الردة عن الحرية [ح:15] (فوائد للانقلاب على الدعوة )/د. محمد أحمد الراشد |
الجمعة, 06 ديسمبر 2013 01:06 |
الفوائد العظيمة الكثيرة التي منحها انـقلاب السيسي للدعوة في حكايات التراث: أن والياً تركياً رأى انشغال قبائل العرب في الولاية التي يحكمها بأمرٍ دهمهم فجعلهم في نفير واهتمام مضاعف، لكنه لبث يرى أهل الطرب واللهو والفجور من رعاع الناس في غفلتهم ويعزفون الموسيقى ويرقصون، فأنطقت الوالي رَطانتَه الأعجمية بجملةٍ ذهبت مثلاً سائراً حين قال: (عَرَب وَيْن، طنبورة وَين)، وتعبير وَين: بمعنى: أين، والطنبورة: أي الطنبور، وهو آلة موسيقية وترية قديمة أشبه بالعود، ويشير بذلك إلى أهل الطرب. ويصور هذا المثل حالنا، فنحن في نفير لتحصيل الحرية من خلال ثورات الربيع العربي، وكل اهتمامنا يتركز في السياسة وإدارة التحول الاستراتيجي في مسيرة الأمة بنجاح، ولكن مجموعة أهل الفسوق والفن الهابط والإعلام الماجن وجماعة الممثلين والممثلات والطُنبوريين والتهريجيين يُغدق عليهم حفاة الصحراء رعاة الإبل مليارات من الدولارات ويشترون لهم ذمم عساكر وأقباط لافتعال حفل ماجن صاخب مدةَ موسمٍ يكون فيه التعكير على مسيرة الحرية، وأحد الأدلة على ذلك صورة اشتهرت للممثل والمخرج السـينمائي المجرم طارق النهري يحمل المسدس بيد، ويمسك بالأخرى حراً يريد قتله، عقوبة لهذا الحر حين تظاهر أمام السفارة الأميركية في القاهرة منكراً تدخلها في الشأن المصري. فالمفاصلة حاصلة يقيناً، ونحن العرب في واد، وأهل الطنبورة في واد. والكثير من الدعاة أصابهم حزن حين حصل انقلاب الطغمة الفاسدة ذات العفونة السباعية الإنتان، وظن بعض الدعاة أن الانقلاب تعويق ورجعة إلى الوراء، ولست أوافقهم، بل أراه من الأقدار الخيرية الربانية، وأنه أكبر خطأ ارتكبه آل سعود في حياتهم، وأنه أخطر قرار من القرارات المهلكة التي ارتكبها محمد بن زايد آل نهيان بسبب قلة عقل ونباهة وذكاء مجموعة مستشاريه الذين يخططون له: أحمد شفيق، ودحلان، وضاحي خلفان، وأسعد عبد الرحمن، وأن الانقلاب تمثيلية سيئة الإخراج جداً، رديئة الممثلين، وأن مرتزقة الإعلام المصري رسموا صورة هزيلة مضحكة أعطت مفعولاً عكسياً، وما كان الواحد منهم يستحق غير أن نقول له، صه، فلن تعدو قدرك الواطئ، وديدنك الأخلاقي الإباحي الهابط. وقد صرف رعاة الإبل أموالهم المليارية، ثم ستكون عليهم حسرة، ثم يغلبون، ومرسي والإخوان وعموم دعاة الإسلام بخير، وازدادوا جاهاً وسمعة طيبة وقوة وتأثيراً، ولو كان آل سعود وآل نهيان وآل الصباح استمالوا الإخوان والإسلاميين لكان خيراً لهم، وأجدى وآمن، لأن وعيهم أوصلهم إلى ضرورة نصح الشباب الخليجي بعدم الثورة على هؤلاء الآل الثلاثة لئلا تستفيد إيران الشعوبية الابتداعية من ذلك ويزيد اختراقها للأمن العربي الاستراتيجي، حتى أنا قلت ذلك صراحة في آخر صفحة من كتابي عن ثورات الربيع العربي المسمى “تنظير التغيير” الموجود على “الصفحة الرسمية للراشد” في الفيسبوك منذ عشرين شهراً، وقد قلت ما نصّه: (وإذا لم يصعد التيار الإصلاحي في إيران إلى الحكم: فإني أرى الحفاظ على الجبهة الشرقية كما هي، منعاً للاحتمالات السلبية، وعندئذ يكون من الأفضل ان تتحول خُطة التغيير في الخندق المواجه للصفوية إلى مطالبة بإصلاح وحريات وحقوق دستورية وتنمية راشدة وتجميد لفكرة الصلح مع إسرائيل، وهذا تكتيك يفهمه العقلاء من العرب وأبناء الصحراء، ولكني أخاف أن تدخل أميركا على الخط وتؤجّج صراعاً وتغييراً في غير وقته الملائم تحقيقاً لنصيحة الرئيس نيكسون في مذكراته بضرورة تمكين الصفوية وفسح المجال لها أن تصول وتجول انتقاماً من الوجود السني الذي جاهدها على طول الخط، والسياسة عالم عجيب، وينبغي أن لا تخدعنا ظواهر الأمور وخُطب أحمدي نجاد الرستمية الكسروية الكورشية الإخمينية، فإنّ اتفاقات الباطن غير ذلك، وهي النافذة، وقد كتب الله على بعض المؤمنين، النظر التبسيطي، وسيخدعهم الخَبُّ، ويندمون). وكأن بإمكانهم تأمين المرحلة بمثل هذا التطمين من الإخوان، ثم استدامة أمنهم بالعدل الذي يبدونه وإقرار حقوق الإنسان بدون الحاجة لانقلاب. والدليل على أن افتعال الجهات الغبية السبعة لانقلاب السيسي كان قراراً مُهلكاً وعملاً خاطئاً: حصول خمس عشرة فائدة ومصلحة للدعوة الإسلامية في شكل نتائج إيجابية متولدة من الانقلاب سترتفع بمستوى الأداء الدعوي أضعافاً مضاعفة، وتختصر الزمن والجهود والطاقات والأموال، وتُدخل السعادة إلى قلوب الدعاة والأمل والبشائر والطموح، وكل ذلك من فضل الله على الدعاة وتوفيقه، فإنّه ناطر الغافلين وولي المتقين، ويجعل من أخطاء الـمَرَدَة والمخابرات مَصاعد لنا، ومن أين يُتاح لرعاة الإبل الذين همهم التطاول في البنيان أن يفهموا موازين حركة الحياة كما نفهمها ؟؟ فيا أيها الإخوة الدعاة في كل العالم، ويا أيها الأبطال في ميادين رابعة العدوية والنهضة والجيزة والاسكندرية والمنصورة وسوهاج: اطمأنوا، وأربِعوا على أنفسكم، فقد يأذَنِ القَدَرُ الرباني أن ترجعوا إلى بيوتكم آمنين بعد أيام، ثم اللهُ تعالى سـيـيـسر التغيير الحاسم آخر الموسم بما أتاح لكم من حقائق التطور الدعوي من خلال أخطاء الانقلاب، أو الآثار الإيجابية الآتية التي نتجت من وقفتكم البطولية المباركة، ورحم الله الشهداء الذين سبقونا إلى رحمة الله وفدوا الدعوة والحرية بأرواحهم لتحقيق هذه النتائج الباهرة: ·أولا: إن الدعوة نجحت في كسب ولاء أكثر الشعب المصري لها، وأكثر العرب والمسلمين في العالم الإسلامي، ثم أكثر أحرار العالم من كل الشعوب في العالم الثالث وفي الغرب والشرق على حد سواء، وهذه منزلة جديدة يحتلها الزحف الدعوي تحصل لأول مرة في التاريخ بهذا الحجم الضخم، وإذا كان مندوب القناة البريطانية يقدر عدد الذين خرجوا في المظاهرات بوم 19/7/2013 تأييداً لمرسي بخمسين مليوناً في كل مدن مصر، كما هي الصور الجوية، فهذا معناه أن كل عضو من الإخوان والسلفية أصبح يستثمر ولاء خمسين مصري شريف عاشق للحرية، وأن كل بروتون منتظم أصبحت تدور في مدارات حوله خمسين من الكترونات التأييد والنُصرة والارتباط المصيري والتأثر الفكري والانحياز السياسي والتصويت الانتخابي والتوافق القِيَمي والوضوح المبادئي، وكلها تـنـتفض حيوية بفعل شحنة الحرية، وهذا ما لم يحدث في تاريخ العرب الحديث، وما كان يصل إليه خيال أكثر الدعاة طموحاً، والظروف مواتية لتحوّل هذا الولاء الجديد إلى ولاء دائم واعٍ عميق وتكوين تيار كاسح يسهل عليه أن يتوصل إلى نتائج حاسمة، وقد مَكَرَ محمد بن زايد، فمكَرَ الله سبحانه خيرُ الماكرين، فكانت هذه الاصطفافية العارمة ضده وضد أمثاله. ·ثانياً: إن الشعب المصري أدرك القصة بفطرته النقية، فاستيقظ، ولكن يقظات الشعوب تحتاج وجود القيادة التي يثق بها الأحرار، فلما نجحت التربية الدعوية في صياغة عشرات ألوف الإخوان الوعاة المتسلحين بالعلم الشرعي والمعرفي والخبرات التنظيمية والسياسية عبر عمل ثمانين سنة: تشكلت منهم كتلة قيادية نزلت إلى الميدان ورشحت نفسها أن تكون هي رأس النفيضة، وتحالفت مع كتلة سلفية أجادت التعاون، فتشكلت كتلة قيادية إسلامية تقود مسيرة الشعب نحو الحرية، فعدوان الصحراويين أيقظ المشاعر الحضارية المصرية ومنحها زخماً وفقهاً واقعياً رضيت به أن تعترف بالقيادة الإسلامية الدعوية أن تكون قيادة مسيرة الحرية، والتفت حولها فاكتمل التكوين الثوري، وما عاد أحد يتخوف من فراغ قيادي، بل انضبطت بوصلة الجماهير الهادرة كلها وفق خُطة واحدة وتعليمات صارمة، وأبدت الجماهير أعلى درجات الالتزام، بسبب الثقة الكاملة بهذه القيادة، والحفاظ على سلمية المظاهرات هو المثل الأوضح لهذا الالتزام الواعي وطاعة القيادة، وهذه نتيجة ثمينة ساعدت عليها الاختيارات السيئة لمحمد بن زايد لرجاله وتجميعه المتردية والنطيحة وما أكل السَبُع، وعموم شعوب العالم اليوم تدعو بالتوفيق للجماهيرالحرة، وتلعن المجموعة الانقلابية، حتى مجلة التايم، كتبت على الغلاف: إنهم أفضل المتظاهرين في العالم، وما ذاك إلا لأن الله جعل قلوبهم ترتضي قيادة حكيمة تتقرب إلى الله بالسلمية والحكمة.
يتواصل.................. |