لا تحسبوه شراً لكم/د. محمود حسين |
الاثنين, 02 ديسمبر 2013 11:24 |
تذكرت "حادثة الإفك" أثناء الانقلاب، وبدأت بالمقارنة فيما بين الحدثين على اختلاف تفاصيل كل منهما، ووجدت تشابهاً عجيباً جعلني وأنا أنظر إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتاب الله تعالى أجد بُعداً آخر لم ألتفت إليه، وربما لم يلتفت إليه بعض المسلمين؛ وهو أن العظات والدروس من أي حدث في السيرة لا تتوقف عند ما يشبهه في حياتنا، بل ربما نجد عظات ودروساً في أحداث في السيرة، أو جاءت في كتاب الله عز وجل، قد لا يبدو فيها تشابهاً مع ما يمر بنا من أحداث معاصرة تختلف في المناخ والتفاصيل، ولكن بقليل من التدبر سنجد ربطاً كبيراً بينها، وخصوصاً أن الهدف من دراسة السيرة هو ربطها بالواقع، وهذا هو قمة الإعجاز أن يجمع لنا الله سبحانه وتعالى كل ما تحتاجه البشرية على مر العصور في نموذج واحد؛ هو حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق الله حين قال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}) (الأحزاب).. وتعالَ معي لنتدبر فيما حدث من انقلاب عسكري دموي على الشرعية، وأوجه الشبه بينه وبين "حادثة الإفك" من حيث الدروس والعبر في الحدثين رغم الاختلاف الكامل في تفاصيل كل من الحدثين: ١- إن من قام وشارك وأيَّد ليسوا من خارج الأمة، وإنما هي عصبة منها؛ (عُصْبَةٌ مِّنكُمْ) (النور:11)، ليس على مستوى مصر وإنما على مستوى الأمة المسلمة؛ بما وجد من دعم من بعض الدول العربية سواء كان مادياً أو تدبيراً وتخطيطاً هذا فضلاً عن الدعم الخارجي الأجنبي. ٢- إن الانقلاب وإن كان فيه من الألم والعناء، إلا أنه مليء بالخير، وسنتحدث عن هذا تفصيلاً لاحقاً بإذن الله تعالى، فهو إذاً ليس شراً بل هو خير لكم، وليس معنى هذا أن من قام به لم يقم بشر للأمة، ولكن معناه أن الله عز وجل يجعل في ثناياه الخير للأمة المسلمة. ٣- إن الانقلاب صنّف الأمة إلى أنواع حسب العقاب من الله؛ (لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) (النور:11) فمنهم: من قام بالانقلاب أو شارك فيه كراهية للوطن والأمة ولدينها وتشويهاً لهويتها وثوابتها يتحمل الإثم الأكبر(وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {11}) (النور:11) وهذا ما كان للأمة أن تعرفه إلا بهذا الحدث. ومنهم من قام فيه أو شارك عن سوء قصد أو سوء ظن بمن هو قائم على الأمر سواء منهم من كان يعتبر "د. مرسي" كولي للأمر أو جماعة الإخوان باعتبار أن الرئيس ينتمي لها، أو صدق إشاعة ومقولة "أخونة الدولة" (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) (النور:12)، وهذا لم تخرجه الآيات من دائرة المسلمين بل اعتبرته الآيات جزءاً لا يتجزأ من الأمة، وانظر لاستخدام لفظ بـ"أنفسهم" تشمل من شارك ومن كان ضد الفعل في آن واحد، وانظر للإعجاز القرآني في ذكر المؤمنين والمؤمنات، مع أن من قام بحادث الإفك هو رجل وكان إشارة الآية لتبين لنا أن الأمر ليس قاصراً على الرجال فقط. ومنهم من قام أو شارك؛ لأن معايير الحكم على الأمور لديه مختلة ولم يعمل عقله في تفسير وتحليل الأحداث وطريقة الحكم عليها (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ {13}) (النور)، وهؤلاء تتحدث عنهم الآيات بشيء من التفصيل؛ (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ) (النور:15) واستخدام الآية للفظ تلقى الأمر ليس بالأذن وإنما باللسان؛ إشارة إلى أن الأمر لم يدخل عقله وإنما ردده كالببغاء كما سمعه دون إعمال عقله، ثم يأتي التهديد لهذا الصنف من الناس (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {17}) (النور)، وانظر أيضاً للفظ أبداً وما فيه من الزجر، ثم الإشارة في نهاية الآية فيها زجر شديد لهم. ومنهم من قام أو شارك وهو يعلم أنه كاذب مخادع وأنه لم يقم دليلاً على ما يقول (فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ)، وهذا صنف مختلف عن سابقه لأن هؤلاء يعلمون أنهم مخادعون لغيرهم؛ لأن لديهم معايير صحيحة لكنهم لم يعملوا لعلة في قلوبهم أبعدتهم عن قول الحقيقة. ومنهم من قام أو شارك أو أيد دون وعى أو غرر به "وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ في الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ في مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وهؤلاء تضع الآيات لهم توجيها شديدا وتهديدا بالعذاب العظيم. ومنهم من قام أو شارك أو أيد وهو لا يريد الخير ويريد إشاعة الفاحشة في الأمة لأنه منغمس فيها "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ" وهؤلاء يتعهدهم الله بالعذاب ليس في الآخرة فقط وإنما في الدنيا أيضًا. ثم تؤكد الآيات التذكير بأن كل ما يحدث رغم ما فيه من ألم ومعاناة إلا أن فضل الله ورحمته مصاحبة للمؤمنين وأن الله سبحانه وتعالى تواب رحيم رءوف "وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ"، "وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"،"وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ..." لتؤكد أن فضل الله عظيم وأن رحمته لم تتخل عن المؤمنين، وأن ما حدث فيه تربية وتزكية للفئة المؤمنة وكشف للفئة المنافقة والمعادية للأمة، وأن حكمة الله عز وجل هي التي اقتضت هذا السياق. إن الأحداث هي وحدها الكاشفة عن أصناف البشر داخل هذه الأمة؛ فمنها من هو رافض وكاره، ومنها من هو جاهل، ومنها من هو مغرر به، ومنها من يحتاج لتوجيه... إلخ، ولكن وهو الأهم أن كثيرا من هذه الأصناف لم تخرجه الآيات من الملة ولا من الانتماء لهذا الدين؛ وإنما كان التوجيه والتربية وإعادة التأهيل، وأعطته الفرصة للتوبة والعودة إلى الله وليس معنى ذلك عدم وجود الصنف المنافق والكاره لدين الله والمعادى له وهذا توعدته الآيات بالعذاب العظيم وليس أمامه فرصة لأن قلبه امتلأ بالحقد على الدين وعلى المؤمنين.
|