لقاء الجماهير (قصة قصيرة)/محمد القاضي
الثلاثاء, 18 نوفمبر 2014 15:43

هذه بعض الأخطاء التي يقع فيها المبتدأ في ممارسة الخطابة ، اخترت إيرادها على شكل قصة تجنبا لملل السرد .

على أن استخدامي لضمير المتكلم لا يعني شيئا بخصوص نسبتها .
اقتربت الساعة وانشق الفصل عن الطلبة ، خرجت متظاهرا بأن شيئا ما طبيعيا ، كنت أريد التسلل من فصلي لتجنب تعليقاتهم على شيئ أنا على وشك القيام به ، أخفي في نفسي من الخوف ما الله مبديه ، وأخشى الناس والله أحق أن أخشاه .
لا أدري كيف وصلت هنا ولا كيف اجتمع هؤلاء من حولي . لكنهم أخذو يفتشونني بعيونهم مثل باعتة "نقطة ساخنة" . هم لم يحسو أن نقطة جسمي كانت أكثر سخونة. لكن لفت أنظارهم هاتف رهيب يرن في أعماقي فأ كبته ب "وضعي الصامت " ليبقى الهزاز يفضحني.
تفا جأت كغيري من الحاضرين بصوت بدا ينقصه الضبط – كصوت التلفزة الوطنية – يبدو تارة جهوريا وتارة يخشع فلا تسمع الا همسا، لأكتشف بعد الإفاقة أن ذلك لم يكن سوى صوتي أنا ، هنا سألت نفسي هل سميت وصليت على حبيبي صلى الله عليه وسلم ؟ لا أملك الإجابة تماما!
وجهي ك ظواية فيها ماص ينطفئ ثم يصدر ضوءا خا فتا تحت الضغط. والألوان تتقاطع على وجهي كفنان تحت تقنية الأضواء الراقصة على دقات قلبي المتسارعة . أما ملامحه التفصيلية فكانت مثل تلفزة أمكاصية حيث يعج بالحركة والألوان حينا ويتوقف حينا آخر ليقرأ من يشاهدني رسالة مفادها أن "الإشارة ضعيفة" (signal faible)
كانت عيونهم كعيون البرد ما إن تصادفني حتى أحس بالرعشة تنتاب جسمي ثم أتجمد، ليبقى نظري مركزا على نقطة واحدة وأنا منتصب القامة تحفني غيوم من الإرباك أغمض عيني وأفتحها بتناوب هيستيري ،
النقطة الوحيدة التي كانت في صالحي هي تلك العربية الفصحى ، يحسبها الناظر مقصودة لكن من وقف هذا الموقف يعرف انها ليست الا كاللاعب الذي تصدمه الكرة وتدخل الشباك فيظن البعض أنه ضربها مع كونه مجرد عارضة.
كان على الجميع أن يبدو كأنما على رؤوسهم الطير فأي كلمة أوهمسة أو بسمة أظنها تعنيني مع أن ذلك لم يكن يؤثر في لأن أحدهم نصحني قائلا إذا ضحكوا  منك فلك ان تصبر وترجو قوله تعالى: (وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ). وأي شيئ أجمل من نظر الله إلى معاناتك هذه في سبيل دعوته.
وبما أني كنت مصابا بارتفاع الضغط فانا أعترف لكم أنما تناولت لم يكن دسما ولا مالحا، لكنهم كانو صبورين جدا فأذهلوني بابتسامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يزدزد العنب المر تطييبا لخاطر الأعرابي . وأبهروني بصبر حسن البنا على تجرع قهوة الفلاح المملحة.
في اليوم الثاني جلست على المقاعد كطالب أنهى للتو اختبارا شفهيا محرجا. كنت مطأطئا رأسي لكنني أسرق النظر إلى صديقي محمد لمين والحماس يقذف به من أحضان المقاعد الدافئة الى خشبة المسرح القاسي .ليمثل بسرعة كلامه دور مقدم نشرة في إذاعة "ميدي 1"
غير أن الحرارة كانت كفيلة بصهرإحدى حلقات موضوعه (المحفوظ) ليفقد الربط وتضيع السلسلة ، طلب هدنة و طأطأ رأسه يريد التقاط الحلقات الضائعة لكن هيهات تسمح له مفاصل دماغه المتصلبة!.
خيم الصمت قليلا ثم عاد متلعثما كبرلماني سعودي تسأله غادة اعويس عن موقف الملك من قتل أطفال غزة . كان لسانه شجاعا لكن شفتيه استسلمت للسكون ملوحة بابتسامة بيضاء ، ليعلن فك الارتباط والانسحاب من طرف واحد.
هنا قررت شغل المكان ... كما يفعل الجيش اليمني حين يخرج الحوثيون من عمران . وهنا وقفت منقتما من طاغية الأمس حطمت تمثاله الذي كان يحجب عني شمس حرية التعبير . ومزقت كتابه الأخضر الذي كان يملؤني بخرافة العجز.
بهذه السرعة ؟

نعم أيها الخطيب .إنها الانطلاقة سهلة وصعبة معا كمسافة الصفر حين يخطها المهندس ويخطوها الجندي. وبهذه الدلالة يمكن القول إنها مجرد مواجهة مع السكون لكنها اجتياز لمسافة الصفر.
تمت الاشاة في القصة الى العناصر التالية:
عدم توازن النبرة (مشوش )
السرعة المفرطة أو التلعثم والتأتأة ( مخل بالتنسيق والتوصيل )
عدم تفاعل الوجه مع الكلام (ضعف في الاشارة المكملة لبعض المعاني)
ثبات النظر في بؤرة محددة (يضعف التواصل مع الجمهور )
الحماسة والاندفاع (غير ممدوحين . والمتهدد مغلوب )
محاولة حفظ المواضيع (مسجل . من فضلك اقلب الشريط )
الاتيان بمواضيع منزوعة الدسم (تعبانة. المبالغة في المعالجة غير مطلوبة )
كون الكلام كله جد في جد (ممل . نريد فاصل )
الحساسية المفرطة اتجاه كل التصرفات (وسواس . ونقص ثقة )
الازمة اللفظية او الجسدية ( كلمة معينة .حركة .حكة . مملة جداااا جدا)
إلخ ...

                                       نقلا عن صفحة محمد القاضي على الفيس بوك Med Ghady

لقاء الجماهير (قصة قصيرة)/محمد القاضي

السراج TV