شهادة الأرقاء.. وجهة نظر/د.التراد ولد محمدو |
الاثنين, 14 أبريل 2014 14:41 |
في هذه المعالجة سأتوقف عند مسألة مثيرة اشتهرت في المتون الفقهية واعتمدها الكثيرون دون مراجعة لتأصيلها النصي ، وهذه القضية ما يعرف بشهادة الأرقاء في القضايا، وهي قضية يبدو أنها صارت مسلمة فقهية لا تخضع للمساءلة النقدية والمراجعة الاجتهادية، على ضوء الأدلة الشرعية والمقاصد العامة للدين الإسلامي، لاشيء فيما أعتقد يمنع من غربلة التراث الإسلامي وقضاياه الفقهية والتاريخية وتوضيح بعض الإشكالات والتصوارت الموروثة فقهيا دون سند شرعي، ولعل القضية المطروحة حاليا للمساءلة النقدية أوضح مثال على الحاجة الماسة للمراجعة التراثية، وهذه مساهمة لإثارة النقاش، أجملها في ملاحظات أساسية: 1- الغريب في أن مسألة الشهادة اشتهرت لدى الفقهاء وتلقفتها المقلدة والأتباع فأصبحت مقولة مالك رضي الله عنه "ما علمت أحدا من أهل المدينة قبل شهادة العبيد" قاعدة لا تناقش، ونصا لا يقبل التأويل. 2- أن الفقهاء استندوا في رأيهم هذا على فهم لبعض النصوص لا غير، من ذلك "ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا" حيث اعتبروا الرقيق غير قادر على أداء الشهادة لأنه لا يملك قرار نفسه ومشغول في خدمة سيده، وأنه سلعة تباع وتشترى والسلع لا تشهد وغير ذلك من المسوغات الاجتهادية الغريبة. 3- أن اشتراط الفقهاء للحرية في باب الشهادات إذا وضع في محك النظر العلمي فإنه لا دليل عليه من وحي ولا إجماع وإنما هي شبه لدى الفقهاء لا تصمد أمام المساءلة العلمية. 4- أن مناط الشهادة مبناه على العدالة لا على الحرية وأدلة الوحي حافلة بالتدليل على ذلك من ذلك قوله تعالى: "وأشهدوا ذوي عدل منكم " وقوله تعالى: "ممن ترضون من الشهداء" وكذلك جعلناكم أمة سطا لتكونوا شهداء على الناس" وهذه عمومات من الشارع لا ينبغي تقييدها إلا بدليل شرعي، وقد حددت النصوص المناط بالعدالة، وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الوسط الوارد في الآية بالعدول الخيار، ولم ينقل أن أحدا من الصحابة رد شهادة الأرقاء. 5- أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشهادة أمة في قضية الرضاع فقال "كيف وقد قيل"، وقد نقل عن أنس بن مالك قوله "ما علمت أحدا رد شهادة العبيد" وتبعه في ذلك شريح القاضي حين قضى بشهادة الأرقاء، وقد قيل له إنه عبد فقال "كلنا عبيد وإيماء". 6- ما هو غريب في المسألة أن الفقهاء يقبلون إمامة الرقيق في الصلاة إذا كان حافظا لكتاب الله ولا يقبلون شهادته في باب الشهادات، والحال أن الصلاة أعظم شأنا من مسألة الشهادة. 7- أنه حصل الإجماع على تزكية الرواة للحديث من الموالي وتناثرت رواياتهم في المتون الحديثية، فكيف تمنع شهاداتهم وهم يحملون صفة العدالة. 8- أن المقاصد العامة للدين الإسلامي تقتضي عدم التمييز في مثل هذه الأمور إذا كانت صفة العدالة موجودة لدى من يسمون بالأرقاء. وأخيرا لم أتناول هذه المسألة للحديث عن واقع آني معين، بل هي محاولة لتمحيص تراثنا الفقهي ودرء بعض الشبهات المثارة حوله من طرف البعض، وتحميل الدين الإسلامي ظلما بعض هذا التمييز غير المفهوم، في حين أن هذه القضية وغيرها من القضايا المثارة لا تعدو كونها مجرد اجتهادات فقهية. |