مفاهيم من دين الرحمة/ باب أحمد بينَ
الجمعة, 14 نوفمبر 2014 10:56

جاءت بعثة محمد عليه الصلاة والسلام هدى لمن ضل، وعلما لمن جهل، وقوة لمن ضعف، وانتصارا لمن ظُلم، ونورا لما أظلم، وإصلاحا لما فَسد،.. أو بتعبير القرآن الجامع المختصر: [وما أرسلنك إلا رحمة للعلمين ].!

(أي وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال والعلل: أي ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين. قيل ومعنى كونه رحمة للكفار: أنهم أمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال). (فتح القدير.. الشوكاني).
ولعل أروع عبارة بشرية لخصت الخيرية والرحمة التي جاء بها الإسلام، هي عبارة العلامة"ابن القيم" حين و صف شريعة الإسلام المطهرة قائلا: ( فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها; فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث; فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل; فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل.(إعلام الموقعين )[ ص: 12 ].

هذا المعنى "الرَّحموتي "السمح الودود للشريعة وللإسلام نحتاج اليوم إلى استحضاره دائما في تربية أجيالنا المسلمة على مفهوم الإسلام، ونحتاج إلى استدعائه في علاقتنا مع شعوب العالم التي يُقدم لها خصوم الدعوةِ دينَ الإسلامِ- دائما -على أنه غول يفترس الإنسان، وسيف يحز الرؤوس، وكراهية وعدوان تجاه كل من لا يؤمن بهذا الدين.. كما أن "دين الرحمة" اليوم تُغرق صورته المشرقة في دماء الأبرياء، وترفع رايته الميمونة فوق أشلاء المسالمين.! من حيث يشعر الفاعلون أو لا يشعرون!!
وتأسيسا على كل ذالك  فقد سجلت هنا مجموعة من الوقفات مع مجموعة من المفاهيم تفصل بعض التفصيل "معنى الخيرية" و" الرحمة " الذي هو جوهر شريعة الإسلام، وغاية منهجها، ومنتهى مقاصدها.!.!
أولا: وقفة مع مفهوم الإيما ن 
يقدم الإسلام- أوَّلما يقدم من منهجه كله- مفهوم الإيمان الذى هو تصديق باللَّه وملائكته وكتبه ورُسله، وبيوم الحساب والجزاء والثواب..!
وهذا الإيمان- بحق -حين يستقر بقلب الإنسان فهو أعظم أسباب الرحمة للعابرين بهذه الحياة... وللمقيمين في دار المقام... فالإيمان لا يخالط قلب إنسان إلا رحض عنه رين الآثام، وأزال منه رواسب التعاسة، وغمره بزلال اليقين.. وفتق فيه ورود الاستقرار والاطمئنان.!
ولذلك يقول القرآن: [ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر اللَّه.. ألا بذكر اللَّه تطمئن القلوب ].
..والإيمان صبر عند الشدة، ورضى عند المصيبة ، وانشراح عند النعمة، وسعادة عابرة للظروف، وعزة متحدية لخطوب الحياة.... أو بتعبير القرآن يمنح المؤمن َ" حياة طيبة " كما قال تعالى: [ ومن يعمل من الصالحات من ذكر او أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة].
والإيمان تخليص للبشرية من سلاسل الكفر والانحراف التي يقودها إبليس بها ليقذفها في [نارٍ أوقد عليها ألف عام حتى ابيضت وألف حتى احمرت وألف عام حتى اسودتفهي سوداء مظلمة.].
هل هناك شيء أعظم من أن تنقذ إنسانا من  ذلك المصير الجهنمي الذى لا يتصوره خيال..!!!؟
وأن تقوده لسبيل السعادة السرمدية حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر..!؟
ثانيا:مفهوم السلام:
جاءت دعوة الإسلام "بنظام سَلامي " لم تعرف له البشرية على تطاول الزمان مثيلا... سلام يدير ويضبط حركة المسلم في علاقاته مع غيره من المسلمين خصوصا، ومع غيره من بنى البشر عموما، بل ومع جميع مخلوقات الكون.!
فأمرت هذه الدعوة كل من يعتنقها بأن يكون مفتاح تواصله مع الإنسان أي كان هو: "السلام عليكم "...
ولذلك معنى عظيم، وتعبير مدهش عن مقصد "السلام " و"السلمية " الجوهري في الإسلام...!
وامتلأت نصوص القرآن بالآيات المبغِّضة لكل ألوان الاعتداء والظلم والإساءة من المسلم تجاه جميع بنى البشر بل تجاه الحياة و الكون كله...
إن قاعدة الإسلام المطلقة هنا هي: [وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ].
قال بن عباس وعمر بن عبدالعزيز ومجاهد عن هذه الآية: (هي مُحْكمة أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبهه). (أي كل من لا يعتدي على المسلمين").!
وفي حديث من أعظم ما روي من الأحاديث في تعظيم الإسلام "للسلام" عن نافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال[ عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض]. (صحيح مسلم).
يا إلهى!!  امرأة بدمها وروحها وجسمها.. تدخل النار بسبب هرة..؟؟!!
إنها حقا قِمَّةُ الإعلاء من قيمة السلام، وغايةُ التبشيع لألوان الاعتداء والاستهانةِ بقيمة الأحياء والحياة.. وصدع مجلجل بأن الإسلام لا يقبل من المؤمن به أن يعتدي على غيره مهما كان.!
وإذاكان الحديث- هنا -عن مجرد حيوان(هرة ) فما بالنا بالبشر المكرَّمين.!!؟
ثالثا:مفهوم العدل:
كانت دعوة الإسلام بحق –رحمةً -وأي رحمة- لما تضمنته من قسط وإنصاف وعدل..!
عدل أحيى الموؤودة... وأعتق المستعبد... وأعال الفقير... وسوى بين كل أبناء آدم، سوى بينهم في حق الحرية، وحق الكرامة، وحق الحياة، وفى كل حق.......
ولم يجعل لأحد منهم على أحد سبيلا إلا بالمعروف.. ولا فضلا إلا بالتقوى... يقول الحق سبحانه:[يآيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.....].
وجاء عدل الإسلام شاملا لكل البشرية.. عدل بين الغني والفقير، وبين القوى والضعيف، وبين الرجل والمرأة، وبين الحاكم والمحكوم، وبين المسلم و الكافر، ومع العدو والصديق.. يقول جل من قائل: [يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا.]. ويقول: [ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ].!
رابعا: مفهوم الإحسان:
قال سبحانه وتعالى: [ إن الله يأمر بالعدل والإحسان].وفي شرحه لهذه الآية يقول بن عاشور: (ثم الإحسان في المعاملة فيما زاد على العدل وهو يدخل في جميع الأقوال والأفعال ومع سائر الأصناف](التحريروالتنوير).].

أي أن الإحسان هو مرتبة من فعل "الخير" والإيجابيةعند المؤمن بالإسلام تفوق العدل، ومن خلالها يقدم ما بوسعه من الخير للإنسان حيث هو و يضع بصمة الإتقان في كل عمل يعمله..!
وقد حفلت آيات القرآن بالحض على الإحسان بكل أنواعه.. واعتباره عملا يستحق أصحابه محبة ربهم سبحانه ويتسابقون به إلى رحمتَه.! [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ]. [إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهَ قَرِيبٌ منَ الْمُحْسِنِينَ ].
هذه كليات عظيمة ومفاهيم جليلة تمثل قيما جوهرية في الإسلام.. توضح هذه القيم جانبا كبيرا، ومساحة واسعة من سماحة الإسلام الكاملة، ورأفته العظيمة، تؤكد معنى [رحمة للعلمين ]وتؤصله وتفصله..فما أحوجنا إلى أن نركز في تقديم الإسلام لأجيالنا ولغيرنا على هذا الجانب الذي هو أحوج ما يحتاج أبناء أمتنا ويحتاج العالَم في لحظاته هذه أن يعرفه عن الإسلام.!

مفاهيم من دين الرحمة/ باب أحمد بينَ

السراج TV