرج عن حدود الخلاف السـياسي وحصلت مجزرة أمام مقر الحرس الجمهوري عدد ضحاياها في حدود الخمسين في بعض التقديرات، أو حدود السبعين في رواية الإخوان، مع أكثر من ألف جريح، ولكنّ عدد الضحايا ارتفع في يوم 12/7/2013 إلى مائة وثلاثة، لموت بعض الجرحى، والتقى الإعلامي أحمد منصور بمجموعة من أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء تم الإفراج عنهم بعد اعتقالهم أياماً، فأفادوا بأنهم تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب التي هي فوق الخيال، ثم حدثت مجزرة رابعة العدوية التي اسـتـشهد فيها مائة وخمس وثلاثون وجرح أربعة آلاف وخمسمائة، ومجزرة مسجد القائد إبراهيم بالاسكندرية، وهذا وصفٌ يجعل الطاغية الجديد بمصر أسوأ وأردأ العهود الطغيانية الحديثة في العالم العربي، لأن هذه البداية تحوي نبأ نهاية دموية أيضاً، مع دماء على طول الطريق، ولا يفوقه غير القذافي في دمويته حين قَتَل أكثر من ألفٍ ومائة قتيل في حادثة سجن بو سليم.

فراجع نفسك أيها المواطن المصري السلبي الذي لم ينضم إلى مظاهرات النكير الإسلامي على الظلم الطغياني، وراجع نفسك أيضاً أيها الخليجي السلبي الذي لم يدرك بعد جريمة حكومته في صنع الانقلاب العسكري بمصر.

إن انضمام السلبـيـين إلى تيار رفض الطغيان سـيـبدل المعادلة ويلغي تفوق العسكر، فإذا حصلت انتخابات حرة لا تزوير فيها: فإن الأغلبية سـتـنحاز إلى الشرعية والحرية ويرجع الرئيس المخطوف مرسي إلى الحكم، أو ثقة على شاكلته، ويكفي الله المؤمنين مزيد قتال. وإذا كان تزوير: يلبث عشاق الحرية هم الأقوى أيضاً، لأنهم هم القاع الشعبي العريض الذي يواصل الإباء حتى يتحقق فرج بعد هذه الشدة.

·وقد عصفت بدواخلي العواطف المرسوية، فكانت قصيدة من بحر مجزوء الرَمَل نظمتُها متغنياً بفضائل ومناقب الرئيس القرآني الأمين، ومقتـبـساً وزن (طلع البدر علينا) وما في ذاك الطلوع من بركة وتـشريف، وقلت:

طلــــــــــــعَ البـــــــــدرُ علينــــــا

لامعــــــــــــــاً مثــــــــل اللآلـــي

شــــــاكراً مُرسي كثيــــــــراً

صـــــــاعــــــداً نـحو المعالـي

أيـــــها الـمرسي اللبـيــبُ

أنــــتَ حُـــــرُّ ابــن حَلالِ

أنتَ عَدْلٌ، أنت كفؤٌ

أنــــــــت مَــــــــلّاء ُالـمجالِ

ثِـــــــــــق بشعـبٍ نَثَــرَ الأشــــواقَ في دربِ الخيالِ

مِصـــــــــرُ والإسلامُ والإيـمـــــانُ:ضُمّانُ الـمـــآلِ

حيــــث نَصُّ اللهِ والـمُرسَـــــــلِ دينـــي وابــتهالـــــــي

فَهمُكَ الصارمُ: فقـــــــهٌ

صــــــــار نـجمي وهلالــي

رادفـــــاً نــــــهضةَ شعـــــبٍ

قد نـــوى صُنــــعَ الـمثالِ

السيـــــــــاســــاتُ تعاطــــت

لَعِبــــــاً واطــــــــي الفِعــــــــالِ

حِينَ حَسّت مُرسيا يرســـــــم أبعــــــــــــادَ الجَمــــــالِ

الـــمــــــوازيــــــــــــن عِــــــــــــــواجٌ

ســــــاقهــــــــا نـحــوَ اعتدالِ

علَّمــــــوا الناسَ القطيـعةْ

رَدّهـــــم صَوبَ الوِصــالِ

أدْخَـــلوا الشعـــبَ متاهاً

دَلَّــــهُــــم نَـجــــــمَ الشِمالِ

وســـقــى رُوحَ عِطــــــــــــاشٍ

بــــــــــــرحـــــــــــــــــــيــــــــــــــقٍ وزُلالِ

قُل لِنيلي: حُبُّ مُرسي

يَـــــــرْوِيَـــــــــنْ حَبَّ الخِـلالِ

جاهــليـــــات السياساتِ

تـــــــنــــــــــادتْ لِـــــــــــــقِتـــــــالـــي

بِــــــــــــعْ إلى الـــــــــــروحِ نقاءً

رُصَّ صَـــــفــــــــــــــاً لِـــــنِـــــــزالِ

صُـــن شُـموخاً غَمَر اسـتـــــعلاءَ قــاماتِ الجبـــالِ

نَـهجُــنا: وَعـــيُ شــــــروطٍ

ثُــــــــمَّ صُـــــــنْــــــعٍ لــلـــرجــــالِ

دعوتـــــــي: عَـــــزْمٌ وصَبْـــــرٌ

عنــدَ ساعاتِ السِّجالِ

طــــــــــوِّر الصفـــــــوةَ تظفــــرْ

بـــــقوىً تَـــــــــــرْعى كَــلالـي

ذي وصـــــايا (سَــــــيّـــــــــــدٍ)

رَبّــــــــــاه قُـــــــــرآن الظِــــــلالِ

بـــــيعتــــي جَزْمٌ، أُطيعُ الأمـــــــــر يــــا زيـــنَ الخِصالِ

يا بليغَ الحَرفِ وازي (الثبتَ) في صــــــــوغِ الـمَقالِ

إنّــــــك الطلـــــــــقُ الطليـــــقُ

قـــــــــــوِّ يُــمنــــى بـــــشِمـــــالِ

نـافــِسَـنْ، إجـمعْ لصوتٍ

تَـتَــــــرجّـــــحْ في الصِّيــــــــــالِ

لا تُرَعْ، واسـتـشهِدِ الصــوت تَـنَــــــلْــــــــهُ بالــــــــــدَلالِ

إقتَــــحِمْ: أنت لـهــــــا، في يــــــــــومِ حَـسْــــمٍ وانـــــتـــثالِ

 

                                                                                 

o       الانـتــثال: استخراجُ النبل من الكنانة ونثرها اسـتعداداً للرمي والقتال. كذا في ترتيب القاموس المحيط/1581

o       الثـبت: هو ثابت بن قيس بن شمّاس رضي الله عنه، خطيبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

o       وفي ترتيب القاموس/958: (صاوَلَهُ مصاولةً وصِيالاً وصِيالةً: واثَبَه).

o       وفي ترتيب القاموس/888: الشِمال، بكسر الشين: ضد اليمين.

o       وفي ترتيب القاموس/716: الماء الزُلال: (البارد العذب الصافي السهل السلِس).

·والمعنى في القصيدة: أن شعب مصر في حالته الطبـيعية رقيق العواطف، جمالي الأحلام والتمنيات والرؤى، ولذلك هو يـنـثر الأشواق الصادقة دوماً ويميل بالفطرة النقية إلى الثقة الأمين المؤمن، وأما ما حصل من اضطراب فهو نشاز بـسـبب خُطة صُرفت فيها الأموال لتجييش المجرمين والنكرات، وفي كل قوم رهط لا مبادئ لهم، وخوف اليهود من إسلامٍ يـتمكن بمصر وغيرها دعاهم إلى تحريك النفوذ الأميركي ليضرب ضربته، وأما عموم الشعب فهو من السوء بريء، ونحن نـثق به، وضمانُنا: عمق الروح الإيمانية السارية بمصر، والقناعة بتحكيم الشريعة، ومن ذلك انطلق مرسي، صارماً في فقهه، ناوياً تحقيق تنميةٍ قد عشق الشعبُ صورتَها المثالية التي تخيّلها لواذاً ببعض التأنـيـس الذي يداوي الوحشة التي جثمت عليه طويلاً، لكن السياسات الخفية الصهيونية الأميركية النفطية لعبت لعبـتها حين رأت مُرسياً يفهم السبيل إلى تحقيق الأبعاد الجمالية، وصار الدليلَ في مسيرة الشعب الطَموح، وروى الظمأ، وكان واضحاً أنه قد عرف طريق التطور الذي يمر بصناعة الرجال الذين يختارهم من الصفوة المتميزة الذكية، والذين سـيعالجون كَلالَ مصرَ وضعفها، فكانت بلوى القمع الذي يـنـبغي أن لا يروعنا ولا يُجفل مرسي، لأنه يـسـتطيع المضي في ثقته بشعب مصر الذي غمرته الصحوة، فيـسـتأنف المنافسة وجمع الأصوات، ويقتحم ثانية، فإن معظم عقلاء مصر ومَن يفهم التـنمية معه، وقد تـبـيّن لهم الحق وكرهوا الفساد والطغيان وقرروا استجلاب البركة الربانية على مصر بمزيد من الإيمان، وإذا منع الجنرالاتُ الإخوانَ من الترشيح، أو زوّروا النتائج الانـتخابـية: فإن ردود الفعل الشعبية سـتظل تـتفاقم وتـتـسع في أوساط الأمة الإسلامية كلها حتى تصل إلى درجة ثورة أخرى وسـتكون أضخم من الأولى وأسرع وأوعى، والانقلاب نقلنا إلى خريفٍ من بعد الربيع العربي، وسيكون هناك شتاء جاهلي شديد، ثم بعد كل شتاء ربيع جديد مُزهر.

وأنا لست بذاهلٍ عن أن الانقلابـيـين سيحاولون منع الإخوان من الترشـيح، وإذا سمحوا لهم تحت ضغوط دولية فإن التـزوير سـيمنعهم من الفوز، ولكني ذكرت محاولة جمع مرسي للأصوات في الانـتخابات في قصيدتي إمعاناً ومبالغة في تـثـبـيـت نمطنا السلمي في المعارضة، الذي هو الأجدى في الظرف الحالي، وقراءة الساحة والواقعة تجعلنا نحرص على تفويت فرصة الانقلابـيـين باتهامنا بالإرهاب كي يكون اسـتـئصالنا.

 

 

 

يتواصل................ (وفي الحلقة القادمة الحديث عن الوجه الأمريكي للانقلاب)

الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (الحلقة الرابعة)

السراج TV