الداعية المغربي محمد سالم إنجيه :"العمل السياسي قاطرة التغيير والإصلاح "(مقابلة)

اثنين, 06/08/2015 - 16:06

قال الداعية المغربي محمد سالم ولد إنجيه إن المعركة الأساسية الآن بالمغرب هي معركة القيم، والتأسيس لحضور دعوي فعال في مختلف المجالات، مع أن الساحة الدعوية هناك تشهد تنوعا في المدارس، وتكاملا إلى حد ما في الاختيارات.

وأضاف في مقابلة خاصة مع السراج إن هناك جدلا في المغرب حول دعوى غلبة التوجه السياسي؛ غير أن السؤال الملح هو :هل الخدمة التي يقدمها السياسي أو النقابي أو المشتغل بالعمل الاجتماعي العام خالية من الأبعاد التربوية والدعوية؟؟

وتحدث الداعية عن الحضور الثقافي والاجتماعي للمجموعات الصحرواية في المغرب وعن ما يميز الحالة الإسلامية في المغرب في فضائها المغاربي إلى غير ذلك من موضوعات 

فإلى نص المقابلة :

السراج الدعوي :

 حبذا لو قدم لنا الإستاذ محمد سالم صورة عن الساحة العلمية والدعوية في المملكة المغربية، وعن آفاقها؟

الداعية ولد انجيه :* الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله ومن اتبع هداه إلى يوم الدين، وبعد؛

شكر الله للإخوة القائمين على موقع السراج حسن ظنهم بي، ورغبتهم في مشاركتهم حديثا عن الحالة الدينية والعلمية بالمغرب، وإن لم أكن أولى من يُسأل عنها، غير أنني أتجاسر على الإجابة بغية تقريب الصورة، وتقديم ما يمن الله به من معطيات تخص فقرات الحوار..

تشهد الساحة العلمية بالمغرب حركية متواصلة ونشاطا بَيِّنا، لا سيما في صنف الدراسات الإسلامية والعلوم الشرعية، من خلال تسارع نشر البحوث الجامعية، وصدور تآليف جديدة، فضلا عن دوريات ومجلات متخصصة، وتأسيس مراكز بحوث متنوعة من قبل الرابطة المحمدة للعلماء مثلا، والمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة الذي نظم عدة ندوات وواظب على إصدار تقرير الحالة الدينية بالمغرب يرصد فيه تحولات التدين على المستوى الشعبي والرسمي والحركي، وقد شهد له غير واحد من المختصين بمقدرة على التحري، وحرص على المصداقية، وهناك أيضا مركز المقاصد للدراسات والبحوث الذي يشرف عليه الدكتور احمد الريسوني، وصدر له تقرير عن الحالة العلمية بالمغرب، وغيرها من المراكز والمؤسسات التي تعنى بالبحث العلمي وتهتم بالنشر، مثل مركز الدراسات الصحراوية بجامعة محمد الخامس، الذي صدرت عنه عدة كتب ومنشورات تهم تاريخ وثقافة الصحراء والساحل وموريتانيا، وفي غالبية الجامعات توجد مراكز في تخصصات مختلفة، ثم إن تسويق الكتاب الشرعي خاصة في تصاعد، والإقبال عليه في تنام بحمد الله..

أما الساحة الدعوية فتشهد تنوعا في المدارس، وتكاملا إلى حد ما في الاختيارات؛ والدليل عليه قلة مظاهر التصادم رغم بعض وجوه الخلاف، ولعلها تحاول فهم بعضها دون إقصاء، وتغتنم فرصة المناسبات الاجتماعية والسياسية الجامعة، وتتعاون غالبا في القضايا والمواقف المشتركة، كما تسعى عموما إلى الانخراط الايجابي في عملية التدافع السلمي لحماية المجتمع من دعوات التغريب التي تتنامى، وتتقى بالإعلام أساسا وبالهيئات المدنية الحقوقية، وتطرح المطالب المتعلقة بالحريات الفردية، وتبذل جهدها ـ وهو ليس هينا ـ لدفع جهات الدعوة رسمية كانت أم شعبية أم حركية للتقوقع والرجوع إلى الوراء، ولا تفتأ تفتح جبهات متعددة تستهدف القيم، وتثير معارك أخلاقية قد تضرب عمق التماسك الإجتماعي والسلم المجتمعي.

والمعركة الأساسية الآن بالمغرب هي معركة القيم، والتأسيس لحضور دعوي فعال في مختلف المجالات، مع التركيز على فئتي النساء والشباب، وضمان مشاركتهما في المواقع المامية للتدافع القيمي، وبناء الوعي بالتحديات المرتبطة بالعولمة وآثارها السلبية، والعمل على إعداد كفاءات تعي واقعها، وتستوعب قيمها، وتجتهد في تنزيلها على أرض الواقع عبر مؤسسات المجتمع الكثيرة، وعدم الاكتفاء بالمحاضن الدعوية للحركة؛ فالمجتمع خزان فياض، يتعين على الحركات الاسلامية التوجه إليه، والانطلاق منه لإخراج وتأهيل الطاقات الوطنية القادرة على تصدُّر المشهد، للدفاع عن الحرمات والثوابت الدينية التي لا يمكن اعتبار المجتمع مسلما بدونها..

السراج الدعوي :- هنالك تداخل اجتماعي كبير بين الموريتانيين والمغاربة، هنالك أسر ومجموعات فرقتها الجغرافيا بين البلدين، فما مدى الحضور الثقافي والعلمي لهذه المجموعة في المشهد العلمي المغربي؟

الداعية ولد أنجيه :* التداخل الاجتماعي قديم، ووحدة الأصول لكثير من الأسر والقبائل ثابتة، نتجت عن الهجرات التاريخية من الشمال إلى الجنوب والعكس، وتعززت بالحركية التي عرفتها المنطقة على إثر عمليات المقاومة للاستعمار.

والتفريق اليوم بين المجتمعات ذات الأصول والقواسم المشتركة يزكي الاعتراف بما رسخه الاستعمار من حدود الجغرافيا بين شعوب المنطقة بعد أن كان تحركها وتواصلها يتم بطريقة تلقائية عبر مجال جغرافي واسع وممتد؛ وحالات المصاهرة والإقامة الاختيارية لأهل الجنوب في الشمال ولأهل الشمال في الجنوب ضاعفت التداخل الاجتماعي الكبير بين موريتانيا والمغرب لا سيما في الجنوب المغربي؛ حتى لم تبق قبيلة موريتانية إلا ويوجد منها فرع أو أسرة تنتسب إليها، ونتج عن ذلك مسمى " قبائل الجنوب"..

أما الحضور الثقافي والعلمي لهذه المجموعات فمع الأسف محدود جدا، بل يوشك على التلاشي، خاصة بعد فقد كثير من الأعلام العلماء، وعدم وجود الخلف الذي يحمل رسالة العلم في المجتمع، باستثناء بعض الحالات القليلة الناتجة غالبا عن عصامية أصحابها، وليس عن توريث مدروس؛ وهذا الوضع ليس خاصا بهؤلاء، بل إن منطقة الجنوب لم تحافظ على مكتسبات التاريخ العلمي حتى في الأسر التي تنتسب لعلماء، ولم تهتم ببناء ذاتها العلمية والثقافية، وسرى عليها ما عم المجتمع في الصحراء من قلة اهتمام بالعلم فعليا وإن كانت هناك عاطفة تجاه العلم وتقدير وإجلال للعلماء لكنها لم تترجم واقعا في حياة الناس.

والدليل على ذلك قلة المراجع العلمية المقتدرة الفاعلة، وانعدام المؤسسات العلمية الخاصة، وانشغال من لديهم مستوى معرفي بشؤون حياتهم الخاصة، في شبه انقطاع عن ميراث الأجداد، وربما غلب على بعضهم التنافس على الاكتساب الدنيوي، وعدم امتلاك الشجاعة لإعادة مجد الأسلاف القريب، المر الذي حرم من نهضة علمية تسهم في إصلاح المجتمع، وتعيد ترتيب الأولويات فيه، فضلا عن عجز تام عن استثمار الامكانيات المرصودة من قبل الجهات الرسمية في ميدان التعليم والتعليم الأصلي خصوصا...

السراج الدعوي :- برأيك مالذي يميز الإسلاميين المغاربة، بين نظرائهم الإسلاميين في العالم الإسلامي، ومالذي يميز الحالة الإسلامية المغربية بشكل خاص في فضائها المغاربي العام؟

الداعية ولد انجيه :* بداية الجواب في سؤال سابق عن الحالة العلمية والدعوية؛ فالحركات الاسلامية بالمغرب عموما بينها اختلاف في الاختيارات لكنه قد يكون أقرب إلى التكامل منه إلى التعارض المفضي للمواجهة، وهي تشترك في سلميتها، وتفهُّمها لأوضاع مجتمعها، والتحديات التي تحيط به داخليا وخارجيا، وتكاد تتفق على مبدأ التدرج في الإصلاح، مع انفتاح على تجارب الإسلاميين في العالم للانتفاع بها دون التفكير في إسقاطها على الواقع المغربي، بل تبحث عن مواطن الخير في المجتمع لتنميتها وترصد مواطن الخلل لمعالجتها في إطار عملية تدافع ليست يسيرة مطلقا؛ ذلك أن صورا عديدة تمس الأخلاق والقيم تحتاج إلى مدافعة متعقلة في مواجهة جنود التغريب، ودعاة الحرية غير المسؤولة التي تستهدف قيم التماسك الاجتماعي والأسري، وتضغط بكل ما أوتيت عبر قنوات الممانعة الداخلية والخارجية، وتدعي الكلام باسم المغاربة الأحرار، وباسم الحداثة والحريات الفردية، وغير ذلك من الدعاوى المتجددة والتي تكتسب دعما متواصلا من قبل كثير من الغربيين المتحللين من القيم والأخلاق.

وتجربة المشاركة السياسية مكنت إلى حد ما من توسيع مجال الرؤية لمعاينة حجم التحديات المجتمعية في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والسياسية وغير ذلك، كما يسرت كذلك التعرف على حجم الأدوار المطلوبة لتصحيح ما انخرم من أوضاع المجتمع، وضرورة التكامل بين وظائف الدعوة والتربية والاصلاح الاجتماعي، ومهام السياسة وإقرار حفظ الحقوق والحريات، ورد الاعتبار للمواطن وتمتين ثقته في نفسه وفي مؤسسات وطنه بل في الوطن نفسه، وجعله عنصرا فعالا في بناء دولة القانون والمؤسسات، وترسيخ مبدأ التداول السلس على السلطة في إطار من السلمية وصيانة الاستقرار...

السراج الدعوي :- الإسلاميون والإرث الصوفي في المنطقة، ماهي مسارات التعامل ودوائر التلاقي بين الإسلاميين الصحويين (إذا صح التعبير) والإسلاميين الصوفيين؟

الداعية ولد انجيه :* حجم التحديات التي تواجه المجتمع، ومستوى الغزو الموجه لقيمه؛ حتَّما الانطلاق من اعتبار كل المتدينين جبهة واحدة يتعين على زعمائها وأقطابها ومسؤوليها وموجهيها نبذ الخلاف، وتعزيز المشترك؛ لذلك فحُسْن التعامل بين عناصر الطيف الإسلامي التقليدي والحديث، الرسمي والشعبي، وتنمية الوعي بمقومات الدولة المغربية وعلى رأسها الدين، جعل الكل تقريبا ينخرط في مسار السلمية والتفهم للاختيارات، واحترامها، وهذا جعل هذه الجبهة تسعى لتحقيق رغبات التدين في المجتمع، وتبتعد عن الصدام.. أعانها في ذلك النظر إلى أن في المجتمع فرصا كثيرة أوسع من الجهود المبذولة من قبل الكل، وهذا ليس مانعا من مناقشة ما لدى كل اتجاه من اختيارات وربما نقدها والتعليق عليها..

والإرث الصوفي لا يخرج عن هذه المعاني؛ ففيه ما يعين على تثبيت التدين، ويتعين التعاون من أهله للعمل على تصحيح ما يشوبه من الموروث الذي لا تدعمه أصول الشريعة، كما ينبغي حفْزُ المنتسبين إليه على تجديد التخلق بأخلاق أعلامه الفضلاء، والاجتهاد في تزكية النفوس انسجاما مع مقتضيات كتاب الله تعالى وصحيح سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ وما اختاره أعلام التربية من أمثال الشيخ أبي سليمان الداراني يرحمه الله الذي يقول : " قد تقع النكتة من كلام القوم في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من كتاب أو سنة؛ لأن الله جعل لي العصمة فيهما ولم يجعلها في غيرهما".

السراج الدعوي :- يرى بعض المتابعين أن الشأن السياسي غلب على الإسلاميين المغاربة بشكل خاص وقلص من حضور الجوانب التزكوية والعلمية ؟

الداعية ولد انجيه : العمل السياسي في عالم اليوم صار قاطرة التغيير والإصلاح المجتمعيين، لأنه يرسم توجه المجتمعات، ويتدخل في كل الأمور الخاصة والعامة؛ وانخراط فئة من أبناء الحركة الإسلامية في العمل السياسي استلزم تفرغ قيادات أسعفتها خبرتها في التربية والدعوة على تجاوز كثير من المشكلات المتعلقة بخطر تقديم المصالح الذاتية، والارتهان لبريق الوجاهة والحضور في المجال العام؛ بل أكسبتها مقدرة على استحضار حاجيات الفرد والمجتمع، ومحاولة تحقيقها بناء على منهج العدل والانصاف وإيصال الحقوق، وسعي لضمان قدر من التوازن بين فئات المجتمع، كما زودتها تلك الخلفية التربوية بجرأة لازمة لكل سياسي حريص على الإصلاح، مدرك لعوائقه، مستشرف للمستقبل، واع بمتطلباته..

وهذا لا ينفي جوهر سؤالكم بل يؤكده لأن هناك نقاشا كبيرا وعميقا في بعض الأوساط الحركية حول دعوى غلبة التوجه السياسي؛ غير أن السؤال الملح هو :

هل الخدمة التي يقدمها السياسي أو النقابي أو المشتغل بالعمل الاجتماعي العام خالية من الأبعاد التربوية والدعوية؟؟

إن الحاجة ماسة اليوم إلى تصحيح النظر بخصوص ما يبذله كل فرد لمجتمعه، ضمن المجال الذي اختاره أو رُشِّح له، والبحث فيه عن الأبعاد التربوية لنفسه أولا ثم لمجتمعه، والعمل السياسي بمختلف جبهاته عمل تربوي إذا قام صاحبه بالقسط، وأقام العدل، وحد من هدر المال العام، وأدى وظيفته باستقامة ونزاهة، ونفس الكرب، وأسهم في إنارة الطريق للخلق لمعرفة الحقوق، والتوجيه لإقامة الواجبات، وما يترتب على ذلك تجاه الله تعالى أولا ثم تجاه أنفسهم والمجتمع.. وأحسب أن أخطر انحراف اليوم هو الانشغال ببحث حقوق الخلق وإهمال التعريف بحقوق الخالق سبحانه...

السراج الدعوي :- ناقشتم موضوع فتاوى البدع عند المالكية بغرناطة في القرن الثامن الهجري؛ برأيك، هل لا يزال حضور الجدل حول البدعة والسنة بذات القوة التي طبعت المشهد الإسلامي في عقدي الثمانينيات والتسعينيات؟

الداعية وأنجيه : يبدو أن الجدل حول البدعة خف كثيرا، وإن كانت دواعيه لا تزال قائمة من خلال التلبس بكثير من الأمور المعدودة في سلك البدع، ومرد ذلك ربما يعود إلى توسع وتجدد دائرة اهتمامات الناس اليوم، لتشمل قضايا أكبر من الصراع حول البدع التقليدية التي يجد بعضها محملا يجعلها غير ذات أهمية في مقابل البدع الجديدة في السلوك والاعتقاد المترتبة على العولمة وتقليص هامش الخصوصيات..

والكلام في هذا الموضوع متشعب، يحتاج إلى أهل الاختصاص الشرعي، والدارسين الاجتماعيين المهتمين بتتبع شؤون المجتمع والتحولات التي يعرفها...

السراج الدعوي :- كلمة ختام
الداعية ولد انجيه : أرجو للموقع وللقائمين عيه مزيد تألق وتأنق، وأسأل الله تعالى أن يكون فيما ذكرت فائدة لمن يطلع عليه، وأن يغفر لي زللي، ويتجاوز عني، والله المستعان.

السراج الدعوي :شكرا جزيلا