
كثيراما يلتبس على الناس مفاهيم النقد والاغتياب مع الالتزام بالنصح للمسؤولين والحكام ، في وقت يشهد فيه العالم طفرة في تدفق المعلومات صحيحة كانت أو اشاعات ، وما اكثر ما يستسهل الناس الخوض والدردشة في اعراض الأنظمة والمشاهير وكبار الشخصيات العامة دون التفكير في مشروعية ذلك الخوض (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) ، فما الفرق بين النقد والنصيحة والاغتياب؟ - وماذا يجوز من غيبة الفاجر ؟ وما هي حدود النصيحة لولي الأمر.
**لقد تضافرت النصوص القطعية على تحريم الغيبة باعتبارها من الكبائر : والغيبة كما في الحديث (هي ذكرك اخاك بما يكره) ،قال فإن كان في أخي ما أقول؟ فقال (ان كان فيه ما قلته فقد اغتبته ،وان لم يكن ما فيه فقد بهته) رواه مسلم :أي قلت عليه بهتانا عظيما ، وقال تعالى (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن ياكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) ، وهذه الحرمة تشمل كلا من الصالح والفاسق الا اذا كانت هناك مصلحة معتبرة شرعا ، فتجوز غيبة الفاسق بقدر المصلحة ، وبنية تحقيق المصلحة ، لاللتشفي ،والتشهير ، والسخرية..
*والأصل وجوب ستر المؤمنين جميعا (من ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة) مسلم ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حذر المومنين من أشكال من الناس متصفين بصفات معينة :(وتجدون شر الناس ذا الوجهين ياتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) البخاري ، وفي الصحيحين (أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال (بئس اخو العشيرة ، وبئس ابن العشيرة) فلما دخل بش في وجهه وألان له القول ، فلما ذهب قالت عائشة : مالك ألنت له القول بعد ان قلت في ماقلت ؟ فقال: (ان شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره) البخاري: قال ابن حجر في الحديث : جواز غيبة المعلن بالفسق ،أو الفحش ،ونحو ذلك من الجور في الحكم ،والدعاء الى البدعة ، مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم مالم يؤدي ذلك الى المداهنة: والفرق بين المداراة والمداهنة : أن المداراة بذل الدنيا لصالح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة أو مستحبة ، أما المداهنة :فهى ترك الدين لصلاح الدنيا وهي محرمة ،
*كما تجوز غيبة الظالم لقوله تعالى (لايحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم): فله أن يشكوه ويدعو عليه ، وان عفا وصبر فهو خير له .
*أما حديث ( لاغيبة لفاسق) : فقد قال ابن تيمية(هو ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه مأثور عن الحسن البصري، وأنه قال :(أترغبون عن ذلك الفاجر ؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس)،وفي الحديث الآخر (من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له) البيهقي ،وهؤلاء تجوز غيبتهم بلا خلاف وذلك اذا كان الرجل مظهرا للفجور كالظلم والفواحش والبدع المخالفة للسنة ، فاذا أظهر المنكر وجب الانكار عليه وأن يُهْجَر ويذم على ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان) مسلم. بخلاف من كان مستترا بذنبه مستخفيا فأن هذا يستر عليه لكن ينصح سرا ويهجره من علم به حتى يتوب .
وكذلك من استشارك في تزويج رجل أو امرأةفيها عيب أو فيه أو غير صالحة له أو لها فلينصحه ببيان حاله او حالها وهذا ليس من الغيبة. وكذلك تعريف الشخص بصفة فيه لايعرف الا بها كا لأعمش والأعور والأعرج لا يعتبر غيبة.
**أما النصيحة لأولي الأمرفهي واجبة بضوابطها وشروطها لحديث مسلم(الدين النصحة قلنا لمن يارسول الله قال : لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم) : وهذه النصيحة كما بين أهل العلم تكون بطاعتهم في المعروف واعانتهم ف اقامة العدل وتذكيرهم اذانسو ،وارشادهم من أهل الخبرة والعلم سرا فيما بينهم وبين ولي الأمر وأن لا تكون النصيحة في الملأ.
*فأين من هذا حكم النقد الذي توجهه المعارضة والأحزاب السياسية الى أنظمة الحكم في بلادها؟ : هذا النقد تنظمه وتقننه قوانين اللعبة الديمقراطية في البلد من جهة ،وقوانين حرية التعبير من جهة ثانية، لكنا اذا أردنا أن نزن هذا النقد بالميزان الشرعي : فلا بد لهذا النقد أن يكون لمصلحة البلد العليا ، وان لا يكون نقدا من أجل النقد ، او للتشفي ،وأن يكون مبنيا على معلومات دقيقة صحيحة ثابتة متأكد منها(يأيها الذين آمنو ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبو قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وأن لا يؤدي اثارته أو تغييره الى منكر أعظم منه ، او يؤدي لمفسدة محققة والا حرم لقاعدة(ارتكاب أخف الضررين لدفع اعظم المفسدتين).
**ومجمل القول أن النصيحة واجبة لأئمة المسلمين من العلماء وأهل الخبرة والسياسة ، والساكت عن الحق شيطان أخرس ، لكن هذه النصيحة لابد أن تضبط بالضوابط الشرعية، وتراعى فيها المصلحة المعتبرة ، وأن تصدر عن أهل الخبرة والإختصاص ، وان تبنى على معلومات دقيقة ، ومن النقد والنصيحة ما تطلع به الأحزاب السياسية ومراكز البحث ووسائل الاعلام ولا يمكن للأفراد القيام به لأنه بحاجة الى مصادربحث وتفكير وروية لاتتوفر لدى العامة.