تقرير مبدأ الشورى في الإسلام/أحلام عباسي |
الاثنين, 30 ديسمبر 2013 10:07 |
الحمد لله العلي القدير، المنزَّه عن الشبيه والنظير، الغني عن نصيحة وزير، وإشارة خبير، وصلى الله على سيدنا محمد، مَن ساسنا أحسن سياسة، وأرشدنا الى مكارم الأخلاق، ومظانِّ الكياسة، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: موضوع الشورى من المواضيع المهمَّة في الشأن السياسي، وكذا المعاشي لأي أمة أُريد لها الارتقاء، والأخذ بأسباب الازدهار والتطور في جميع مناحي الحياة، ومن ذلك المجال السياسي من تدبير ورعاية أمور العامة، والقيام على مصالحها في الحال والمآل.
تأصيل مفهوم الشورى: عرَّف الراغب الأصفهاني الشورى لغة بقوله: شَوَرَ والتشاور والمشاورة والمَشُورة: استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم: شِرْتُ العسل، إذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه، قال الله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159][1].
والشورى: الأمر الذي يُتشاور فيه، قال تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38].
ومفهوم الشورى من المفاهيم السياسية الإسلامية، ولأهميته سُمِّيت سورة كاملة باسم الشورى، والآية التي سُمِّيت باسمها هي قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].
وهي آية تَقِف عند حدود الوصف الذي يُمدَح، ولا تتجاوزه إلى الأمر بالتكليف، وطلب ممارسة الحياة في المجتمع الإسلامي الناشئ على أساس من الشورى.
والآية التي ورَد فيها الأمر بالتكليف قد وردت في سورة مدنية، هي سورة آل عمران، في قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].
وتأكيدًا لهذا المبدأ السامي في أي نظامٍ سياسي يُراد له النجاح والصمود في وجه أي تيار وافد، وضرورة اعتماده في جميع الأمور، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الآية الكريمة في فصلٍ عقَده تحت عنوان المشاورة: "لا غنى لولي الأمر عن المشاورة، فإن الله تعالى أمر بها نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]".
وقد قيل: "إن الله أمر بها نبيَّه لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به مَن بعده، وليَستخرِج منهم الرأي فيما لم يَنزِل فيه وحي، من أمر الحروب، والأمور الجزئية وغير ذلك، فغيره - صلى الله عليه وسلم - أَوْلى بالمشورة"[2].
حادث سقيفة بني ساعدة ودوره في ترسيخ مبدأ الشورى: بالرجوع إلى المصادر التي تَحدَّثت عن بيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة يمكن أن نستخلِص من خلاله: أن أول ما قرَّره اجتماع يوم السقيفة هو أن (نظام الحُكم ودستور الدولة)، يُقرّر بالشورى الحُرَّة، تطبيقًا لمبدأ الشورى الذي نَصَّ عليه القرآن الكريم؛ ولذلك كان هذا المبدأ مَحَل إجماع، وسنَد هذا الإجماع النصوص القرآنية التي فرَضت الشورى، وكذا ما جرى عليه عملُ رسول الله - صلى الله علية وسلم - أي: إن هذا الإجماع كشَف وأكَّد أولَ أصلٍ شرعي لنظام الحكم في الإسلام، وهو الشورى المُلزِمة، وهو أول مبدأ دستوري تقرر بالإجماع بعد وفاة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ثم إن هذا الإجماع لم يكن إلا تأييدًا وتطبيقًا لنصوص الكتاب والسنة التي أوجبت الشورى.
كما تَقرَّر يوم السقيفة أن اختيار رئيس الدولة أو الحكومة الإسلامية وتحديد سلطانه يجب أن يتم بالشورى؛ أي: بالبيعة الحرة التي تمنحه تفويضًا لتولي الولاية بالشروط والقيود التي يتضمَّنها عقدُ البيعة الاختيارية الحرة.
إن هذا الترشيح لم يَصِح نهائيًّا إلا بعد أن تمَّت البيعة العامة لأبي بكر الصديق خليفة رسول الله - صلى الله عليه سلم - أي: موافقة جمهور المسلمين في اليوم التالي بمسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم قَبُوله لها بالشروط التي ذُكِرت في الخطاب الذي ألقاه أبو بكر - رضي الله عنه - وفيما يلي نصُّ الخُطبة كما أورده ابن كثير في "البداية والنهاية" بإسناد صحيح، تكلَّم أبو بكر، فحمِد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: "أما بعد أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ، فأعينوني، وإن أسأت، فقوِّموني، الصدق أمانة، والكَذِب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أُرجِع حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهادَ في سبيل الله إلا أخذهم الله بالذُّل، ولا تَشيع الفاحشةُ في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله، فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله"[3].
من خلال هذا الخطاب يمكن أن تسطَّر مجموعة من البنود، من جملتها: 1- البيعة باعتبارها خِصيصة من خصائص نظام الحكم في الإسلام، تَفرَّد به عن غيره من النُّظم الأخرى في القديم.
2- مصدر التشريع في دولة الصديق هو ما أعلن عنه بقوله: "أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإن عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم".
3- حَقُّ الأمة في مراقبة الحاكم ومحاسبته في قوله - رضي الله عنه -: "فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني".
4- إقرار مبدأ العدل والمساواة بين الناس: فإقامة العدل بين الناس ليس بالأمر التطوعي بالنسبة للحاكم، وإنما هو جزء لا يتجزَّأ من اختصاصاته وواجباته كرَاعٍ يسوس رعيَّتَه، ومسؤول يُدبِّر أمرَ بلده، وعن هذا الواجب قال أبو بكر - رضي الله عنه -: "الضعيف فيكم قوي عندي حتى أُرجِع عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله".
5- الصدق أساس التعامل بين الحاكم والمحكوم، قوله - رضي الله عنه -: الصدق أمانة والكذب خيانة"، وهذا المبدأ السياسي الحكيم له الأثر الهام في قوة الأمة حيث ترسيخ جسور الثقة بينها وبين الحاكم، كما يؤكِّد ذلك الدكتور علي الصلابي.
6- إعلان التمسُّك بالجهاد.
7- إعلان الحرب على الفواحش في قوله - رضي الله عنه -: "ولا تشيع فاحشةٌ في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء"[4].
فعلاقة الأخلاق بقيام الدولة، وظهور الحضارة، علاقة ظاهرة، فإن فسَدت الأخلاق، وخرِبت الذِّمم، ضاعت الأمم، وعمَّها الفسادُ والدمار، ولعلَّ حال الأمم السابقة آية مُبصِرة على صِدْق هذا القول بقوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]. [1] شور، (ص: 273) المفردات؛ للراغب الطبعة (4 و5). [2] السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية؛ للإمام ابن تيمية، قدَّم له الشيخ مُقبِل بن هادي الوادعي، حقَّقه وخرج أحاديثه أبو عبدالله علي بن محمد المقربي ص: 2111، دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية. [3] أبو بكر الصديق شخصيَّته وعصره؛ للدكتور علي محمد الصلابي (ص: 146)، نص الخطبة في البداية والنهاية؛ لابن كثير (6: 305، 306). [4] أبو بكر الصديق شخصيَّته وعصره؛ للدكتور علي محمد الصلابي (ص: 148- 160) بتصرف.
الألوكة |