محمد محمود ولد الصديق، مدير المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية
(1)
يُرهبني ويهزني انتقال الخطاب فجأة من السياق العام ومن ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم، حينما يعلن الله العظيم عن نفسه مباشرة ويضيف الأمر إليه من غير واسطة مستعملا ضمائر (نحن، أنا، إنني): (وإذا سألك عبادي عني فأني قريب) ، (لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نعلمهم) ، (نحن أعلم بما يقولون) ، (إنني أنا الله)...
(2)
التقوى ، الصبر ، الصدقة (الإنفاق) : يبدو "خطاب التكليف" بهذه المعاني والقيم الثلاثة - وبهذا الترتيب - أكثرَ شئ تَكَرُّرا وتردُّدا في القرآن
- يتربع الحديث عن التقوى (أمرا، وحثا، ومدحا) على قمة الأوامر والمعاني القرآنية.
- وفي الصبر طالعَنا القرآن حتى الآن بأربعة أنواع: الصبر على المصيبة، والصبر (في البأساء، والضراء، وحين البأس)..
- وكانت الوقفة الرهيبة البارحة مع الصدقة ، فهي كا الزرع الذي يُثمر أضعافَ بُذوره، وكلأرض الطيبة التي أصابها وابِل أو طَلّ فآتت أُكلها ضِعفين . ولكن بشرط أن تكون خالصةً لله ؛ فإلم تكن كذلك ، كانت كـ(صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا)، أو كحديقة غناء من نخيل وأعناب أصابها بعد زهوها ونضجِها واستشرافِ أهلها لثمارها (إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ)!!
ما أبلغ القرآن وأروعه ، هكذا هو المحق و"الدمار الشامل" الذي يفعله الرياء بالعمل، نعوذ بالله من الرياء.
(3)
مما أخبرنا به القرآن البارحة أن من الناس من إذا تولى مسؤوليةً عامة أَغنَى نفسَه وحَرَم الناس، إمْعاناً في الدّوْسِ على "الأمانة" وتضييعِ "المسؤولية" : (أمْ لهم نصيب من الملك ، فإذا لا يؤتون الناس نقيرا).
(4)
عَجِبت لسُمُوّ وجمالِ تشريعات القرآن الكريم : الأمرُ بالعدل والقسطِ حتى إلى الخصوم والشانئين، وحتى ضد النفس والوالدين والأقربين... والأمرُ بالعفو والصفح حتى عن الأعداء المجرمين : (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).