الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (السادسة)
الخميس, 03 أكتوبر 2013 14:59

الأستاذ الشيخ محمد أحمد الراشدالأستاذ الشيخ محمد أحمد الراشدصَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ الموافق 29/7/2013 كتاب "الردة عن الحرية" لكاتبه الشيخ الدكتور محمد أحمد الراشد، والكاتب لا يحتاج إلى تعريف، وقد عرفته كتبه التي طبقت الآفاق، فانطلقت تجتاح العوائق رقراقة، تحدد المسار، وتوضح المنهج، وتنفث عبير الوعي وتبشر ببوارق النصر... والكتاب ككاتبه لا يحتاج تقديما، فقد كفى الكاتب كل مقدم مؤنة تقديم الكتاب حين قال فيه:  "الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي، وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013، ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة، ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم، ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى، وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب".

وكنوع من الإهداء للكتاب "يقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية، مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة، وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين، وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني"

 

والسراج الدعوي يقدم الكتاب لقرائه الكرام هذه الحقلة عن قصة النفوذ الأمريكي في الجيش المصري

وقصة النفوذ الأميركي في الجيـش المصري قصة قديمة جداً بدأت مع ثورة يوليو سنة 1952،وكان ضابط من الثوريـين اسمه حسن التهامي هو الذي ينـسق العلاقة بين عبد الناصر وأميركا، إضافة إلى محمد حسـنـين هيكل الذي كان موظفاً في الملحقية الصحفية للسفارة الأميركية في القاهرة، قبل أن تدفعه أميركا ليكون المسـتـشار الإعلامي لعبد الناصر، ثم زاد النفوذ الأميركي بعدما وقفت أميركا في الظاهر على الأقل ضد العدوان الثلاثي على مصر سـنة 1956 وساعدت على جلاء جيوش بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عن الأرض التي احتلت، فزادت ثقة عبد الناصر بالحلول الأميركية وحصل أول توغل أميركي إلى داخل الجيـش المصري، لكنه بقي محدوداً، فلما حصلت النكسة سنة 1967 واهتز حكم عبد الناصر وانحطت سمعته بين العرب: اضطر لقتل عبد الحكيم عامر، وكذب على التاريخ فزعم أنه مات منـتحراً، ثم سجن علي صبري وقال قولته الصادقة الكاذبة: الآن سقطت دولة المخابرات، فذهبت مثلاً، وكأن المخابرات ليـسـت بُضعة منه، ولما تولى السادات: زادت أميركا توغلها، ولكن بحذر، فلما تورط السادات بعقد معاهدة كامب ديفيد: فَلَتَ الأمرُ وصارت المخابرات الأميركية والإسرائـيلية تـتجول في محيط الجيـش المصري كما تريد، فلما قتل السادات وجاء عهد مبارك تم التوغل علانية، وصار كبار الضباط يذهبون أفواجاً إلى كليات الأركان الأميركية ليتم غسل دماغهم وشراء ذممهم وربطهم بالخطة الأميركية، وحادثة سقوط الطائرة المصرية قديماً قرب الشواطئ الأميركية كشفت ما كان مكتوماً، إذ كان على متـنها سـتة عشر جنرالاً مصرياً أتموا تدريبهم في كلية الأركان الأميركية، وربما كان بعضهم قد أبى الخنوع فقررت إسرائيل قتلهم بوضع قنبلة في الطائرة، كما أشارت التحقيقات، ثم في بقية عهد مبارك أتمت أميركا توغلها، وأصبح الجيش المصري مِلكها بالكامل، وكانت تـتـبرع بمليار وثمانمائة مليون دولار سنوياً للجيش المصري، وهي تعلم أن نصف هذا التـبرع يذهب إلى الحسابات الخاصة للجنرالات، فاشـترتهم بذلك وباع الكثير منهم ضمائرهم، ثم أوحت أميركا إليهم بفكرة بناء اسـتـثمارات خاصة للجيـش ليجمع منها أرباحاً تكفي كميزانية للجيش، بزعم وجوب سرية الميزانية العسكرية، لئلا تعلمها إسرائيل إذا أُدرجت ميزانية الجيش في الميزانية العامة للدولة، وهكذا تم بناء إمبراطورية مالية احتكارية تحت مظلة هذه المزاعم، حتى وصل الأمر إلى احتكار أغلب المخابز، وصار كل جنرال يدير بعض المعامل والتجارات، فيـبلع نصف الأرباح، وبذلك استطابوا اللعبة ونمت مواردهم الشخصية، فكان لابد أن يتحركوا ضد مرسي والإخوان أو ضد أي ثورة حقيقية تعزلهم وتوقف جريان أنهار الأموال إلى جيوبهم، وهذه هي خلاصة القصة.

·وهؤلاء الجنرالات الخونة الذين اشـترتـهم أميركا والإمارات ودولة آل سعود، وفقاً لما سَرّبه قيادي مخلص في الجيش هُم إضافة لعبد الفتاح السـيـسي: رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق صدقي صبحي، قائد سلاح الجو الفريق يونس السيد حامد المصري، قائد القوات البحرية الفريق أسامة أحمد أحمد الجندي، وقائد قوات الدفاع الجوي الفريق عبد المنعم إبراهيم بيومي التراس، وقائد المنطقة العسكرية المركزية اللواء توحيد توفيق، وأنجى الله من هذه الفتـنة كلاً من قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي، ولذلك حاولوا اغتياله وسلّمه الله وأصيب بطلقة في ساقه، وكذا نجّى الله قائد الجيش الثالث الميداني اللواء أسامة عسكر، حفظهما الله ورعاهما، فقد كان موقفهما بطولياً وأبدياً رجولة وتعفّفاً عن المال السحت الحرام، وأخلصا للوطن ولم يـنـتكسا.

وممن شارك في فتـنة الانقلاب مدير المخابرات الحربية اللواء محمود حجازي، وهو الذي اختطف الرئـيس الشرعي مرسي، وكانت مهمة الخائن مدير إدارة الشـؤون المعنوية اللواء أحمد أبو الدهب توزيع الأموال الواردة من محمد بن زايد والملك السعودي عبر الأمير محمد بن نايف، ومنها مائة وخمسـين مليون دولار إلى ياسر برهامي رئيس حزب النور السلفي. وهذه الأسماء والمعلومات تداولها موقع:www.facebook.com/ameralazem وعنه أخذتُ، وفي المواقع تقرير أدلت به أميرة اسمها “بَـسمة” يفضح مقادير الأموال التي وُزعت على الانقلابـيـين.

· وتعود بي الذاكرة إلى الأيام الأولى من انتخاب مرسي، حيث كشف له السـيـسي خُطة الجنرال الطنطاوي وجنرالات المجلس العسكري السابق لاغتيال مرسي عند تـشـيـيع الجنود القتلى في سيناء في حادث افتعلوه، فوثق به الرئـيس مرسي وجعله وزيراً للدفاع، ثم خانه اليوم، وهذا يعني أنه وصولي انتهازي كان يرنو إلى التـسلق منذ البداية ليحكم مصر، فوشى بطنطاوي ورؤسائه من أجل ذلك لا من أجل الحقيقة، ثم نقض بـيعته لمرسي بفعلته هذه الأخيرة، وكفر بـنعمة الله عليه ثم بـنعمة مرسي حين أسـند إليه وزارة الدفاع مع أنه أصغر الجنرالات عُمراً وما كان يدري أن الطموح الشخصي الأناني والطمع الدنيوي هو الذي يُـسـيّره، وأنه على اسـتعداد لأن يكون دموياً جبّاراً من أجل الحكم، جزاراً على طريقة قصّاب غرناطة ويـسـتعين بالحثالات، وفي كل قوم زَبَدٌ وعناصر جوفاء، وليـست مصر بدعة بين البلدان.

· وهذه الأخبار وتحليلات الأحداث ترجعنا إلى الوعي القديم وتجعله جديداً وعقيدة معاصرة ومستقبلية: أن (أميركا) هي رأس الشرور كلها، وأنها هي الأخطر على الإسلام والمسلمين، وأنها عدوة الدعوة الإسلامية رقم واحد، والأقذر والأخطر علينا، وأن الداعية الذي لا يصل وعيه إلى هذه الدرجة من والوضوح والجزم هو داعية ما تزال فيه بقية من سذاجة.

 وهذا الموقف الأميركي ليس هو رد فعل لأخطاء إسلامية، أو لعنف تجاهها يُبديه تنظيم “القاعدة”، بل هو خُطة مدروسة قديمة من يوم قررت أميركا في بداية القرن العشرين إنهاء عزلتها وبدء التدخل في الشؤون العالمية، فكان احتلالها للفلبـين سنة 1901 وإلحاقها كولاية من الولايات المتحدة الأميركية، ثم تخلّيها عن ذلك بعد سنة واحدة واكتفائها بقاعدة عسكرية وجعل الفلبـين منطلقاً لتدخلاتها في اليابان والصين وكوريا، ثم منذ اشتراكها عسكرياً في الحرب العالمية الأولى في الجبهة الفرنـسـية وإسـناد أعداء المانيا مالياً، مما أتاح للرئيس الأميركي ويلسون أن يكون رئـيس مؤتمر الصلح في فرساي سنة 1919 وإعلان المؤتمر التزامه بحق اليهود في إقامة دولة إسرائيل في فلسطين، وإجبار الأمير فيصل بن الشريف حسـين بالاعتبراف بهذا الحق المزعوم، فاعترف، وكوفئ بجعله ملكاً على العراق، ولبـثـت أميركا منذ ذاك التاريخ قبل ثلاث وتسعين سنة تتدخل في العالم الإسلامي، لا سياسياً فقط، بل واجتماعياً أيضاً، فقد عثرنا في الأرشيف الوطني الأميركي على تقرير مازال محاطاً بالسرية حتى اليوم رفعه السفير الأميركي ببغداد سنة 1928 فيه تفصيل أخبار العوائل العراقية المتعاونة مع السفارة في خطة إسفار نساء العراق وترك الحجاب، ثم زاد النفوذ الأميركي من خلال النجاح في تحصيل امتياز استخراج النفظ لشركة أرامكو من الملك عبد العزيز آل سعود، وبذلك صارت كل المنطقة منطقة حيوية في الاسـتراتـيـجية الأميركية، ثـم تَـمّ وضع خارطة المستقبل حين اجتمع الرئـيس روزفلت بالملك عبد العزيز على ظهر السفيـنة الحربية الأميركية، وحين بدأ نجم الإخوان المسلمين يصعد بمصر وظهرت قوتهم بعد جهادهم في فلسطين سنة 1948: اجتمع سفراء أميركا وبريطانيا وفرنسا في معسكر (فايد) على قناة السويس وأعلنوا وجوب حلّ جماعة الإخوان وتصفيـتها، فكان ما كان على يد الملك فاروق أولاً بعدما قتل الإمام حسن البنا رحمه الله، ثم على يد جمال عبد الناصر، وإعدامه الإخوة عبد القادر عودة والشيخ فرغلي ويوسف طلعت، وآخرين، ودخل بقية الإخوان السجون حيث كان أعنف التعذيب والبـشع، وحصل أثناء المحنة قتل تسعة وخمسين أخاً سجيـناً بالرصاص في ليمان طرة خلال إضراب داخل السجن، ثم أعدم عبد الناصر سنة 1966 سيد قطب وكوكبة أخرى، وكل ذلك بعلم أميركا وتـشجيعها، وبعد قليل من رفع السادات للمحنة وإخراج الإخوان من السجون: عاد مبارك فأحدث محنة جديدة سنة 1981 مات خلالها الأخ السـنانـيري بـسـبب شدة التعذيب، واستمر التضييق حتى 25 يناير وحصول الثورة، فما يفعله السـيـسي ليس هو غير فصل جديد في هذه القصة القديمة.

 وكان على القيادات الدعوية أن تدرك قبل أربعة أشهر من انقلاب السـيـسي أن انقلاباً سـيقع على الطريقة الأميركية، فقد أصدرت الأميركية زوجة زلماي خليل زاده الأفغاني الأصل وسفير المجرم بوش إلى العراق تقريراً عن مؤسـسة (راند) للأبحاث التي تديرها وتقدم من خلالها رؤى مسـتقبلية لساسة أميركا وعساكرها ودوائرها التخطيطية  سنورده كملحق في آخر هذا الكتاب، وأخبرتُ به الكثـيـر من القادة والدعاة حين صدوره، وخلاصة تقريرها: أن على أميركا أن تغيّر تصنيفها لأعدائها، فبعد سنوات من اعتبار (القاعدة) هي العدو الأول: يجب أن يكون (الإخوان المسلمون) الآن هم العدو الأول، لأنهم حازوا مراكز قوة بعد الربيع العربي، وهم جماعة تـتميز بالصلابة في المواقف، وفشلت محاولات تـسـيـيرهم بموازاة السياسة الأميركية، ولذلك يجب ضربهم وإنهاء حكمهم، ولأن أكثر التيار السلفي يحالف الإخوان اليوم: فإن على أميركا أن تـتوجه نحو الجماعات الصوفية وتساعدها وتعمل على تمكيـنها، والنموذج الصوفي التركي أفضل من غيره.

هذه هي فحوى التقرير الطويل، والذي يبدو أن صُنّاع القرار الأميركي اعتمدوه وأخذوا به، ومن القرائن على ذلك أني سمعتُ الرئـيس أوباما يخطب بعد شهر واحد من صدور التقرير ويذكر في خطابه أن أميركا صديقة الإسلام، والإسلام الصوفي بخاصة. هكذا سمعتُه بأُذني. فكان من الواجب علينا أن نرصد المحاولة الانقلابـية القادمة، وأنها ستكون أميركية الهوية، وأن المال سـيكون هو سلاحها الأول، ثم الإعلام. أما الإعلام فهو ظاهر ويعمل علناً، وسقط الحياء عن أسماء لامعة فقالت سُخفاً كثيراً. وأما المال فهو محاط بـسِرّية، خوفَ الفضيحة، ولكن كان من القرائن على أنه وسيلة أميركية أيضاً ما بلغنا أن كليـنـتون بعد انـتهاء رئاسته وعمله كوسـيط في القضية الفلسطيـنـية: قال لخالد مشعل: لقد حيّرتمونا يا رجال “حماس”. قال خالد: نحن واضحون أيها الرئـيس وقولنا واحد. قال كليـنـتون: (نعم، ولكن ليس لكم سِعر .. !!)، وصدق وقد علّمنا تعبـيـراً في وصف أنفسـنا لم تتوصل إليه بلاغتُنا. نحن قومٌ بلا سِعرٍ، نحن بِدعةٌ بين القوى السـياسية، نعمل لله، ونخلص للأمة، ولا نـبـيع قلوبنا، وفي سبيل الله نجاهد، وإليه نـسعى ونحفد ونـتـرشح ونكون وزراء ورؤساء، وننظر إلى أجر أُخروي، وجنةٍ عَرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين الطاهرين في يوم الاختلاط والتلوّث .!!

الردة عن الحرية/الأستاذ د.محمد أحمد الراشد (السادسة)

السراج TV