الردة عن الحرية [ح:16] (فوائد الانقلاب على الدعوة )/د. محمد أحمد الراشد |
الجمعة, 13 ديسمبر 2013 01:41 |
أما انقلاب السيسي بالتمويل الصحراوي: فكان حادثة كبرى نافضة هازة: منحتنا قضية في أرض الواقع ملموسة واضحة جداً لا تحتاج الخيال لتصَوّرها، ويدركها الفقراء والفلاحون والضعفاء (الغلابة) بالبديهة والفكرة ومن النظرة الأولى، ولذلك ستكون هي محور التحريك في المستقبل، وستعلق في الذاكرة الجماعية للشعب الفطري المخلص الذي كان سمحاً على طول الخط، ولكن عصابات الفساد الإداري والظلم الاجتماعي والسياسي كانت تخونه وتسلب ما يهب الله له، والعصابات السبعة التي اجتمعت وتحالفت وقامت بالانقلاب هي أسوأ من كل الدكتاتوريات السابقة، بقرينة الكذب والتزوير الذي ابتنت عليه، وبذلك توفرت قضية واقعية للشعب تظل ماثلة شاخصة أمامه وتفجّر كوامن طاقته ولا يحتاج الدعاة بعد اليوم إرهاق أنفسهم في حملات توعية وشرح، بل صار الشعب هو الذي يطلب من الدعاة أن يتصدروا ليقودوه، وهذا مؤشر عظيم من مؤشرات نجاح ثورتنا الإسلامية بحمد الله، ولولا خطأ الصحراء ما وضع الحضاريون المصريون الغلابة النظارات والعدسات على عيونهم فأصبحت تقرأ السِّر والكيد الذي غطّته الأنانية الغازية. ·رابعاً: صار لنا بَطَلٌ نتغنى بمناقبه ومحاسنه ورئـيس قرآني فقيه يقوم بتذكير أمة الإسلام كلها لا مصر فقط بسمت الصالحين وهدي عمر بن عبد العزيز بعد ما كان حكام مصر نُسَخاً جديدة من الفراعنة، وبموازاة بطلنا قامت صور أبطال قياديين وقدوات يعرف الشعب أنهم هم الذين كانوا وراء البطل الرسمي المنتخب، ووجود “البطل” الذي يكون محور تجميع ورمز جهاد هو أمر مهم في نجاح الثورات، وبالأمس كانت الدعوة تحيل الشعب إلى أسماء أبطال من الأموات رحمهم الله أدّوا الواجب وغابوا، وأما اليوم فبطلنا حيٌّ، وكان قبل اختطافه مُعرَّضاً للنقد كأي رئيس، وبعد الاختطاف صار مظلوماً اعتدى عليه الجلاوزةُ وسُرّاق الحريّة الكاسرون للصناديق التصويتية الكارهون للطرائق الانتخابية، وهذه أوصاف تستفز كل حُرّ في العالم حتى النصراني والبوذي وتجعل العالم كله يـنـتصر لبطلنا. نعم: أبدى محمد بن زايد مهارة في القنص والصيد، لكنه صادَ أسَداً، وكذلك السلاح والدبابة، يغلبان أشجع الأسود ..! وليس ذلك بفخر، فإنه نِزالٌ غير متكافئ، وتأباه أخلاق الفروسية، وإنما هي جاهليات قياصرة روما .!! ·خامساً: بهذه “الـرِّدّة”: تم تـثـبـيت “قيمة” السعي لنيل الحرية، والبذل في تحصيلها، وأنها تؤخذ غِلاباً ومكافحة، ولا يتصدق بها أحد. وهذه القيمة هي من أهم ضرورات التربية السياسية، ومهما حاولنا ما كنا نستطيع غرسها بسهولة في الأنفُس ولو تلونا ألف قصيدة في الحرية، ولكن الحَدَث الفادح ربى الناس عليها. إذ صارت درساً عملياً ليس فيه تـشويق فقط لنيل معنىً جميلٍ اسمه الحرية، بل فيه أيضاً سرقة ُشيءٍ كان في اليد، ومِلكٌ صِرفٌ صارت له حيازة وتـسجيل واعتراف، وهناك جريمة كاملة الأركان في الوصف القانوني، وما هي بأشواق في خيال شاعر فحسب، وبذلك اكتمل الدافع المحرك للشعب للاسـتمرار في طريق صناعة الدولة الحُرة المسلوبة التي نام الخائفون في ظلها البارد سـنة كاملة. ·سادساً: أنتج هذا الانقلابُ أعلى مستوى لتـشـغيل الطاقات الإسلامية حين حصلت محاولة الاسـتـبداد والاعتراض عليه بالمظاهرات، مع أعلى مسـتوى تصديق بقِيَم “البذل” و “التضحية” و “الصبر” و “الثـبات”، وما كانت أساليب الدعوة في (التربـية التلقينية) لتـسـتطيع بلوغ هذا المسـتوى، لكن الحَدَث اختصر الزمان والمكان ولم يتـرك أحداً عاطلاً أو بطيئاً أو مترهلاً، بل الكل في (نفير عام). نعم: سعة الاستجابة هي ثمرة من ثمرات التربية الدعوية المتراكمة لمدة أكثر من ثمانين سنة، وهي التي وفّرت الأساس الصلب لهذا النفيـر، ولكن (داينمك) الرفض القارع في قوته، الفارع في طوله وامتداده: صار اسـتـثـنائياً، لأنه وليد الميدان، وبه أنَلْنا ملايين الأطفال وصغار الشباب جُرعة تربوية كافية لأن تظل حيّة في ذاكرتهم عشرات سنين أخرى تجعلهم نِعْمَ الحُراس الوعاة للمكتسبات السياسية التي سوف تـتحقق عما قريب بحول الله، وبإمكان المحاربين القدماء أن يركنوا لِراحةٍ بعد قليل عندما تعم الحرية، غير قلقين، لأن الميدان عَرَك الجيل الصاعد وربّاهم بما فيه الكفاية ليكونوا خير خَلَف، واتضحت لهم معاني المرابطة لحراسة (حَوْزة الإسلام) الثمينة التي أريقت في سبيل بِنائها الدماء الزكية، والصبي المشارك اليوم سبيقى يتذكر إلى يوم موته بعد سبعين سنة ربما أنّ أموال مَلِك آل سعود وراعي الإبل النهياني قتلت يوماً من الأيام عُشّاق الحرية من المؤمنين رُكّعاً وسُجّداً أمام عينيه يوم كان صَبـياً يهتف مع أبيه وأمه أن: بُعداً بُعداً … للطغاة. ·سابعاً: حصل انـتقال القضية إلى جميع العالم الإسلامي وحياة الجاليات والأقليات الإسلامية في العالم كله، واهتم الجميع بها، وبذلك صارت أجزاء الدعوة في الأقطار كلها في حالة نفير عام وليـس النفير بمصر فقط، وحصلت متوالية تـشـغيل كل الطاقات عندهم أيضاً وانـتهى الترهّل، وأنـتجت الحادثة تأثـيـراً تربوياً في الدعوة العالمية يعدل كل تأثير السنوات الثلاثين من عمر العمل العالمي الموحد، بل أقول: أيّـما جزء دعوة كان يسير الهوينى: سـتـشـهد السنوات القادمة له انطلاقة واسعة ملؤها الحيوية وذبذبات النشاط، بما اقتـبـس لنفسه من (المعنى المصري)، و (السمت المصري) الذي كان بركةً على أرض الكنانة وعلى ديار الإسلام كلها. فطوبى لهذه الكرامة المصرية الأوليائية التي لم يعرفها كثير من الناس حتى رفع محمد بن زايد الغطاء عنها فلمعت. ·ثامناً: الطاقات النسائية طاقات عظيمة، والنساء نصف المجتمع، ولكن التخطيط الإسلامي غفل عن اسـتـثـمار هذه الطاقات في الميدان السياسي، واكتفى بدورهن السامي في تـنـشـئة الذُّرية، واستمر هذا النقص تحت ثقل الأعراف، فلما جاء الحَدَث الانقلابي: أطلق هذه الطاقات المخبوءة، وإذا بها هادرة وجبّارة، وأصبح ثقلنا الإسلامي الضاغط مضاعفاً بمبادرات النساء جزاهن الله خيراً وتقدمهن الصفوف في أروع مثال، وانكسر حاجز التردد في توظيف جهود النساء. ·تاسعاً: أوجدت التدريـبات الإبداعية والإدارية، المعززة بأداء الرقميات الإنـتـرنـيـتـي: بدعة التـثمين المضاعف لأدوار الشباب، واعتقاد أن الأجيال المخضرمة السابقة رجعية ومحدودة الأثر، حتى كاد الأمر أن يتحول إلى غرور ينكر التكامل الضروري بين الأجيال الدعوية، ويتجاهل الحكمة التجريبية التي هي وافرة عند الشيوخ وتعوز الشباب بحكم فارق العمر، فجاء الانقلابُ مُحدثاً نفيراً عاماً توازت فيه كل الأجيال في مسيرة واحدة، وانـتفت وسوسة جاهلية أحدثها رونق التدريب الإبداعي وزوّقتها شاشات الكومبيوتر التي صارت من زيـنة الشباب، وأدار المخضرمون المعركة بكفاءة أرضت الشباب، وضرب الشباب من البطولات وسرعة التحرك ووتـيرة البذل ما أعجَب المخضرمين، فتم التلاحُم، وحصلت وحدة تـنظيمية وميدانية بهيّة الأوصاف، وثبت أن الأخلاق الإسلامية والأعراف الإيمانية عامرة حَيّة لا خوف عليها.
يتواصل.................... |