تصورات خاطئة حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الحلقة الأولى)

اثنين, 07/20/2015 - 13:13

بقلم / محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، ورضي الله عن الصحابة والتابعين، ومن يتبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد :

" فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي بعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمت الفترة وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ."
وقد دلت على مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أدلة الكتاب والسنة .

فمن صفات المؤمنين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر قال الله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) ( سورة التوبة : 71 )
وهذا بعكس صفات المنافقين ( والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ) ( سورة التوبة :67)

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المؤهلات التي أهلت هذه الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) ( سورة آل عمران : 110)

وقيام مجموعة من الناس بمهمة الأمر والنهي فريضة من فرائض الإسلام ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم ا لمفلحون ) ( سورة آل عمران: 104)

والأمر والنهي ليس شرعا خاصا بهذه الأمة بل كان مشروعا في الأمم السابقة فهذا لقمان يوصي ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وقد ذم الله بني إسرائيل لمسارعتهم في المعاصي، والتعدي على الحقوق ، وأكل المال الحرام ، وذمَّ الربانيين منهم والأحبار لعدم قيامهم بهذه الفريضة ، فقال عز وجل ( ترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ، لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون )( سورة المائدة : 62-63)

والربانيون هم العلماء العمال أرباب الولايات عليهم والأحبار هم العلماء فقط . " كما قال ابن كثير

قال جار الله محمود بن عمر الزمخشري عند قوله تعالى ( لبئس ما كانوا يصنعون ) : "كأنهم جُعِلوا آثم من مرتكب المناكير، لأن كل عامل لا يسمى صانعا ، ولا كل عمل يسمى صناعة حتى يتمكن فيه ويتدرب وينسب إليه ، وكأن المعنى في ذلك أن مُواقِعَ المعصية معه الشهوة التي تدعوه إليها وتحمله على ارتكابها ، وأما الذي ينهاه فلا شهوة معه في فعل غيره ، فإذا فرط في الإنكار كان أشد حالا من المُواقِع ، ولعمري إن هذه الآية مما يقِذُ السامع وينعي على العلماء توانيهم . وعن ابن عباس رضي الله عنهما هي أشد آية في القرآن ، وعن الضحاك ما في القرآن آية أخوف عندي منها . "

وتبعه محمود الألوسي فقال : " في الآية إشارة إلى أن ترك النهي أقبح من الارتكاب ، ووُجِّه بأن المرتكب له في المعصية لذة وقضاء وطر بخلاف المقِرِّ له . "

وقال القرطبي: " دلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر، فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . "
وقد لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان أنبيائهم لعدم قيامهم بهذه الفريضة ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون )( سورة المائدة : 78-79 )
قال الغزالي"وهذا غاية التشديد إذ علل استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر ."
كما نوه الله عز وجل بالذين ينهون عن الفساد في الأرض ( فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم )( سورة هود : 116)

قال الطبري: " أولو بقية من الفهم والعقل يعتبرون مواعظ الله ... ينهون أهل المعاصي عن معاصيهم ، وأهل الكفر بالله عن الكفر به في أرضه. "
و نوه بالذين ينهون عن السوء ، وسجل في كتابه العزيز نجاتهم ، ونبه إلى أن نجاتهم كانت بسبب النهي عن السوء قال عز وجل ( فلما نسُوا ما ذكِّروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بيس بما كانوا يفسقون )( سورة الأعراف:165)

وقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم توضح قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبين أن لتغيير المنكر درجات روى مسلم عن طارق بن شهاب قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان . " رواه مسلم

وبناء على ما جاء في القرآن وثبت في السنة الصحيحة اعتبر العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية التي إذا قام بها بعض المسلمين سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم بها أحد أثم الجميع، ونص الفقهاء على ذلك في كتبهم الفقهية وذكره خليل في مختصره مسلمة من مسلمات الفقه المالكي فقال : " الجهاد في أهم جهة كل سنة –وإن خاف محاربا – كزيارة الكعبة فرض كفاية – ولو مع وال جائر – على كل حر مكلف ذكر قادر كالقيام بعلوم الشرع ، والفتوى ، ودفع الضرر عن المسلمين ، والقضاء ، والشهادة ،والإمامة والأمر بالمعروف ، والحرف المهمة ، ورد السلام ، وتجهيز الميت ، وفك الأسير . "

وقال القرافي: " قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعا . "
وقال النووي : " تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة . "

وخلاصة ما تقدم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة دل عليها الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، فلا يمكن نسخها بالتخيل والتوهم ، وقد شاعت بين المسلمين تصورات خاطئة حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تفضي في النهاية إلى إلغاء هذه الفريضة المحكمة ، فكان لا بد من بيان الخطإ ، وإزالة الشبهة ، والرجوع في ذلك كله إلى أقوال أهل العلم .
جهاد البيان (21)