إهمال الأدمغة وانتشالها..

اثنين, 04/18/2016 - 17:17
إهمال الأدمغة وانتشالها..

الدكتورمحمدسالم ولد دودو

حالتان تتكرران كثيرا في حياة الناس.. يُضيَّع طفل صغير فتخسر أمة عريقة !! ويُحتضَن آخر فتَكسب أمم عريضة!!..
ولعل من أبلغ العبر التي اطلعت عليها في هذا المضمار ما تحكيه قصة تم تداولها في السنوات القليلة الماضية عبر الشبكة العنكبوتية، يصر ناشروها على واقعيتها، ولا يمكنني الجزم بذلك ولا نفيه، بل لا يهمني أصلا.. فحسبي منها العبرة التي تلخصها في سرد منطقي لا تخلو حياة أي أمة ولا بلدة من شواهد أو مشاهد تماثله أو تقاربه.. 
إنها قصة استشاري أمراض السرطان الأمريكي الدكتور تيدي ستودارد الذي تزعم القصة أنه هو من خلع اسمه على مركز أمراض السرطان الأمركي الشهير Stoddard Cancer Center، ولا يهمنا هنا صحة ذاك الادعاء ولا بطلانه.
تزعم القصة أن معلمة الصف الخامس "تومسون" وقفت ذات يوم أمام تلامذتها وهي تحييهم بعبارة تربوية مألوفة: «إنني أحبكم جميعا!!»، لكنها كانت تستثني في قرارة نفسها الطفل "تيدي" لما كانت تأخذه عليه من انطوائية شديدة ووساخة في البدن والملابس وتدن غير طبيعي في المستوى الدراسي.. 
كانت المعلمة تتضايق كثيرا من تلميذها تيدي ولا تكاد تخفي ضجرها واشمئزازها من وجوده في الفصل.. وكانت تجد الفرصة الملائمة لإفراغ مشاعرها اتجاهه كلما وقعت عينها على ورقة من أوراق اختباره أو واجباته فتنفث عليها من حمم قلمها الأحمر ما عن لها من علامات هكذا (× × ×..) ثم تكتب بخط عريض في أعلى الورقة: "راسب".
ثم جاء ذلك اليوم الذي طلبت إدارة المدرسة من المعلمة تومسون مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، فاستوقفها تطور حالة تلميذها تيدي خلال السنوات الأربع السابقة؛
لقد كتب عنه معلم الصف الأول: «تيدي طفل ذكي موهوب؛ يؤدي عمله بعناية، وبطريقة منظمة».
وكتب معلم الصف الثاني: «تيدي تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه، ولكنه منزعج بسبب إصابة والدته بمرض السرطان».
وكتب معلم الصف الثالث: «لقد كان لوفاة والدة تيدي وقع صعب عليه، لقد بذل أقصى ما يملك من جهود، لكن والده لم يكن مهتما به، وإن الحياة في منزله سرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات».
ثم كتب معلم الصف الرابع: «تيدي تلميذ منطو على نفسه، لا يبدي الرغبة في الدراسة، وليس لديه أصدقاء، و ينام أثناء الدرس».
هنا أدركت المعلمه تومسون المشكلة وشعرت بالخجل من نفسها !حاولت بعدها أن تتفهم ظروف تلميذها وأن تجنح عليه قدر المستطاع.. وقد وجدت الفرصة المناسبة حينما جاء عيد ميلادها فحمل إليها تلامذتها هداياهم الثمينة الملفوفة بأشرطة جميلة.. وجاء تيدي بهديته المتواضعة ملفوفة بكيس بسيط من أكياس البقالة..
فتحت المعلمة تومسون هدية تيدي فإذا فيها عقد مؤلف من بضع ماسات ناقصة الأحجار! وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع!.. تعالت ضحكات التلاميذ سخرية من هدية زميلهم.. لكنهم سرعان ما أمسكوا عندما عبرت المعلمة عن إعجابها بجمال العقد وطيب العطر وشكرت تيدي بحرارة، وارتدت العقد ووضعت شيئا من ذلك العطر على ملابسها..
يومها انتظر تيدي معلمته عند الباب حتى خرجت ليقابلها بالقول: «إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي!!».
انفجرت المعلمه بالبكاء لأنها عرفت أن تيدي أحضر لها أغلى ما يملك من ذكريات والدته الراحلة؛ عقدها وزجاجة العطر التي كانت تستعملها.. لذلك وجد في معلمته رائحة أمه الراحلة !!
منذ ذلك اليوم أولت المعلمة تومسون اهتماما خاصا بتلميذها فبدأ يستجمع عقله يستعيد نشاطه وفي نهاية السنة أصبح تيدي أكثر التلاميذ تميزا في الفصل ثم وجدت السيده مذكرة عند بابها للتلميذ تيدي كتب فيها: «سيدتي تومسون؛ أنت أفضل معلمة قابلتها في حياتي!!»، فردت عليه: «ابني تيدي؛ أنت من علمني كيف أكون معلمة جيدة!!».
وتمضي السنوات لتجد المعلمة في بريدها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام موقعة باسم العميد: «ابنك تيدي» .
فحضرت وهي ترتدي ذات العقد وتفوح منها رائحة العطر ذاته.
ترى كم طفل فينا دمرته أسرته أو مدرسته بسبب سوء التعامل ؟! بل كم عبقري ملهم دمرته قبيلته أو دولته فخسره العالم بأسره؟!
ما أجزم به هو صحة مقولة لخص بها بعضهم الفارق بين الغرب والعرب في هذه القضية، حيث قال: «إن الغرب يساعدون الفاشل حتى ينجح! .. وإن العرب يحاربون الناجح حتى يفشل!!». 
فهل من مدكر ؟!