الردة عن الحرية/الأستاذ الدكتور محمد أحمد الراشد (الحادية عشرة)
الأربعاء, 06 نوفمبر 2013 16:23

altaltصَدَرَ يوم العشرين من رمضان المبارك 1434هـ الموافق 29/7/2013 كتاب "الردة عن الحرية" لكاتبه الشيخ الدكتور محمد أحمد الراشد، والكاتب لا يحتاج إلى تعريف، وقد عرفته كتبه التي طبقت الآفاق، فانطلقت تجتاح العوائق رقراقة، تحدد المسار، وتوضح المنهج، وتنفث عبير الوعي وتبشر ببوارق النصر... والكتاب ككاتبه لا يحتاج تقديما، فقد كفى الكاتب كل مقدم مؤنة تقديم الكتاب حين قال فيه:  "الــرِّدَّةُ عن الحُـرِّيــَّة كتاب ينتصر للرئيس القُرآني المختَطَف محمد مرسي، وتقرير تحليلي لأَبعاد انقلاب السيسي بمصر في يوليو 2013، ووثيقة تاريخية ترسم صورة الحَدَث كاملة، ورصد لأفصح ما قال الثقات عنه في العالم، ومجموعة رؤى تفاؤلية تتوقع تحوّل السلب إلى إيجاب بحول الله تعالى، وبيان وجوه الخطأ في قرار ملوك النفط بإسناد الانقلاب".

 

وكنوع من الإهداء للكتاب "يقترح المؤلف إدراج كتابه هذا ضمن مناهج التطوير الدعوي وتدريسه في المدارس القيادية، مع الحرص على إيصاله لعلماء الشرع الحنيف وخطباء الجمعة والإعلاميين وضباط الجيش والشرطة، وإلى نبلاء الناس وشيوخ القبائل وأساتذة الجامعات والمعلمين والقضاة والمحامين، وإلى كل حر امتلأ قلبه بعواطف الحرية والاستعلاء الإيماني"

الوجه الإسلامي المز  يـّـف للا نـقلاب

  قد قلنا أن الزاهد المجاهد عبد الله بن المبارك قد رصدت تجربتُه الزكية أن الذي أفسد الدين ليس الملوك فقط، بل (وأحبار سُوءٍ ورهبانُها) أيضاً، وهؤلاء يوجدون في كل العصور، لأنهم من تمام الصورة، فطالما أن هناك ملك يجلس على أكوام ذهب ويدفع: فإن بعض النفعيين تُحدثهم أنفُسهم أن يطيلوا لحاهم ويلبسوا العمائم ثم يكون جلوسهم في السوق السياسي، فإن احتاجهم ملك أو متسلط ظالم يـبغيان تجميل الصورة وإيهام عامة المتدينين بأنهما من أنصار الدين: سارعت الرهبان إلى تصديقهما والشهادة بشهادة زور أنهما يريدان وجه الله، وتعفّف ابن المبارك وأنِفَ أن يسميهم بالمشايخ أو الفقهاء، وإنما هم رهبانٌ وأحبارٌ مسلمون فيما يزعمون، وهي شتيمة كبرى دائمة من أكبر زهاد الأمة الإسلامية وجّهها لكل أخرق ممسوخ الضمير لا يأمر بالمعروف في موطن الحاجة للأمر ويهبط بالفتوى من مدارها العزيز الرفيع إلى دَرَكٍ سافلٍ ويجعلها تُسبّح بحمد الطاغية والحرامية.

· وقد ظهر في هذه الفتنة اليهودية الأميركية الرافضية مَجْمعٌ من الرهبان أصحاب اللحى الطويلة أطلقوا على أنفسهم اسم “حزب النور” السلفي العقيدة والفقه بزعمهم، فشاركوا في ساحة التحرير بأنفسهم وأتباعهم، وهتفوا بسقوط الرئيس مرسي، واستنجدوا بالجيش والسيسي، وقبضوا عن فعلتهم من ملك آل سعود مائة وخمسين مليون دولاراً  كما تسربت الأنباء، وأفتوا بأن المصلحة الإسلامية تقتضي خلع رئيس قرآني الهدي والسمت، وتنصيب يهودي بدلاً عنه، فلا نامت أعين اللاعبين بالمعنى السلفي الشريف.

وقد سارع إلى الرد عليهم والبراءة من فعلتهم الداعية السلفي المعروف عبد الرحمن عبد الخالق اليوسف، كما رد عليهم وفند تزويرهم داعية سلفي آخر من أهل مكة وجدّة اسمه الشيخ علوي السقاف، فجزاهما الله خيراً عن نطقهما بالحق، ووضعتُ كلامهما كوثائق ملحقة بهذا الكتاب لأهميتها.

وكان الأستاذ محمد فريد عبد الخالق رحمه الله قد قال لي قبل ربع قرن أنه وفريق من الثقات رصدوا أصل هذه الجماعة السلفية حين أول ظهورها في الحياة الإسلامية المصرية، فثبت عندهم إلى درجة اليقين بالأدلة أن مخابرات مبارك ترعاهم وتريدهم شوكة في جنب الإخوان، وأن ضابطَ مخابراتٍ صار هو نائب رئيس المجموعة وصار هو الموجّه الحقيقي للمجموعة، وأن هناك دلائل على صلة بالمخابرات السعودية أيضاً. وقد تطورت تلك الحفنة التي كان العُرف يسميها “شِلّة” إلى اسم فخم وصارت هي “حزب النور” أظلمَ اللهُ دَربَهم بالظلام الدامس، وحين قامت ثورة 25 يناير أفتى الحزب بحرمة الخروج على حكم أمير المؤمنين مبارك، ووقف خطباؤهم ضد الثنورة بحماسة بالغة، ورأيت في التلفزيون نماذج من كلامهم يومذاك، ثم لما نحج الثوريون في خلع مبارك جاءتهم الأوامر من المخابرات السعودية، فأصبحوا مع الثورة في الظاهر، ولبثوا يطالبون بحصة في الحكم، فلما لمسوا فتوراً من مرسي تجاههم، بسبب سوابقهم: انقلبوا إلى صف أعدائه، واستأجر السيسي لحاهم أياماً ليحقق بهم التفوق، ثم نبذهم ولم يعطهم كرسياً ولا لقباً، فعادوا يولولون ويترنمون بترانيم الرهبان، وبعض أعضاء الحزب استيقظ من غفوته، وحصل له وعي متأخر، فأعلن انسحابه من الحزب، ولكن الشيخ الطريفي فكّ الله أسره قال: مَن اشترك في تضليل المسلمين أثناء فتنة السيسي: لن تتم توبته إلا بشرطين: أن يُصلح، أي يعمل عملاً صالحاً يجبر به السوء المتولد من فعلته السابقة، ثم أن يبين بصراحة حقيقة ما حصل ويكشف الأسرار المتجمعة عنده حول كل العملية الانقلابية وسبب تورطه، وذلك لقول الله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا) فالبيان شرط.

والحق يقال: أن المجموعات أخرى من السلفية كانت تقية واعية ملتزمة بإسناد الرئيس الشرعي مرسي، وعلى رأسهم الشيخ الثقة محمد حسّان، فقد نزل هو وأتباعه وشيوخ مجاميع سلفية أخرى وأتباعهم إلى الميادين في القاهرة وغيرها، وأظهروا ولاءهم لمرسي، جزاهم الله خيراً، بينما كان ياسر برهامي رئيس حزب النور يرتع في أرض الدولار والضلالة يداً بيد مع عُتاة الشيعة وعملاء إيران الخمينية إذ هو السلفي الذي يجب أن ينكر عليهم قُبوريتهم وبِدَعهم قبل ما نطلبه منه من إنكار موقفهم السياسي، ولكن هكذا تعليمات الشيخ الجامي الإفريقي راهب المخابرات السعودية.

· ومن أعجب قول برهامي هذا في بيانه: أنه وحزبه إنما ثاروا على مرسي لأنه لم يحكم بالشرع، فدلل على جهله، كأن الحكم بالشرع ممكن بين عشيةٍ وضحاها، غير ناظر إلى تشويش اقترفه العلمانيون وأتباع مبارك لم يُتح لمرسي أن يحم حتى بالعلمانية، وكأنّ الجيش الذي هتف له برهامي سيحكم بالشرع !! فسبحان الله كيف تمرض القلوب ثم يعميها الدولار.

  وكان شيخ الأزهر أحمد الطيّب غير طيبٍ وغير أحمد، فقد صار الراهب الثاني في العملية الانقلابية، وجلس خلف السيسي حين كان يتلو بيانه الانتخابي عن يسار السيسي وليس عن يمينه، واحتل اليمين كبير أساقفة النصارى البابا تواضروس بلباسه الرهباني الذهبي وتاجه، فدلّ الحال على أن الإمام الأكبر ما هو بأكبر، بل هو أصغر من أحبار الكنيسة، وهو الثاني والتابع والذيل، وكذلك هو شأن عمائم السوء الأزهرية مع الأسف، فقد رأينا قبله المواقف الذليلة للشيخ طنطاوي وإسناده لمبارك، وهما يصعدان بنسبهما الملوث إلى شيخ الأزهر عبد الرحمن تاج الذي وافق سنة 1954 على ملفات إعدام الشهداء محمد فرغلي وعبد القادر عودة ويوسف طلعت وأصحابهم رحمهم الله على الرغم من علمه بأن عبد الناصر افتعل زوراً قضية محاولة اغتياله ليدخل الإخوان في محنة وموعظة الشيخ الثقة مفتي الديار المصرية محمد حسنين مخلوف للشيخ تاج أن يتعفّف عن ذلك، ولكن عالم السوء إذا كان لا يستحي من الله فكيف يستحي من عباد الله ؟

· واحتل منصب الموعظة في النكير على هذه الفتنة الجديدة شيخ عريق في العلم والصدق والصلاح، هو مستشار الأزهر فضيلة الشيخ حسن الشافعي زاده الله فصاحة في الحق، فقد أدى وبيّن، ووعظ واستوفى، وأنا أعرفه والتقيت به قديماً، كما رأيت الشيخ مخلوف وشافهته، وبين الاثنين تشابه في درجة العلم وبراءة الذات وحُسن المقال، وكلمة الشيخ حسن الشافعي التي أذاعها مصورة في الفضائيات كلمة طويلة جيدة صريحة اعتبرها وثيقة تاريخية مهمة ستنفع الأجيال اللاحقة وليس الجيل الحاضر فقط، ولذلك أصررت على إثباتها في آخر كتابي ضمن الملاحق، وأعانني بعض الإخوة على تدوينها مكتوبة، إذا هي صوتية، وله كلمة أخرى جيدة بعد مذبحة رابعة العدوية.

· وكذلك كانت مواقف كبار علماء الأزهر، وشيخ المقارئ المصرية الشيخ المعصراوي، فإنهم لزموا العفاف ولم يؤيدوا الانقلاب، بل وأنكر بعضهم علانية، وأصدروا فتوى جيدة ببطلان الانقلاب أُذيعت من مايكروفون العدوية ونقلتها قناة الجزيرة.

· وكتب الشيخ وجدي غنيم كلمة جيدة في النكير على شيخ الأزهر وأذاعها، ولكني لم أحصل على نصها كي أثبته في الملاحق، فليبحث عنها من يريد الاستقصاء، ولكني رأيت له فيديوات عديدة أجاد فيها بلسانٍ مبين.

· ولما اشتد النكير على الراهب: أعلن أن سيعتزل في بيته، ثم زعم أنه قد يستقيل، وكذب، واعتزاله لا يعالج السوء، بل التوبة هي العلاج، ومن تمام التوبة لمثله كما يقول الشيخ عبد العزيز الطريفي أن يبيّن تفاصيل الملابسات في القضية وكمية المبالغ التي استلمها عندما باع دِينَه، وذلك لقول الله تعالى: (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا)، فالبيان شرط في توبة مثل هذه العمامة النتنة. ولكن أنّى يكون لمثل هؤلاء ضمير يستيقظ !! وكأني أنظر إلى المحاكمات الربانية يوم القيامة، فيأمر الله ملائكته أن تضرب وجوه علماء السوء، ثم يأذن لعبد الله بن المبارك بمثل ذلك، وهم صفٌ طويل على مدى التاريخ الإسلامي، فيصفع كل واحد منهم صفعة صفعة، إلّا راهبنا، فإنه يصفعه صفعتين ويقول له: شوّهت المنظر العلمي النقي الذي نحرص عيه ولوّثَك الدولار والريال والدرهم والدينار.!

  وثالث الرهبان الذين رسموا الوجه الإسلامي للانـقلاب: عبد المنعم أبو الفتوح، فقد أخطأ أولاً بانشقاقه عن الإخوان، ثم أخطأ ثانية بالترشيح للرئاسة ناحتاً من الأصوات الإسلامية بدل أن تذهب كلها للإخوان، ثم أخطأ ثالثة بالنزول هو وحزبه إلى ساحة التحرير وهتافه ضد مرسي والمعاونة في إسقاطه، جنباً إلى جنب مع عتاة العلمانيين والمخربين، ولا ندري إن كانت يده قد تلوثت بالدولار النفطي أم أنه قدمها خدمة مجانية ساذجة، ولكن ندري كما درى كل الناس أنهم أقصوه حين القسمة ولم يختاروه نائب رئيس أو وزير، وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أنهم فهموا أنهم عوضوه مالاً من قبل، فعاد يولول غاضباً على الشلّة الانقلابية، وهيهات جبر الفلتة منه.

· وقصة أبي الفتوح هي فصل في فقه الدعوة عنوانه: أن الله يحرس الدعوة إذا غفل الدعاة عن حراستها، فالموعظة فيها موجهة للدعاة ولا يكاد يفهمها من عامة الناس سوى القليل، وهي قصة عجيبة عندي فيها الدليل الكامل على أن عين الله تكلأ الدعوة وترعاها إذا كان الدعاة ضحية بعض البساطة ولا يجيدون فقه التوثيق والتضعيف ومفاد الجرح والتعديل، ويسترسلون مع العفوية وحسن الظن شِبرين زيادة. وذلك أن أبا الفتوح لم ينشأ مع الدعوة منذ شبابه الأول لتعجنه عجناً وتمحّضه تمحيضاً بالتربية العميقة، بل كان يعمل في الاتحادات الطلابية الإسلامية العامة، وهو نوع من النشاط عاطفي الأسلوب لا ينزل إلى القعر حيث مستوى التربية الزهدية والغوض في أعماق القرآن الكريم وموازينه، ولكن لما أفرج أنور السادات عن الإخوان وعادوا إلى الميدان كدعوة عريقة لها سمعتها وتاريخها النبيل ومكانتها الكبيرة: رأى بعض قادة العمل الطلابي في لحظة إيمانية أنهم كانوا رجال مرحلة صعبة مارسوا فيها الواجب الإسلامي عند غياب الدعوة، وأن الدعوة قد عادت ورجع قادتها إلى الميدان، ولذلك فإن الانتماء للدعوة أولى، فكان انتماء عبد المنعم وعصام العريان، وأبديا كفاءة لاحقة في عمل نقابة الأطباء، وهو عمل عام مساند في العمل الفكري التربوي الذي هو الأساس، ولكنه لا يرقى إلى درجة ربط القيادي الذي يعمل فيه بالموازين والقواعد الدعوية بنفس الدرجة التي يمنحها العمل التربوي، لأن العمل النقابي عمل جماهيري يغلب عليه الأداء العاطفي والنشاط الانتخابي وتوفير الخدمات للناس، وفيه سمعة ودعاية، وهنا استيقظ وتر داخلي في أعماق التكوين النفسي في عبد المنعم يُسمع منه لحن الزعامة والرئاسة، لأنه انتمى للدعوة وهو رئيس طلابي ولم يتدرج، ولم يلبث تابعاً في المؤخرة حتى تكتمل له صفات الجندية، بل افتقدها وانغرس فيه طموح، والعرف الدعوي يميل إلى الحذر من ذلك، ومراقبة صاحب الطموح، ولكن لا يمكن مصادمته إذا كان لابثاً مع الطاعة ولم يبدُ منه خلاف، فلما انتقلت الدعوة إلى مرحلتها السياسية التالية التي مارست فيها المشاركة في الانتخابات البرلمانية: زادت مساحة تحرك عبد المنعم، يحركه إيمان مخلوط بطموح، فلما حصلت ثورة 25 يناير، وانفتح مجال للترشيح لرئاسة مصر نَشَطَ الوَتَر داخل عبد المنعم ودعاه للتطلع، والقادة ينظرون لذلك بنظر عفوي تبسيطي، ولذلك كثر حديثهم عن احتمال قَبولهم أن يكون عبد المنعم هو مرشح الدعوة للرئاسة، وفضّلوه على خيرت الشاطر، ولم يتصاعد فهمهم إلى الدرجة التي يدركون بها سلبيات الطموح التي تزاحم دوافع الإيمان الدافعة لعبد المنعم، واسترسلوا في تبسيط المسألة المعقدة غاية التعقيد، فلما كاد الجو أن يخلو لعبد المنعم ويصفِر، والله لا يحب الطموح الشخصي: أمَرَ ملائكته أن تقذف في قلب عبد المنعم معنى مخالفة الجماعة إذا رأت اعتزال الانتخابات كُليةً، إذ كانت مترددة، فلما اتخذت قرارها بعدم اشتراك الجماعة في الانتخابات الرئاسية: خالفها عبد المنعم وانشق وأعلن أنه سيرشح نفسه، ولو كان صَبَر يومين آخرين لكان هو مرشح الجماعة إذا بدّلت قرارها وقررت المشاركة، ولكن الله يعلم ما لا نعلم، وحمى الدعوة من أخطاء عبد المنعم لو كان رئيساً، إذ إن منافسته للجماعة بعد ذلك وتصريحاته العدوانية ثم اشتراكه في الانقلاب العسكري هي دليل كامل على أنه لا يمثل النموذج الإخواني الصميمي، ولو كان استمر لصارت نكبة دعوية ولأصبح أول رئيس يمثل وجه الدعوة بنقصان ومزاجية ومصلحية، ولكن الله سلّم، وجعل أبا الفتوح ينشق حتى لا تفشل التجربة الدعوية السياسية، وهذا درس بليغ في جريان الأقدار وفي فقه الدعوة يجب أن يستوعبه كل قيادي دعوي وأن يتأمل فيه طويلاً ويقتبس العِبَر، وهي دعوته سبحانه، يحرسها إذا غفل الدعاة، وفي دعاء الصالحين قولهم: يا ناطر الغافلين.

ومن ملحقات قصة أبي الفتوح: أن رجلاً عاقلاً من المتحمسين لترويج كتبي، بل يحفظ نصوصاً منها: صار مدير الحملة الانتخابية له، واسمه أحمد محمد علي، وكان حريصاً على أن يلقّب بأنه: محمد أحمد الراشد المصري، أي النسخة المصرية مني، وحضر درساً لي في قطر، وأقام بعض الدورات التي اقتبس فيها المعاني من كتبي كما أخبرني، ثم لم يلتفت إلى النشاز في سياق قصة عبد المنعم، مع أن القارئ الجيد لكتبي أفترض فيه وعياً كافياً لقضية التوثيق وأعمال القلوب، ولذلك أرشحه إلى أن يتوب مما اقترف، ويُصلح ويُبيّن أسرار ما حصل.

· ولعلّ ما هو أعجب من قصة الأقدار الربانية التي أقصت أبا الفتوح عن الجماعة: قصة أقدار ربانية أخرى أقصت الأخ خيرت الشاطر عن الانتخابات الرئاسية، فقد كان هو مرشح الجماعة البديل عن عبد المنعم ليكون رئيس مصر، وهو أخ ثقة مخلص عفيف باذل صابر صاحب تضحية وتحديات للظلم، وجمع مائة صفة من صفات النبل، وملأ مكانه كنائب للأستاذ المرشد بجدارة ولياقة تامة، ولكن منصب رئاسة الجمهورية يحتاج وعياً سياسياً عالياً، وهذا الوعي مثلوم غير كامل عند خيرت، ولذلك منعه القدر الخيري الرباني من أن يكون رئيساً، في صورة اعتراض السلطة القضائية على ترشيحه، والدليل على حاجته لمزيد من وعي سياسي أن للانـقلاب الذي قاده السيسي سبعة وجوه أحدها شيعي إيراني، وكانت مشاغبات إيران معروفة ملموسة طوال السنَة ضد الدعوة بمصر، وهو يعلم قصة محاولة كمال الهلباوي قيادة انقلاب إيراني على الكيان القيادي الدعوي بمصر، والتي فشلت بحمد الله وقوته ومنته العظمى من خلال استدراك قيادي سريعٍ واعٍ، ومع كل هذا سعى الأخ خيرت بدوافع خيرية استثمارية إلى محاولة تأسيس شركة طيران خاصة لنقل خمسة ملايين إيراني شيعي سنوياً يريدون زيارة المقامات الفاطمية بمصر، مما ذكرناه سابقاً، وهو مدفوع بنية حسنة يبتغي من ورائها تحقيق أرباح إسلامية وإنعاش المورد السياحي المصري العام، ولكنه يغفل أولاً عن معنى تشجيع البدعة القبورية في ذلك، ثم البدعة الشعوبية الكارهة للعرب مما هو مكروه بإجماع أئمة الفقه والعقيدة، ثم ما في ثنايا ذلك ثالثاً من فرصة نشر التشيع بمصر ودقّ إسفين خلاف في مجتمع مصري مَنّ الله تعالى عليه بوحدة المذهب التي نتجت عنها وحدة اجتماعية هي ميزة فريدة للمجتمع المصري، ثم ما سيكون رابعا من فساد أخلاقي شيعي باسم المتعة في مجتمع مصري فقير يستطيع المال أن يكون عامل إغراء فيه، فإن بعض الزائرات سيبذلن أنفسهن للزنا بمصر باسم المتعة الحلال في مذهب الشيعة، بل التي تصرح عقائدهم بأنها قُربة إلى الله ويحشر مرتكبها مع الحسين في الجنة، ثم سيغري بعض الإيرانيين عفيفات مصر بأن يزني بهن بإغراء المال ومن خلال دعوتهم للتشيع، وكان الرئيس مرسي قد أمر بفض اجتماع شيعي لأحد دعاة الشيعة في قرية من القرى، فأصبحت قضية في الإعلام المضاد لمرسي، ثم تبين أنه ليس باجتماع عادي بل هو عرس لمائة متزوج وقتياً يستمتع على طريقة الشيعة، وكل ذلك مما غاب عن وعي أخي الحبيب الثقة خيرت الشاطر، وغلبه النظر الاستثماري المجرّد، وأرجو أن يتسع صدره وصدر إخواني قادة الدعوة لهذا النقد، فإن الخطأ يقال له خطأ.

· وارتضاها الله تعالى وادخرها لمرسي دعائم الخير ورئيسنا القرآني الواعي الشجاع المتجرد الزاهد بقية السلف الصالح، وعقيدتي: أن الأقدار الرانية هي التي رشحته، ويفهم ذلك معي من يفهم بعد التأمل العميق في أسرار القَدَرين السابقين الحاجبين لأبي الفتوح وخيرت الشاطر، ولذلك أنا موقن بأن الله سيحفظ هذا الرجل المؤمن النقي الجسور، وسيزول طغيان الانقلاب وتكون لمرسي وللدعوة عودةٌ قوية ولو بعد حين، وستكون التنمية، ويكون عِز مصر والأمة، وتصح مقولة المصريين: (مصر أُم الدنيا)، وتزول إسرائيل، ويكون انكفاء أميركا، ويرفل الناس بالخير في ظلال القرآن والإيمان.

 

 

 

يتواصل....................

الردة عن الحرية/الأستاذ الدكتور محمد أحمد الراشد (الحادية عشرة)

السراج TV