إشكال مخرج حرف الضاد(3)/أحمد سالم ولد زياد
الخميس, 05 سبتمبر 2013 11:02

وصلتني هذه الرسالة من صديقنا وحبيبنا المكي، "أبو عبد الله الجعفري":أخي حفظك الله أفدنا في كيفية النطق بـ (الضاد) حيث إنها تخرج من طرف اللسان مع ما يليه من اﻷضراس أو نقول :من إحدى حافتي اللسان مع ما يليه من اﻷضراس وبعض أهل اﻷداء يقول لولا اختلاف المخرج لكانت ( الضاد) ظاء خالصة وعلى هذه المقولة فإن الضاد التي نقرأ بها في المشرق ليست هي التي وصفها أهل اﻷداء أفيدوني مشكورين...."

ويرى ( كانتينو ) "" : أن ( النطق القديم كان (( ظْ لْ )) أي ظاء ذات زائدة انحرافية ، أي بتقريب طرف اللسان من الثنايا ، كما في النطق بالظاء ، وبأن يجري النفس لا من طرف اللسان ، بل ومن جانبيه أيضاً ) . كما يقول المستشرق ( هنري فليش ) "" : ( ولقد كان العرب يتباهون بنطقهم الخاص لصوت الضاد ، وهو عبارة عن صوت مفخم ، يحتمل أنه كان ظاء جانبية ، أي أنه كان يجمع الظاء واللام في ظاهرة واحدة . وقد اختفى هذا الصوت ، فلم يعد يسمع في العالم العربي ، وأصبح بصفة عامة صوتاً انفجاريا ، هو مطبق الدال ، وإما صوتاً أسنانياً هو الظاء ) .

وأخيراً يرى الدكتور إبراهيم أنيس"" أنه ( يستدل من وصف القدماء لهذا الصوت على أن الضاد كما وصفها الخليل ومنْ نَحَوْ نَحْوَه ، تخالف تلك الضاد التي ننطق بها الآن فالضاد الأصلية : كما وصفت في كتب القراءات ، أقل شدة مما ننطق بها الآن ، إذ معها ينفصل العضوان المكونان للنطق انفصالاً بطيئاً نسبياً ، ترتب عليه أن حل محل الإنفجار الفجائي انفجار بطئ ، نلحظ معه مرحلة انتقال بين هذا النوع من الأصوات وما يليه من صوت لين ، فإذا نطق بالضاد القديمة وقد وليتها فتحة مثلاً ، أحسسنا بمرحلة انتقال بين الصوتين ، تميز فيها كل منهما تميزاً كاملاً . هذا إلى أن الضاد ، كما وصفها القدماء ، كانت تتكون بمرور الهواء بالحنجرة ، فيحرك الوترين الصوتيين ، ثم يتخذ مجراه في الحلق والفم ، غير أن مجراه في الفم جانبي ـ عن يسار الفم عند أكثر الرواة ، أو عن يمينه عند بعضهم ، أو من كلا الجانبين ، كما يستفاد من كلام سيبويه . . . والذي نستطيع تأكيده هنا ، هو أن الضاد القديمة قد أصابها بعض التطور حتى صارت إلى ما نعهده لها من نطق في مصر . . ولا يزال العراقيون حتى الآن وبعض البدو ينطقون بنوع من الضاد يشبه إلى حدّ ما الظاء كما يشبه إلى حد كبير ذلك الوصف الذي رويّ لنا عن الضاد القديمة . والذين مارسوا التعليم في بلاد العراق يذكرون كيف يخلط التلاميذ هناك بين الظاء والضاد . والضاد القديمة ـ كما أتخيلها ـ يمكن النطق بها بأن يبدأ المرء بالضاد الحديثة ثم ينهي نطقه بالظاء ، فهي إذن مرحلة وسطى ، فيها شئ من شدة

الضاد الحديثة ، وشئ من رخاوة الظاء العربية ؛ ولذلك يعدها القدماء من الأصوات الرخوة ) .

هذه هي بعض الآراء التي قيلت في الضاد العربية القديمة . ويبدو من وصف القدماء لها ، ومن تطورها في بعض اللهجات واللغات ، أنها كانت لاماً مطبقة ، كما يقول برجشتراسر ، كما يبدو أنه كان فيها بعض الشبه بالظاء والضاد الحديثة ، وإلا ما تطورت في اتجاه كل واحد من هذين الصوتين في اللهجات العربية الحديثة .

أما ما ذهب إليه الدكتور كمال بشر"" من احتمال أن يكون القدماء قد ( وصفوا الضاد المولدة ، لا الضاد العربية الأصلية ) ، وترجيحه هذا الاحتمال بقوله : ( ربما لكثرة استعمال هذا الصوت وشيوعه على الألسنة عند قيام حركة التأليف اللغوي ) ـ فقد بنى مذهبه هذا على نص مُصَحَفْ في الترجمة العربية لكتاب ( العربية ) للمستشرق يوهان فك ( ص 102 / 9 ) وهو ( كما يتعلق بهذا أيضاً تغيير حرف الضاد ، وهذا الصوت الذي هو في أصله الحرف المطبق القسيم للدال ، خاص بالعربية ) . هذا النص يفهم منه أن الضاد في الأصل هي النظير المفخم للدال ، أي أنها حينئذ ـ كما يقول الدكتور بشر ( كانت تشبه ضادنا الحالية أو هي هي ) . غير أن الترجمة العربية بها تصحيف في هذا الموضع للأسف ، كما في الأصل الألماني ( Arabiya,S.58,35) : ( الحرف المطبق القسيم للذال ) . وقد حدث مثل هذا التصحيف مرة أخرى في الترجمة العربية ( 103 / 2 ) :( كالدال المفخمة ). وصوابه كما في الأصل الألماني Arabiya,S.58,35)) ( كالذال المفخمة) .

وإذا نظرنا إلى اللغات السامية ، وجدنا أن الضاد العربية تقابل صاداً في اللغة الأكادية والأوجاريتية والعبرية ؛ فكلمة ( أرض ) في العربية ، تقابل كلمة ersetuفي الأكادية ، وكلمة arsفي الأوجاريتية ، وكلمة eresفي العبرية . كما تقابل الضاد غيناً في السريانية مثل ar aبمعنى ( أرض ) كذلك . ولم تبق ضاداً إلا في العربية الشمالية والعربية الجنوبية ( السبئية والمعينية ) والحبشية ، مثل كلمة rdفي العربية الجنوبية بمعنى ( أرض ) كذلك "" . وكلمة : dahnyبمعنى ( الشمس ـ الضحى ) في الحبشية "" .

وتقول ( مارية هنفر "") : إن هذه الضاد احتكاكية في الحبشة ، ولابد أنها كانت كذلك في العربية الجنوبية . والدليل على صحة ذلك ورود بعض الكلمات التي كتبت بالضاد في بعض النقوش ، وبالزاي في بعضها الآخر ، فلو كانت هذه الضاد انفجارية ، لما التبست على الكاتب إطلاقاً ، فدلت كتابته إياها بصورة الزاي على أنها كانت احتكاكية .

وإذا كانت الضاد بهذه الصورة توجد في بعض اللغات السامية كما رأينا ، كان من التجوز قول ابن جني : ( واعلم أن الضاد للعرب خاصة ، ولا يوجد من كلام العجم إلا في القليل "" ) .

أما السر في إطلاق ( لغة الضاد ) على اللغة العربية ، فإنه يكمن لي أن هذه الضاد كانت مشكلة عويصة بالنسبة لمن يريد أن يتعلم العربية من الأعاجم . ويقول الدكتور إبراهيم أنيس : ( يظهر أن الضاد القديمة كانت عصية النطق على أهالي الأقطار التي فتحها العرب ، أو حتى على بعض القبائل العربية في شبه الجزيرة ، مما يفسر تلك التسمية القديمة (( لغة الضاد )) كما يظهر أن النطق القديم بالضاد ، كان إحدى خصائص لهجة قريش "" ).

 

 

 

 

 

 

 

 

يتواصل........................

إشكال مخرج حرف الضاد(3)/أحمد سالم ولد زياد

السراج TV