العقل..!!/ أحمد سالم ولد زياد
الاثنين, 16 سبتمبر 2013 11:52

altaltبالعقل نتعرف على الله ونفهم شرائعه التي تعبدنا بها؛ لكنه -العقل- لقصر مداه لا يكفي ليوصلنا إلى الله..!!. سبب ذلك أن العقل يعتمد في تصوره للأشياء على الحواس الخمس، والحواس اليوم في هذا العالم المتطور أبعد ما تصل إليه؛ بعض أروقة هذه المجرة.. قد تظنّ أن التخيل يمكن أن يعوض النقص الإدراكي البشري؛ لكن، التوهم والتخيل دائما يكونان معتمدين على مثال سابق مبني أصلا على تصور مبني على حاسة أو حواس.. 

ومن هنا أخطأ الفلاسفة -قديما وحديثا- حين أرادوا أن يصلوا بعقولهم وحدها إلى الله ، فضلوا ضلال السائر في الصحراء من غير دليل، فهو يذرع الصحراء جيئة وذهابا في مجال ضيق واحد اسمه الصحراء... إن هذا العقل البشري الجبار أصغر وأقل من أن يفهم ويتصور خالق البشر، كما أن هذا العقل الالكتروني الجبار؛ صغير وتافه أمام العقل البشري..

ولو أن هذه الأجهزة ذهبت تتصور الإنسان صانعها انطلاقا مما ألفت وعرفت من نفسها لأخطأت خطأ كبيرا.. إن الماء الذي لا يصلح الإنسان بدونه؛ يتلف هذه الأجهزة ويفسدها.. وليس لها من المعلومات الصحيحة عن صانعها إلا ما برمجها هو عليه أو استودع فيها..!!. ولكي يُعرّفُنا الله-نحن البشر- على نفسه أرسل إلينا رسلا بوحي معلمين ومبشرين ومنذرين..

منه نعلم أن عقولنا قصيرة جدّا قصر سُلّم الطائرة؛ فإنها لا يمكن أبدا أن تحملك فوق السحاب، لكن، لا بد لك أيضا منها لتدخل الطائرة..!!.

كذلك هو العقل البشري؛ فهو يدلك على الله، ويوصلك إلى الإيمان، وبالإيمان تصل إلى الله فتراه ببصيرتك رأي عين رؤية قلبية كذلك ترى الجنة والنار والصراط والبرزخ والملائكة...

الإيمان درجات.. يزيد بالطاعة؛ فتصفو البصيرة وتسمو النفس إلى مصافّ الملائكة.. وينقص بالمعاصي فتغلب على صاحبه الطبيعة الحيوانية ويكون أشر من الشيطان والحيوان..!!. وفي سبيلك إلى تربية نفسك وتزكيتها؛ تمر نفسك على حالات ثلاث: النفس الأمارة، فلا تأمرك إلا بمعصية، وهي الشاكة.

- المتشككة لا تعرف المعروف ولا تنكر المنكر.. وتترقى بعدُ لتكون نفسا لوّامة.

-حية الضمير، غلب خيرُها شرَّها، تنساق للطاعة، وتغالب شهواتها فتتغلب غالبا عليها.. وعندما تصل صعدا إلى النفس المطمئنة ترتاح وتريح.. فلا تأمر إلا بخير ولا تستريح إلا إليه، فلا تشتهي المعصية ولا تتمناها..

المعضلة الكبرى أمام العقلاني الملحد أو الشاك المتلبسين بالنفس الأمارة؛ يريد أن يرى ويشهد ويدرك ما تراه النفس المطمئنة من إيمان، ويرفض أن يؤمن إلا إذا شاهد ذلك.. وهيهات..!!

إن الذي أخلد إلى الأرض ولم يرتق سلم الطائرة؛ لا يعقل أن يرى ما يراه الذي حلّق لي السماء

التدرج سنة كونية.. لذلك قلت مرة لملحدة: (لا أستطيع أن أصف لك طعم السكر ما لم تذوقيه). قد يصطفي الله بعض الملا حدة طالبي الحقّ خاصة؛ فيريهم الطريق هو بنفسه، أمّا المعاند المغالب، فمصيره التيه والشك..!!.

مع ترقينا في مقامات القلوب؛ تترقى رؤانا ومداركنا البصيرية.. تماما مثل طلاب المدارس، فإن التلميذ في الابتدائية لا يعرف الرياضيات كما يعرفها المنتهي من الجامعة..

عودا على بدء؛ العقل البشري هو خير دالّ على الله بعد الرسل، وهو محل التكليف، وبه تفهم الشرائع... ولأنه لم يكتمل بعد ولأننا كلما اكتشفنا مزاياه أكثر؛ تبينا قصوره أكثر؛ لن نستطيع أن نعتمد عليه وحده في فهم شرائع الله ونجعله وحده المتحكم فيها.

لقد أخضع المعتزلة الشريعة للعقل؛ فدافعوا عن أغلب الشرائع بحجج عقلية راقية غير أن عقولهم المقيدة بالزمان والمكان وثقافة العصر؛ لم تستطع أن تبرهن على بعض المسلمات العقدية فردتها، مع أن العقل في مرحلة لاحقة من تطوره برهن عليها ببساطة..!!. وكذلك وقع لبعض الأشاعرة؛ فقد برهنوا على مسائل عقدية أكثر مما فعل المعتزلة حتى أدالوا دولة الإعتزال المتطرفة؛ لكن بقيت مسائل جانبهم فيها الصواب-حسب رأيي- وما ذاك إلا لقصور العقل البشري..

وإنا نرى اليوم سائرين على نفس الدرب من المفكرين الإسلاميين-زعموا- يقعون في طوامّ من هذا القبيل كنفي الرجم والحدود وغير ذلك.. وحسب رأيي المتواضع جدا جدا جدا فإن سبب ذلك كله؛ عائد إلى قصور العقل نفسه.. وإنّ عظمة هذا العق تنجلى في قصوره.. وأفهم الناس لعقله وأسعدهم به؛ أدركهم لقصوره..!!.

 

العقل..!!/ أحمد سالم ولد زياد

السراج TV