الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (الحلقة الخامسة) |
الثلاثاء, 01 أكتوبر 2013 12:22 |
صَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ الموافق 29/7/2013 كتاب "الردة عن الحرية" لكاتبه الشيخ الدكتور محمد أحمد الراشد، والكاتب لا يحتاج إلى تعريف، وقد عرفته كتبه التي طبقت الآفاق، فانطلقت تجتاح العوائق رقراقة، تحدد المسار، وتوضح المنهج، وتنفث عبير الوعي وتبشر ببوارق النصر... والكتاب ككاتبه لا يحتاج تقديما، فقد كفى الكاتب كل مقدم مؤنة تقديم الكتاب حين قال فيه: "الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي، وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013، ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة، ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم، ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى، وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب". وكنوع من الإهداء للكتاب "يقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية، مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة، وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين، وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني" والسراج الدعوي يقدم الكتاب لقرائه الكرام الوجه الأميركي لانـقلاب السـيـسي ودأب أميركا في ضرب الطموح الإسلامي
الوجه الأميركي لانـقلاب السـيـسي ودأب أميركا في ضرب الطموح الإسلامي وكنا نظن الرئيس أوباما أعقل من الرؤساء الذين سبقوه، وأن الأثر الإسلامي والإفريقي في دمه سـيمنعه من العدوان ويـسـمح للحرية أن تـنـتـعش في بلادنا، فإنه عنصر مثقف أميز من بوش بكثير، ويميل إلى الواقعية والتزام المبادئ، ولكنه خيّب ظننا وسمح لمخابراته وحكومته بالعودة إلى العادة القديمة في كبت تطلعات الشعوب وصنع الانقلابات على رجال الحرية، فكان الانقلاب الإجرامي بمصر وأعطى الإذن للجاهل السـيـسي أن يكون دكتاتوراً جديداً بمصر يعيدها إلى وظيفة حراسة آل سعود وآل نهيان وآل الصباح، وحراسة إسرائيل، ومنع التـنـمية، وأوباما في فعلته هذه يـبرهن على أنه يسلك السلوك المصلحي البعيد عن الالتزام الأخلاقي المعرفي، لأن الذي يـترجح عندنا أنه يعرف جيداً أن الحق مع الإخوان والإسلاميـين ومرسي والأحرار، ولكنه يخضع لضغوط اللوبي اللصهيوني الذي يرى تحقيق أمن إسرائيل من خلال هذا الانقلاب، ويقال أن المخابرات ووزارة الدفاع دبّرتا الانقلاب، وأن وزارة الخارجية الأميركية لها رأي مخالف، ولكن سياق الأحداث يـشـير إلى ضلوع الخارجية في المؤامرة، لأن السفيرة باترسيون هي التي قامت بإنذار الرئيس مرسي وطلبت منه الخنوع فرفض، وهذا مثار اسـتغراب آخر، لأن وزير الخارجية (كيري) أحاطته هالة إعلامية حين تـسلّم منصبه زعمت أنه ضد السـياسة الإسرائـيلية، وضد التدخل في العراق والأفغان، ويرى تعميم الحرية، ولكن الشواهد تدل على ضد ذلك، وأن جميع ساسة أميركا يـنـتـهجون سياسة عدم تمكين الإسلاميـيـن من نيل السلطة. وكان الأستاذ البلتاجي، القيادي في حزب الحرية والعدالة، قد أوضح يوم الانقلاب أن السفيرة باترسيون، سفيرة أميركا إلى القاهرة: قد زارت الرئـيس المخطوف مرسي قبل ساعات من الانقلاب، وبصحبـتها جنرال من الجيش المصري ووزير خارجية دولة خليجية، ولعله الإماراتي، فطلبت منه أن يكون رئـيسا رمزياً فقط، وأن ينقل سلطاته لرئيس وزراء جديد يعيـنه الجيش، ويوافق على حل البرلمان وإلغاء الدستور، فلما رفض أنذرته بأنه سـيُخلع بالقوة، وطلبت منه أن يقبل معونـتها له عند اعتقاله، فرفض متوكلاً على الله تعالى. وهذه الزيارة هي الدليل الحاسم على أن الانقلاب هو قرار أميركي، وما حصل من رفض أوباما وحكومته وصف ما جرى بأنه انقلاب فيه دليل آخر قاطع على اسـتمرار رضاها عما حدث على الرغم من جنوح الانقلاب نحو الدموية وارتكاب المجازر ومقتل أكثر من ثلاثمائة مواطن في المظاهرات السلمية وجرح أكثر من ستة آلاف، وعدم الامتعاض من الكذب الصريح الذي فاه به جنرالات الجيش في زعمهم بأن إطلاق النار حدث دفاعاً عن النفس مع أن الروايات مجمعة على أن القتلى والجرحى كانوا يؤدون صلاة الفجر في مذبحة الحرس بخاصة وأن الرصاص أصاب ظهورهم وليس صدورهم، مما ينفي أي وضع هجومي، ولكن هكذا هي عادة أميركا، تـسـتعمل الجنرالات حين يضيق أمرُها ويَضعف مكرُها، وهو دأبٌ اسـتعملته في أميركا اللاتـيـنـية كثيرا وبطريقة مفضوحة ومخزية لها، واسـتـعملته في إفريقيا وآسيا وبعض البلاد العربية سابقاً، وفي تركيا كانت تحرك الجنرالات للانـقلاب مراراً قبل أن يُنهي أردوغان نفوذهم بعد تمهيدات من أربكان ثم طورغود أوزال. ·ونموذج الانقلاب الأميركي معروف، فإنها تجمع غوغاء الناس والسَفَلة وعصابات الإجرام ومافيا المخدرات، وتغدق عليهم الأموال، وتأمرهم أن ينزلوا إلى الشوارع في صورة معارضة سـياسـية، فيأتي انقلاب الجيش وكأنه اسـتجابة لرغبة شعبية، وللتمويه الإعلامي في ذلك دورٌ رئـيـس، ثم تنهال الهبات المالية الدولية والقروض من صندوق النقد الدولي لتمكين الانقلابـيـين من إرضاء الشعب ببعض الترف الوقتي السريع الزوال من خلال صرف نصف المليارات الواردة، ثم ذهاب النصف الآخر للحسابات الشخصية للجنرالات والساسة المطايا الذين يخدمون الجنرالات. ·وحين يكون أمرنا جداً، ويكون الإسلام مقترباً من الحكم: فإنّ الغرب يصطف كله ضدنا وليس أميركا فقط، بل تشاركها أوروبا، وذلك ما حصل، إذ زارت وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الانقلابـيـين، واجتمعت مع السـيـسي والنكرات، وأيدت الانقلاب، ولم تجتمع بمرسي ولم يكن منها إصرار على الانقلابــيين لرؤية مرسي، فكان معنى ذلك انحياز أوروبا رسمياً للانـقلاب، وليس هناك خلاف ذلك سوى تصريحات لوزيري خارجية السويد والمانيا تـسـتغرب عنف الانقلابـيين ولا تنكر أصل عدوانهم. ·هذه المسرحية رأيناها حين أراد مُصَدّق تطوير إيران قبل سـتين سـنة، وبدأ بتأميم النفط ونوى التـنمية وتمكين المخلصين واسـتـبعاد الخونة من الساسةالقدماء عبيد الشاه، فعملت أميركا انقلابها ضده وأقصته باستخدام الغوغاء وفقراء الفلاحين، وكان رجال المخابرات الأميركية والسفير الأميركي يتحركون جهاراً نهاراً،وهناك عشرات الكتب التي تصف تفاصيل تلك الواقعة مما لا يعرفها الجيل المعاصر إلا قليلا. ·وروت بي نظير بنت بوتو قبل مقتلها في مذكراتها المطبوعة المنتشرة في الأسواق أنها كانت تعيش في أميركا، فزارها ممثل عن وزارة الخارجية الأميركية وبصحبـته ضابط من المخابرات الأميركية، وطلبا منها أن تـسـتـعد لتكون رئـيـسة جمهورية الباكسـتان، فضحكت وقالت بـسـذاجتها: كيف وأنا لا أملك حزباً ولا أنصاراً ؟ فقالا لها: نحن نطلب موافقتك فقط، وعلينا الباقي من تجميع الحشود، وحين مغادرتك المطار في بلادك سـيكون مليون باكسـتاني يهتفون باسمك، فاخطبي فيهم، ونحن نحركهم ونجعلك رئـيـسة. تقول: وحين خرجت من المطار فوجئت فعلاً بمليون يهتفون باسمي وعرفت لأول مرة أسرار السياسة ووجهاً من حركة الحياة .! وأظنها كشفت ذلك في مذكراتها لأنها تخرجت من أكسفورد بـبريطانيا وتربت تربية غربـية تميل إلى الصراحة. فكذلك كان انقلاب السـيـسي بمصر: بلطجية من أعوان مبارك، وفلول النظام السابق، وفقراء من سكان المقابر، وملاحدة من بقايا الشـيوعيـين، ويهود، وحاقدين من الأقباط، ونوع من السلفية أتباع المخابرات السعودية غسل دماغهم شيخ إفريقي من وعاظ السلاطين اسمه الجامي يعيش في الحجاز يحمل المبخرة لتـبخير الملك والأمراء، وجمعت المخابرات الأميركية كل هؤلاء وصرفت لهم من أموال آل سعود وآل نهيان وآل الصباح ما قد يصل إلى ملياري دولار، ومليارات أخرى إلى الجنرالات وجنود الجيش والشرطة، وحصل الحشد في ساحة التحرير، وزعم الجيش أنه يـسـتجيب لرغبة الشعب، وهم في الحقيقة هؤلاء النكرات والخونة. ·وهذه التـشكيلة البائـسة من الحثالات تُذكّرُني بقصة قرأتُها في كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) للمِقِّري: أن حالة فراغ حدثت في غرناطة أثناء الاضطرابات في أيام دويلات الطوائف، فتعاون زبّال وكَنّاس على تـنصيب قصّابٍ أميراً على غرناطة، وكوّنوا عصابة من أمثالهم، ودام حكمهم أياماً، واليوم بمصر يتفق سكان القبور، مع كل جنرال فَرور، فرّ من واجب حرب إسرائيل إلى لعبة الانقلابات، ونصّبوا الطرطور الذي تـبـيـن أنه من أُم أميركية، وتخرج من كلية الحقوق بدرجة مقبول فقط، وتـنـصيـبه مخالف للدستور، لأن أمه غير مصرية ولأنه لم يؤد اليمين الدستورية كرئـيـس للمحكمة العليا أمام رئـيـس الجمهورية، فلذلك يُعتـبـَر تـنـصيبه باطلاً.
يتواصل.......(وفي الحلقة القادمة الحديث عن قصة النفوذ الأمريكي في الجيش المصري) |