هوامش على النظام القضائي الموريتاني في الحقبة العشائرية/د.التراد ولد محمدو |
الاثنين, 02 يونيو 2014 10:42 |
د.الشيخ التراد ولد محمدوكم هو ممتع أن تقلب صفحات وطنك في مرحلة من أكثر الحقب إثارة وغموضا، لما شاب تلك الفترة من أحداث و تطورات حيرت المهتمين بالشأن التاريخي، لم يتمكنوا حتى الآن من فك طلاسم الكثير من قضايا تلك المرحلة، ونشتغل هنا على جانب من جوانب التاريخ القضائي للحياة الفقهية والقضائية التي كانت سائدة في فترة زمنية غابرة، وجرى التركيز هناعلى زاوية محددة من زوايا ذلك التاريخ أو ما يمكن التعبير عنه: بالجذور التاريخية للنظام القضائي العشائري من خلال بعض الهوامش المستخلصة من بين تلك الرمال المتحركة وهذه بعض الهوامش من صفحات ذلك النظام الأميري العشائري وما اختزله في ذاكرته القضائية من أحداث تدثرت برداء مجتمع قبلي عشائري أوجزها في ملاحظات أساسية: • أن قضاة تلك الحقبة التاريخية كانت تتقاذفهم أمواج القبلية التي عادة ما تحاول عبر سلطتها التقليدية ووجاهتها المجتمعية التدخل في الأحكام القضائية تماما كما يقع اليوم، يقول صاحب الوسيط: "إن القاضي في شنقيط الأغلب فيه ألا يكون موَّلى من أحد وإنما كيفية توليه أن يشتهر بمعرفة الأحكام، وقد يولي أحد أمراء حسان قاضيا ويكون ملازما له ولكن الأغلب أن هذا لا يذهب إليه إلا في المسائل ذات الشأن كما إذا وقع قتل لينفذ الحكم ومن أدركنا من هؤلاء الأمراء إذا حكم في قتل لا ينفذ القصاص، بل يبقي يرتشي ويطاول التنفيذ وربما أوعز إلي قاضيه أن يحكم بما يهوى هو أي الأمير". • أن جدلا عميقا كان يدور داخل الساحة الثقافية حول دور الإمامة والقضاء وأهميتهما في توحيد الكتل الاجتماعية، فقد عاشت هذه البلاد على وقع ذلك الجدل الفقهي المحتدم حول طبيعة القضاء، من هؤلاء العالم الموريتاني محمد المامي حين استثارته حرب شرببه الدامية بين الزوايا وحسان، يقول محمد المامي: "وأما خطة القضاء فبلادنا خالية من حقيقتها، لأن قضاتنا وإن رفعوا الخلاف شرعا فالتنفيذ محدود ولا يتم الحكم بدونه"، وقد كانت الفتاوي بمثابة أحكام يعود تنفيذها إلى عوائل المحكوم؛ لما كان يتمتع به القضاة آنذاك من هيبة منحهم إياها المجتمع تقديرا للشفافية التي أبدوها، فلا يتولى القضاء في تلك الفترة إلا من يثق الجميع في علمه وورعه، حتى توارثت بعض العوائل القضاء في عهد الإمارة، من ذلك ما ذكره محمد سالم بن قثم في مقطوعة شعرية ينوه فيها بتوارث القضاء في إمارة اترارزة بين آل العاقل، يقول فيها: قَضَاةَ الْعَدْلِ فِي حَالِ التَّقَاضِـــــي عَلَى حِينَ الْعَدَالَةُ فِي انقِــرَاضِ وَمَا تُمْضُونَهُ يَمْضِي وَمَا لَــــــمْ يَكُنْ يَمْضِي لَدَيْكُمْ غَيْرُ مَـاضِ وَيَعْرِضُ الاعْتِرَاضُ عَلَى سِوَاكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمُ وَجْهُ اعْتِـــَراضِ نَقِيسُكُمْ بِمَـنْ قَدْ كَـانَ يُنْمَــى إِلَى رُشْدٍ أَوِ الْقَاضِي عِيَــاضِ يَرَى الْمَظْلُومُ عِنْدَكُمُ ارْتِفَاعــاً وَظَالِمُهُ لَدَيْكُمْ ذُو انْخِفَــــــاضِ وَمَنْ لَـمْ يَرْضَ مَا تَقْضُـــونَ فِيـه فَإِنِّي بِالْقَضَـــاءِ لَجِــــدُّ رَاضِ وَكَمْ جِئْنَا إِلَيـــْكُمْ مِــنْ فَيَـــــــافٍ طِوَالٍ فِي مَسَـاحَتِهَا عِــرَاضِ لِتَرْتَعَ عِنْدَ عَدْلِكُــــمُ المَطَايَــــــا إِذَا وُصِلَتْ بِيَانِعَةِ الرِّيــــَاضِ وَشَرْحُ الصَّدْرِ يَعْدُو بَعْضَ ضِيقٍ وبَسْطُ النَّفْسِ مِنْ بَعْدِ انْقِبَاضِ
أن أقضية مثيرة كانت تصدر من قبائل الزوايا في المنطقة في عهد ناصر الدين قائد حرب شرببه الشهيرة من ذلك أن أحد الشعراء تغزل ببيتين من الشعر العذري فصدر في حقه حكم بالتعزير: رُبَّ حَوْرَاءَ مِنْ بَنِي سَعْـــــدِ الاوسِ حُبّـــُهَا عَــــالِقٌ بِذَاِت النُّفُــــــوسِ جَعَلَتْ بَيْنَنـــا وَبَيْنَ الغَـــــــــــــوَانِـي وَالكَرَى والجُفُونِ حَرْبَ البَسُوسِ
أما حوادث النزاعات الكبرى فيتصدى لها مجلس الأعيان أو المجلس العشائري الذي يخضع تلك القضايا لموازناته السياسية. ورغم المهمة الصعبة التي يمارسها قضاة تلك المرحلة فلم يكن لدى هؤلاء رواتبهم المحددة بل كانت تدفع لهم بعض الهدايا والعطايا في مناسبات مختلفة، يقول صاحب الوسيط وهويصف وضعية القضاة: "وليس للقضية رسوم تدفع عند رفعها ولا للقاضي شيء سوى تعبه ولا يرضى إذا كان ورعا أن يخلو بأحد الخصمين دون الآخر وهذا هو الأغلب" هذا إضافة إلى جزء معتبر من الضرائب العرفية التي يجلبها جباة الأمير، بل قد يتجاوز السخاء الأميري فتحظي قبيلة القاضي بعناية مخصوصة. لقد اطلعت على بعض المصادر التاريخية التي تناولت هذا الموضوع على شحها وندرتها ولاحظت أن الموضوع بشكل عام يطبعه التشتت وعدم الترتيب المنهجي، مما جعل التعامل معه يضطرك للغوص في الكثير من التفاصيل والأحداث التاريخية المتناثرة. وأمام صمت الكثير من المصادر والمراجع عن أساليب التقاضي والتحكيم في تلك الحقبة يبقى ما يتداوله مؤرخون معاصرون اليوم مجرد انطباعات واستنتاجات مدخولة ينقصها التثبت ويعوزها الدليل ويتطرق إليها الشك وذلك في غياب مراجع حقيقية واكبت تلك المرحلة الفارغة في التاريخ الموريتاني. |