صور من الظلم في المجتمع الموريتاني/الشيخ محمد الامين مزيد1/2

أربعاء, 02/11/2015 - 13:10

من الصعب أن أعدد في هذا المقال أو أشير ، مجرد إشارة ، إلى كل أنواع الظلم في هذا المجتمع الذي نعيش فيه ذلك أن هذا المجتمع - نتيجة لعوامل كثيرة، منها الموروث ومنها الوافد ، ومنها الرسمي ومنها الشعبي - قد انحرف كثيرا عن الإسلام ..
ونحن نعتبر كل انحراف عن الإسلام لونا من ألوان الظلم ، ذلك لأن الله تبارك وتعالى أرسل الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس "بالقسط"، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بما أنزل الله {وأن احكم بينهم بما انزل الله}( سورة المائدة : 49) ، وأمره أن يحكم بينهم بالعدل {وإن حكمتَ فاحكُم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين}( سورة المائدة 42)، {وأمرتُ لأعدل بينكم} ( سورة الشورى : 15) .
فالعدل هو ما أنزل الله وما أنزل الله هو العدل، وكل انحرافٍ عن هذا (المنـزل) هو في التحليل النهائي ظلم، سواء اتضحت ظلميته للناس أو خفيت.
لذلك فإن تعديد صور الظلم يصبح من الصعوبة بمكان ،ولذلك أيضا فسيقتصر هذا المقال على جانب واحد من جوانب الظلم هو (ظلم المرأة) - والمصدر هنا مضاف إلى مفعوله والفاعل هو الرجل - على أمل أن يستمرَّ الحديث عن الظلم ، وأن يشمل ظلم الكبار وظلم الصغار ، والظلم السافر والظلم المحتجب، لعل في الحديث عن الظلم تنبيها للظالمين ليرجعوا، وتذكيرا للمظلومين لينتصفوا(، فمن صفات المؤمنين أنهم: {إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}( سورة الشورى : 39))…
1- عدم تعليم المرأة :
فمن الظلم للمرأة- وهو ظلم سائد في مجتمعنا-: عدم الاهتمام بتعليمها حتى فرائض الدين وحدود الشريعة مع أن أوامر الشريعة في مجال العلم لا تفرق بين الرجل والمرأة، وإنما تخاطب المسلم على العموم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»( ).
وقد ذم الله الأعراب بقوله {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم}( سورة التوبة : 49)، ومعنى ذلك أن كل مسلم ، رجلا كان أو امرأة، يجب أن يكون مثقفا ثقافة إسلامية يميز بمقتضاها الحلال من الحرام.
والعلم نوعان: فرض عين وهو ما تصح به العقيدة والعبادة والسلوك، وهو أوسع بكثير من أحكام الصلاة والزكاة والصوم والحج والبيوع، وهذا النوع من العلم لا عذر لأحد في عدم الاهتمام به.
وهناك نوع آخر من العلم هو فرض على الكفاية وهو ما تحتاج إليه الأمة، فهذا إن قام به البعض سقط عن الآخرين وإلا كانت الأمة كلها آثمة.. ونحن - في مجتمعنا الإسلامي - بحاجة إلى طبيبات يتولين الإشراف على مداواة النساء ، ولذلك فلا بد لنا من إعداد طبيبات، ولابد للمرأة التي تأنس من نفسها الكفاءة أن تتقدم لتتولى هذه المهمة، فمن غير اللائق - مثلا - أن يظل لدينا بدل القابلات قابلون..
كما نحن بحاجة إلى ممرضات ومدرسات يتولين مهمة التمريض للنساء والتعليم لهن إلى غير ذلك
2- الحزن لولادة البنت :
من الظلم للمرأة: اعتقاد أن ولادة الولد خير محض ، وإنجاب البنت شر محض، الأمر الذي يستتبع الفرح بالولد والحزن من أجل البنت على طريقة العرب في جاهليتهم القديمة {وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}( سورة النحل : 59).
وعلى طريقة الصينيين في جاهليتهم الحديثة، حيث أرغمتهم قوانين تحديد النسل على وأد البنات طمعا في الحصول على ترخيص للإنجاب من جديد لعل المولود الجديد يكون ذكراً لا أنثى.
3- تزويج المرأة بغير رضاها :
ومن الظلم للمرأة: تزويجها بغير رضاها، وقد بينت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المرأة البالغة ، بكرا كانت أو ثيبا، لا تزوج إلا برضاها، والفرق بينهما - فقط - هو أن البكر لما كانت تتسم في المجتمع المسلم بالحياء تأثرا بالتربية الإسلامية التي تتربى عليها ، والتي تعتبر الحياء شعبة من شعب الإيمان، وتأثرا بالمحيط الإسلامي الذي يسود فيه الحياء اكتُفيَ منها بالسكوت الذي يدل على رضاها.
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال «لا تُنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال «أن تسكت»( )، وعن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم  فردَّ نكاحه( )، وعن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم  فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ( ).
قال ابن حجر( ): ورجاله ثقات، لكن قال أبو حاتم وأبو زرعة إنه خطأ وإن الصواب إرساله . "
لكن أجاب عن ذلك ابن قيم الجوزية بقوله: "وليس رواية هذا الحديث مرسلة بعلة فيه فإنه قد روي مسندا ومرسلا فإن قلنا بقول الفقهاء إن الاتصال زيادة ومَن وصله مقدم على من أرسله، وهذا تصرفهم في غالب الأحاديث فما بال هذا خرج عن حكم أمثاله، وإن حكمنا بالإرسال كقول كثير من المحدثين، فهذا مرسل قوي قد عضدته الآثار الصحيحة الصريحة، والقياس وقواعد الشرع"( ).
وقال ابن حجر أيضا( ) "الطعن في الحديث لا معنى له فإن طرقه يقوي بعضها بعضا.. ولهذه الأحاديث قال الأوزاعي والثوري والحنفية ووافقهم أبو ثور، باشتراط استئذان الأب للبكر البالغة إذا أراد تزويجها"
وقد تبنى ابن القيم هذا المذهب ودافع عنه واحتج له، فقال رحمه الله تعالى( ): "وهو القول الذي ندين لله به ولا نعتقد سواه وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه وقواعد شريعته ومصالح أمته.
أما موافقته لحكمه فإنه حكم بتخيير البكر الكارهة..
وأما موافقة هذا القول لأمره فإنه قال: «والبكر تستأذن» وهذا أمر مؤكد لأنه ورد بصيغة الخبر الدال على تحقق المخبر به وثبوته ولزومه، والأصل في أوامره أن تكون للوجوب ما لم يقع إجماع على خلافه..
وأما موافقته لنهيه فلقوله «لا تنكح البكر حتى تستاذن»، فأمر ونهى.. وحكم بالتخيير وهذا إثبات للحكم بأبلغ الطرق.
وأما موافقته لقواعد شرعه فإن البكر البالغة لا يتصرف أبوها في أقل شيء من ملكها إلا برضاها ، ولا يجبرها على إخراج اليسير منه بدون رضاها ، فكيف يجوز أن يرقها ويخرج بضعها منها بغير رضاها إلى من يريده هو وهي من أكره الناس فيه وهو من أبغض شيء إليها، ومع هذا فينكحها إياه قهرا بغير رضاها إلى من يريده ، ويجعلها أسيرة عنده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم  «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم» أي أسيرات، ومعلوم أن إخراج مالها كله بغير رضاها أسهل عليها من تزويجها بمن لا تختاره دون رضاها..
ولقد أبطل من قال إنها إذا عينت كفؤا تحبه فالعبرة بتعيينه ولو كان بغيضا لها قبيح الخلقة.
وأما موافقته لمصالح الأمة فلا يخفى مصلحة البكر في تزويجها بمن تختاره وترضاه ، وحصول مقاصد النكاح لها به وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر منه، فلو لم تأت السنة الصريحة بهذا القول لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضي غيره وبالله التوفيق . "
4- التصرف في صداقها بغير حق :
ومن الظلم للمرأة: التصرف في صداقها كما لو كان ملكا خاصا للولي يتصرف فيه طبقا للأعراف والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، بينما الصداق حق خالص للمرأة، يقول الله تبارك وتعالى {وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}( سورة النساء : 4)
قال ابن جزي( ): خطاب للأزواج ، وقيل للأولياء لأن بعضهم كان يأكل صداق وليته.. وقال تعالى {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا}(سورة النساء 20)
                                                                                                                                                                                                                                                                      يتواصل