مناهج المستشرقين في دراسة القرآن الكريم(1/4)/أحمد بابانا العلوي |
الأربعاء, 02 يوليو 2014 21:27 |
من المفيد في مستهل هذا البحث حول مناهج المستشرقين في دراسة تاريخ القرآن الكريم، وعلومه،أن نتوقف عند مسألة المنهج لأهميتها في فهم و إدراك ما نحن بصدده من دراسات تتقيد بزعم أصحابها بالمنهج العلمي و قواعده و أصوله في دراسة النص القرآني. فالمنهج كمصطلح يعني طريق البحث في علم من العلوم أو مجموع القواعد والنظم العقلية من أجل اكتشاف الحقيقة والبرهنة عليها. وأهمية المنهج في الدراسات الإنسانية تتجلى في أنه يضمن للباحث أن يصل إلى الحق الذي يبتغيه، ولا يضل في السعي إليه بين السبل المتشعبة. و يعرف البحث بأنه التقصي بعناية، أي استقصاء منهجي في سبيل زيادة المعرفة، والعلم تبعا لذلك ليس كتلة من الحقائق المتراكمة، بل هو طريق للوصل إلى الحقائق التي ستشكل المعرفة. وإذا كانت غاية المنهج هي إدراك الشيء على حقيقته انطلاقا من رؤية حضارية محددة، تأسيسا على أن لكل حضارة منهج يعبر عن روحها. ومن ثم فإن مفكري الإسلام أدركوا تمام الإدراك كما يرى الدكتور علي سامي النشار أنه لابد من وضع منهج في البحث، يخالف المنهج اليوناني حيث أن هذا المنهج الأخير إنما هو تعبير عن حضارة مخالفة وتصور حضاري مخالف، مما تطلب بناء منهج كامل هو المنهج التجريبي الإسلامي وأهم خصائصه أنه منهج إدراكي أو تأملي و هو المنهج المعبر عن روح الحضارة الإسلامية و ثقافتها . لقد قام الباحثون في (علم المناهج العامة) بتقسيم المناهج إلى عدة أنواع:
1- المنهج الاستدلائي 2- المنهج الاستقرائي 3- المنهج التكوني 4- المنهج الجدلي و التفاعل إنما يكون في المنهجين الأول و الثاني حيث تتنازعهما الحضارات المختلفة و تأخذ بواحد منها و تترك الأخر و قد كان المنهج الثاني هو الذي أخذت به الحضارة الأوربية الحديثة وسار عليه علماؤها و مفكروها. وقد تتبع (اندري لالندandre Lalande) تاريخ هذا المنهج ( منشأه وتطوره وجزئياته و كلياته) وفي القرن التاسع عشر بلغت دراسات المنهج التجريبي أوجها لدى جون استورت ميل في كتابه (A. systme of Logic) و كان هذا بداية التحول في تاريخ أوربا العلمي،فقد انتقلت كليا الى التجريب العلمي وسيطر المنهج الاستقرائي سيطرة كاملة على مناهج العلماء وطبق المنهج في العلوم الإنسانية و خاصة في علمي التاريخ والإجتماعي و غيرهما. وقد تطور المنهج بعد جون استيورت ميل وعدلت بعض عناصره كما حلل المنهج التجريبي من طرف عدد كبير من العلماء المحدثين و المعاصرين . إلا أنه لابد من تأكيد أن التاريخ الحضاري يقرر أن لكل حضارة خصائصها وروحها المتميزة، وتأسيسا على ذلك فقد ساهم علماء الإسلام في حقل مناهج العلوم بوضع مناهج طبقا لتوجيهات القرآن الكريم وهديه، تصوغ حياتهم طبقا لقواعده و ترسم للناس قواعد الفكر و النظر إلى جانب قواعد الحياة العملية والسلوك الإنساني (الأخلاقي)، وان لا يترك جانبا من جوانب الفكر أو العمل أو الدين و الشريعة، إلا وضع له الصورة الكاملة فالقرآن كتاب"ميتافيزيقي" وفيزيقي و إنساني وعملي وضع الخطوط للوجود كله فهو كتاب الكون منذ نشأته إلى فنائه. فلابد لمؤمنين به أن يتلمسوا فيه أصول تفكيرهم و أن يطمئنوا إلى أحكامه الكلية و أن يجتهدوا ما شاء لهم الاجتهاد في محيطه الواسع.
يتواصل........ |