الحركة الإسلامية وضرورة المراجعة/نور الدين قربال |
الجمعة, 06 سبتمبر 2013 03:50 |
يقصد بالحركة الإسلامية بمفهومها العام، هي تلك الحركية التاريخية ، والزمكانية لمنظومة الإسلام. في إطار التفاعل الايجابي بين أحكام الشرع والمقاصد العامة للشريعة. هذا بصفة عامة، أما إذا أردنا أن ندقق المفهوم انطلاقا من حقل "الإسلام السياسي". فإن الحركة الإسلامية هي التنظيمات التي تريد المساهمة في الإصلاح ، بعد انهيار الأمة حضاريا أمام تقدم الآخرين.انطلاقا من المرجعية الإسلامية. وكون البون أصبح شاسعا بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى، من حيث الحضور المدني، والسياسي، والقيمي...فإن مقاربات هذا البناء تنوعت وفي نفس الوقت تشكلت، وهذا راجع إلى تباين المرجعيات. ولكن الإشكال هو أن داخل المرجعية الواحدة هناك تباين في المقاربات. مما خلق تشويشات، والذي سأركز عليه في هذه المواضيع الهيآت المدنية والسياسية التي تطرح مشروعها الإصلاحي انطلاقا من المرجعية الإسلامية. ومن أجل مقاربة هذا الموضوع الشائك والمتشعب فسأعتمد منهجية طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها منطلقين من اجتهادات فكرية وسياسية... لماذا المراجعة؟ يقول أهل المنطق بأن المناسبة شرط، وكون الربيع الديمقراطي مشروعا وأفقا، بدأ يضع قدماه في منطقتنا العربية، خاصة وأن فصائل الحركة الإسلامية التي آمنت بالمشاركة السياسية، لها أدوار رئيسية في البناء الديمقراطي. وهذا أمر غير سهل، لاعتبارات متعددة أهمها وجودها اليوم في المواقع المتقدمة سياسيا واجتماعيا...هذا لايعني تضخيم الذات ولكنه الواقع المعيش.إضافة إلى دقة الملاءمة بين الخصوصية الإسلامية والثقافة الكونية حيث يحتل المشترك مكانة مهمة ، تساعد على التعايش. وقد لاتكون كل الحركات الإسلامية على خط واحد من هذا الاختيار. ومنطق الأمور يقتضي التجديد الدائم خاصة على المستوى السياسي. لأن هذا المجال خال من القطع. وبمجرد الإعلان على انطلاق المرحلة الانتقالية، تفرض علينا المراجعة ، من أجل ضمان الاستمرارية. وهذه المراجعة ليست عامة بل يلعب الواقع المعيش للبلد الدور المركزي في بلورتها, ومن أهم معالمها التحرر من الذات نسبيا من أجل البحث عن المشترك. وأن نعتبر الوصول إلى السلطة ليس آلية من أجل فرض المكونات المعرفية للذات دون استحضار الآخر وطنيا ودوليا، ولو أن الشعب بوأ الهيأة المعنية المكانة الأولى. ويتطلب هذا التقدير والترجيح والتوافق والبحث عن التحالفات الممكنة والمؤهلة للتعايش. والاندماج، وتجنب خلق قلاقل وتوترات ومآزق. تعرقل الاختيار الديمقراطي الذي يشكل آلية للتداول من أجل بناء الحرية والكرامة والعدالة... المراجعة من أجل محاربة التطرف ، والاحتكام إلى الديمقراطية، والإيمان بالمقاربة المدنية، وضبط العلاقة بين الديني والسياسي، وتنمية الفكر، وتوضيح وتوسيع الرؤية.. وبناء مشروع نهضوي واضح المعالم مبني على الواقعية وليس العكس. مما سيحرك عجلة التاريخ نحو الانعتاق، والانطلاق في بناء الحضاري. إن المدخل الديني إذا لم يضبط إيقاعه من قبل أهل الدار، استثمر من قبل الآخر من أجل عرقلة الإصلاح. وتبقى الوحدة معيارا أساسيا لمواجهة التحديات. وما أحوجنا إلى قراءات نقدية لذواتنا. حتى نتجاوز المعارف التحنيطية إلى المقاربات السننية. واعتماد منطق الخطأ والصواب في المجال السياسي بدل الحرام والحلال الذي له ميدانه. يجب أن يعرف التيار الإسلامي بأنه شريك مع مجموعة من التيارات داخل المجتمع الواحد، والحل ليس استحضار التجارب التاريخية، وإنما الاستئناس بها والانفتاح على التجارب الكونية. وقد تكون هذه التيارات مناقضة للفكر الديني أفرزتها التحولات التي عرفها الفكر الإنساني. المهم أن تكون قاعدة توافقية يخضع لها الجميع. ويتم ذلك طبق الأعراف الديمقراطية. ومن أهم الآفات "التكفير" المبني على التأويلات المغلوطة، ولا تزيد بنية المجتمع إلا شرخا. إذن هناك ضرورة لمراجعة التصورات والرؤى. وشتان بين الدين كأصول والفكر الديني كاجتهاد. وأنا على يقين أن التحرر من الاجتهادات والبحث على تأويلات جديدة بناء على الأصول واستحضار الثقافة الكونية التي حررت العقل من التحجر والضيق الفكري، قادر على تجاوز مجموعة من المشاكل الفكرية. والمراجعة المطلوبة تتجاوز اجتهادات الأشخاص، حتى يصبح لكل مجتهد أتباعه. ونؤسس لعمل مؤسساتي، تتعاون فيه كل الاختصاصات من أجل إنتاج اجتهادات تتناغم مع العصر. وعندما تتم المراجعة بناء على ما ذكرناه فإن الإنتاجات ستكون مثمرة، ومساهمة في البناء. إن ما نطلبه من الحركة الإسلامية هو نفسه المرغوب فيه من قبل التيارات الأخرى، لأن الهم مشترك، والبناء مسؤولية تاريخية، وبدون هذا المنهج سنظل مشغولين بقضايا الهوية، ومتناسين ميدان التدبير. مما يجعلنا متخلفين أمام الأمم. وبعد سؤال العلة من المراجعة، يطرح سؤال الشرعية، وهذا موضوع الحلقة المقبلة. |