الكتاتيب القرآنية :وجه مشرق للتعليم المحظري في آفطوط |
السبت, 29 مارس 2014 04:24 |
رغم ضعف التجربة وتواضع الإمكانات وكثرة التحديات إلا أنها تحظى بإقبال متزايد، ويمنحها الأهالي عناية خاصة تقرأها في قسمات الأوجه ونظرات الأعين والأحاديث المتدفقة عن حاجة القرويين إلى هذه الكتاتيب القرآنية بعدما عانوا من الجهل والتجهيل على مدى سنوات طويلة ، فكانت بحق إشراقه أمل ومشعل تنوير ورافد تعليم ودعوة في العديد من قرى آفطوط. في بوغول التي تحتضن أقدم كتَاب تأسس قبل حوالي عقد من الزمن كان أحد خريجي المحظرة هو من يتولى مهام التحفيظ والتدريس وفي لكنيبه عشرات التلاميذ يتوزعون حفظ كتاب الله ومن أجزاء متفرقة، وفي اشكاطه إمام مسجد القرية هو من يتولى بنفسه مسؤولية التدريس إلى جانب مهام الإرشاد الديني وإمامة الناس في خطبة الجمعة والصلوات المكتوبة . ومع ذلك تبقى كتاتيب آفطوط فريدة في تجربتها ليس فقط على مستوى الإقبال رغم حداثة النشأة بل أيضا في الممارسة والأداء فهي لا تحول بين روادها ومواصلة تمدرسهم متى ما كانت مستوياتهم تسمح بذلك، وأحيانا لا تمنع تفرغهم لأعمال الزراعة ومساعدة ذويهم خلال مواسم الفلاحة والحصاد لكنها تفرض عليهم جدية وانتظاما في الحضور والحفظ فيما عدا هذه المواسم وتقدم لهم نماذج شاهدة من بني قومهم يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم يجللهم وقار العلم وتغشاهم السكينة وهم الذين كانوا حتى وقت قريب مثل أي شاب في آفطوط همه الأول :الرعي والحرث ولا يرى العالم سوى صورة مصغرة لقريته ذات الأسماء غير "المتغيرة " والمباني الطينية الداكنة . فكانت كتاتيب آفطوط بحق قبسا من نور القرآن سرى طيفه بين تلك القرى النائية والنجوع المعزولة فأحيي مواتها وأيقظ ساكنتها بعد هجوع وأمدها بمدد منه لتصبح بحق إشراقة أمل وتباشير فجر صحوة قرآنية في هذه القرى .
تجربة فريدة .. عبد الله ولد أبلال شاب في مقتبل العمر ، يتدفق نشاطا وحيوية كان قبل سنوات قليلة من بين تلاميذ كتابه لكنه اليوم وبفضل الله أولا ثم بفضل اجتهاده ومثابرته هاهو المقرئ الأول بمحظرة قريته والتي تضم الآن ما يزيد على 150 طالبا ولضمان جودة التحفيظ لا يجد حرجا في الاستعانة بكبار الطلاب في تدريس المبتدئين ومن لا زالوا في مرحلة التهجي ، مما يسمح لهؤلاء باكتساب خبرة في تعليم الصغار ويساهم في ترسيخ محفوظاتهم وهو نفس سلوك شيخه السابق معه وما أهله كما يقول لتولي مهام التدريس بالمحظرة. تقاليد راسخة .. كان الشيخ الشاب ولد أبلال على اتصال مباشر بتلاميذه، وهو على دارية تامة بظروفهم المعيشية والأسرية وسهل عليه كما يقول إقناع الأهالي بأهمية ابتعاث أبنائهم إلى الكتاب ، وتبديد تلك المسلمة التي لدى كثيرين من انه لا يمكن الجمع بين التمحظر والتمدرس حيث يقول إن من طلابه من يزاولون دراستهم في مدرسة القرية ولا يختلفون في شيء عن نظائرهم المتفرغين للمدرسة-إن لم يكونوا –أفضل منهم تحصيلا لكن الأمر يتطلب تفهما من ولي الأمر ومستوى من الانضباط وتنظيم الوقت فدوام المحظرة يبدأ من طلوع الفجر و أحيانا قبل ذلك وحتى السابعة والنصف صباحا موعد التأهب للذهاب إلى المدرسة والبقاء بها حتى منتصف النهار وأحيانا إلى حدود الثانية كما تستفيد المحظرة من أوقات أول الليل في التسميع والحفظ. ومع ذلك فالواقع المعيشي الصعب ألقى بظلاله على مختلف جوانب النشاط في القرية حيث لا تتوفر المحظرة على مبنى مستقل ، وتحتاج دعما على مستوى توفير المصاحف وأمهات الكتب الشرعية مع الحاجة الماسة إلى مصدر للإنارة، حيث لم يعد من المتاح اللجوء إلى ضوء النيران بسبب انحسار الأشجار مع اتساع رقعة التصحر،ثم لوجود مصادر للإنارة غير الحطب كالطاقة الشمسية مثلا. كان التلاميذ في فسحة الضحى عندما زرنا مقر محظرة بوغول وفيما لا زال بعضهم يستظهر "كتبته" الجديدة، كان غيرهم منهمكين في كتابة ألواحهم متتبعين رسم المصحف المفتوح أمامهم.ورغم روح الانفتاح على التعليم النظامي تحافظ كتاتيب آفطوط على تراث المحظرة التقليدية من استخدام لألواح الخشب وحبر الفحم والصمغ وأقلام الخوص، حتى في الأخذ بفترات الاستظهار واعتماد التكرار كوسيلة للحفظ. المحظري المتمدرس .. "لكنيبه " التي اختارتها منظمات تنصيرية لتكون رأس حربة في جهودها لاختراق قرى آفطوط وشيدت بها مبنى ضخما يحمل لافتة "البنك متعدد الوظائف" بها كذلك واحد من أقدم الكتاب في قرى ونجوع آفطوط لكن طلابه اليوم لا يجدون غير مسجد القرية -الذي بناه السكان بجهود ذاتية- كمقر لحفظ كتاب الله ومزاولة مناشط الطلاب. ورغم قدم المحظرة التي يعود تأسيسها إلى 2003 إلا أنها لم تتمكن من تخريج محفظين كما في بوغول مع أن بها أزيد من 115 طالبا –كما يقول شيخها محمد يوسف ولد حمودي خريخ محظرة أحسي الكردان قرب تكند بولاية اترارزه. وفيما عدا ذلك لا يختلف الوضع في لكنيبه عن نظيره في بوغول حيث يوجد من بين الطلاب متمدرسون يقدر عددهم ب17 تلميذا، ونظام التدريس على فترتين صباحية ومسائية وتحتاج المحظرة إلى مقر مستقل ومصدر للإضاءة غير الحطب إضافة إلى المصاحف والكتب الشرعية. وبسبب ظروف الفقر فإن التكفل بطلاب المحظرة خاصة الأكثر خصاصة يصبح مطلبا حاضرا لدى كل من التقينا هم بمن فيهم شيخ القرية الشاب ولد حمودي والذي قال إن محظرته تستقبل تلاميذا من قرى مجاورة كيديقوب 4 كلمترات واسلخ 3كلمترات.وإذا كان مسجد القرية هو الحاضن للمحظرة حتى الآن فهو يحتاج إلى سور أو سياج يحميه من صولات الحيوانات السائبة ويحافظ على حرمته.
مطالب وآمال في قرية لمبيديع أودي الغربان التابعة لمركز لعويسي توجد احدث محاظر مبادرة آفطوط لتحفيظ القرآن الكريم وأقلها طلابا حيث لا يتجاوز العدد 83 طالبا من الذكور والإناث كما يقول المدرس أحمد ولد عمار خريج محظرة الإمام عبد العزيز سي بنواكشوط والذي انتقل للتدريس بالمنطقة منذ 2006 وبعد انتدابه من طرف إحدى المبادرات الأهلية لتحفيظ القرآن الكريم لكنه اليوم يجد نفسه أكثر انسجاما مع سكان القرية رغم الظروف المعيشية الصعية والعزلة خلال موسم الأمطار لكن إيمانه برسالته ودعم المبادرة التي تقدم له إعانة شهرية في حدود 60ألف أوقية ذلل له الكثير من الصعوبات كما يقول. أما المشاكل المطروحة فلا تختلف كثيرا عنها في السابق حيث تحتاج المحظرة إلى الإنارة والكتب والمصاحف والإعانات المادية لضعاف التلاميذ، وقبل ذلك توفير مقر للمحظرة غير مصلى القرية الذي لا زال عريشا من القش والخشب لا يوفر الظل ولا يقي من البرد.
نصح لكتاب لله .. ورغم ذلك فهذه الكتاتيب إلى جانب دورها في تحفيظ القرآن الكريم -والقول لولد عمار -تشكل نواة لتعليم اللغة العربية وأحكام الشرع في قرى ونجوع معزولة ظلت حتى وقت قريب شبه محرومة من إشعاع المحظرة وعطاءاتها في التربية والتعليم. ويشيد ولد عمار بجهود مبادرة تحفيظ القرآن الكريم في قرى آفطوط والتي يعود لها الفضل بعد الله تعالى في إنشاء ورعاية عديد المحاظر بالمنطقة بما فيها محظرة بوغول ولكنيبه ولمبيديع مع التكفل بمدرسيها. وفي نواكشوط ترعى المبادرة أنشطة مماثلة من قبيل التكفل بالراغبين في حفظ القرآن الكريم من دول إفريقية ورعاية الافطارات الرمضانية، فضلا عن بناء المساجد والآبار في الداخل .
تحديات وقيود ورغم الطفرة التي حدثت في التعليم المحظري بقرى آفطوط فإن تحديات كثيرة لا تزال تلقي بظلالها على أداء هذه المحاظر القرآنية ، تحديات بعضها مادي ولآخر تنظيمي وإداري وذلك من قبيل: -تحدي تكييف عمل المحظرة مع دوام المدرسة -تحدي تكييف المحظرة مع الظروف المعيشية للسكان ونشاطهم الزراعي . -تحدي منع تسرب الطلاب بعد إتقان مبادئ التهجي. -تحدي التكفل بالأطفال الفقراء الذين هم غالبية الطلاب -تحدي توفير المدرس والمقرئ المتفرغ -تحدي توفير المقرات والتجهيزات اللوجستية -تحدي أن تصبح هذه المحاظر رافدا للتنمية وحافزا للتغيير الايجابي |